الطاهر ساتي : فليزحفوا ..!!

الخرطوم .سودافاكس
يوليو الفائت، عندما تساجل المجلس العسكري وقوى الحرية حول بعض السُلطات، كتبت ناصحاً بالنص: (الفترة القادمة محفوفة بمخاطر الثورة المضادة، وبالأجندة الخارجية و الأفكار المتطرفة وكتائب الظل وغيرها من الألغام .. وإن كانت مواكب اليوم تُناصر قوى الحرية ضد المجلس العسكري، فإن مواكب الغد ثورة مضادة تستهدف قوى الحرية و المجلس العسكري.. نعم، مصيرهما مشترك، والأفضل أن يحمي كل طرف ظهر الآخر طوال المرحلة الانتقالية، فالحركة الإسلامية لا تنسى ولا تسامح ولا تستسلم)..!!
و اليوم، الخرطوم على موعد مع ما أسموه بالزحف الأخضر، المعلن عنه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع .. والشاهد لم تدع لهذا الزحف الأخضر أية جهة معلومة، حزباً سياسياً كان أم منظمة مجتمع مدني، بل تفاجأ الشعب بدعوات ـ على مواقع التواصل وجدران المنازل و المحلات التجارية والمرافق العامة ـ تدعوهم للخروج إلى الشوارع في مواكب ضد حكومة الثورة .. ولم يصدر عن أي حزب أو منظمة أهداف هذا المسمى بالزحف الأخضر، ولكن بعض الشعارات تطالب برحيل حكومة الثورة، ولم تطرح البديل ..!!

 

مواكب الثورة كانت واضحة العناوين و المعالم والأهداف، بحيث تبنتها ـ ودعت لها ـ كل القوى السياسية المعارضة و النقابات المهنية وقطاعات الشعب، وهي كانت مواكب ضد حكومة شمولية، بحيث يكون البديل حكومة ديمقراطية ينتخبها الشعب، بعد فترة انتقالية تتعافى خلالها البلاد من آثار عقود الشمولية، أو هكذا كان الوضوح .. ولكن المسمى بالزحف الأخضر دعوة (جهة مخفية)، وزحفها ضد حكومة الثورة، إلا أنها تستحي من طرح البديل..!!
نعم، كما الحياء يمنعهم عن تبني موكب اليوم، فإن الحياء أيضاً يمنعهم عن طرح بدائل حكومة الثورة التي هم يطالبون برحيلها .. ربما يريدون إعادة تنصيب الحزب المحلول، بحيث يحكم ـ ويبطش ويفسد ـ مرة أخرى .. أو ربما يسعون ـ بزحفهم الأخضر ـ لإعادة تنصيب الرئيس المخلوع شخصياً، ليحكم ويرقص ـ على أشلاء ما تبقى من الوطن والشعب ـ مرة أخرى .. تلك أهداف زحفهم الأخضر، ولذلك يستحون منها ويخفونها عن الناس، كما يخفون أنفسهم ..!!

 

 

فليزحفوا بلا قيود.. إنها دولة الحرية التي لا تحجب الرأي الآخر، ولا تمنع التعبير طالما كان سلمياً، فهنيئاً لهم ما كانوا يحرمون منها خصومهم .. وليتهم يستلهموا ـ من مسارات زحفهم ـ قيمة الحرية وقيم العدالة، ويستغفروا ويتوبوا عما كانوا يفعلون بخصومهم في مثل هذا الموقف .. فليزحفوا، فالدستور لا يمنع المرء عن المشي والزحف و الطيران.. ومهما زحفوا أو طاروا، فلن يعودوا بعقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى حيث كانت دولة الظلم والحرب والفساد.. !!

 

 

 

فليزحف من يشاء ـ بكل حرية ـ ما لم يكن ممارساً أو داعياً للعُنف .. ثم عليه أن يعلم أن زحفه لن يُعيد عقارب الساعة إلى زمان كان فيه صاحب الرأي الآخر يزحف على بطنه في بيوت الأشباح وأوكار التعذيب .. ولن يعود ذالك الزمان .. لقد دفع الشعب الثمن غالياً لينعم بدولة الحرية والعدالة والسلام، وقدّم من الأنفس أغلاها و أنقاها، ومن الدماء أزكاها وأطهرها، حتى صار الوطن قاب قوسين أو أدنى من أهداف ثورته و صناعة قراره بإرادة شعبه..!!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.