الطاهر ساتي : بلطجية

:: هي إحدى موبقات المرحلة الماضية، وكان يجب التخلص منها بعد ثورة الوعي التي انتظمت كل أرجاء البلاد، ولكن يبدو أن أمر التخلص منها بحاجة إلى كثير جهد من قبل السلطات المسؤولة.. يوم السبت، في ندوة (خارطة الطريق لإدارة المستشفيات، المشاكل والحلول)، كشف رئيس المجلس الطبي د. الخاتم الياس، عن تسجيل حالات اعتداء على الأطباء ببعض ولايات السودان (72 حالة)، وهذا رقم كبير .. ثم الأخطر قوله إن الاعتداء يتم بشكل ممنهج، ثم اتهامه جهات لم يسمها بالتآمر على الأطباء ..!!

 

:: الاعتداء على الأطباء كان طبيعياً في دولة الغابة التي كانت حكومتها إحدى (رعاة العنف)، وبما أن دولة العدالة إحدى غايات ثورة الشعب، فإن تواصل جرائم الاعتداء على الأطباء يعني أن أمر حسمها بحاجة توعية ثم قوانين رادعة .. والمؤسف للغاية، والمعيب في ظل دولة القانون، تعليق البعض على حوادث الاعتداء على الأطباء، بحيث يكون لسان حالهم: (ديل حقارين، يستاهلوا)، أو هكذا أحكام الجهلاء والفاقد الأخلاقي.. !!

 

:: للأطباء علينا دين مستحق، ومن الخطأ أن تبقى العلاقة بين الطبيب والمرافق في بلادنا في محطتي العدائيات والاعتداءات.. ومهما كانت الأسباب، ما لم يكن هو البادئ بالاعتداء، لا يُوجد إنسان على ظهر الأرض يستحق (الاعتداء عليه).. أي حق الدفاع عن النفس – فقط لا غير – هو شرط الاعتداء على الآخر، طبيباً كان أو غيره ..وما عدا هذا الحق المشروع، فالمحاكم هي الفيصل بين الطبيب وأهل المريض أو المتوفي، وكذلك المجلس الطبي .. !!
ولو كان هذا المعتدي يعلم راتب طبيب المشافي العامة، وعدد ساعات عمله لسد النقص، لما ذهب إليه بمريضه (إشفاقاً عليه)، وناهيك عن التفكير في الاعتداء عليه.. ومع هذا، لن نغفل سوء الإدارة.. نعم، بؤس الإدارة بالمشافي هو مدخل العنف وأهم أسباب الاعتداء على الأطباء و كوادر التمريض.. غير تكدس العنابر بالمرافقين، يأتي المرافق بمريض في حالة طارئة، ولا يجد المُرشد الذي يجب أن يأخذ بيد المريض ويذهب به إلى الطبيب المناوب!!

 

:: وناهيك عن هذا المرشد المُغيب في كل مشافي البلد، بل أحياناً لا يجد المريض ومرافقه حتى الطبيب المناوب.. ومن هذا الفشل الإداري، يبدأ غضب المرافق ويتصاعد لحد التفكير في الاعتداء.. وكثيراً ما ناشدنا – حتى بحت أصواتنا – السلطات بأن إدارة المشافي يجب أن تذهب لأهل الإدارة، ولا حياة لمن نناشد.. كما أن الإداري المتخصص في إدارة المرافق الصحية لا يتقن غير إدارة المشافي، فان الطبيب في علوم الأمراض لا يتقن غير علاج الأمراض !!

 

:: ثم يجب تشريع قانون رادع يحمي الأطباء من (البلطجية).. نعم، من يعتدون على الأطباء يعرفون دروب النيابات والمحاكم، ولكنهم (بلطجية)، ويجب ردعهم بقوة القانون .. تم تغليظ عقوبة الاعتداء على الطبيب ببعض الدول العربية بحيث تصل إلى سجن (5 سنوات)، وفي بعض الدول الأوربية (10 سنوات).. هكذا يردع القانون المعتدين على الأطباء، ولكن هنا – في موطن باركوها يا جماعة – تنتهي عمليات الاعتداء بمسح دموع المعتدى عليه، لأن العقاب أوهن من بيت العنكبوت!!

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.