عبداللطيف البوني: التطهير، التمكين، التعفيش

سودافاكس- الخرطوم :

(1 )
ترك الانجليز في السودان خدمة مدنية (يغني عليها الكاشف) قائمة على قواعد موضوعية تحدد طرق الدخول فيها والاستمرار فيها والطرد منها والترقي فيها وفوائد ما بعدها واهم مبادئها أنها تقوم على التأهيل والقدرات الذاتية وليس فيها مكان لأي معايير خارجها كالانتماءات السياسية أو العرقية أو الجهوية ولكن السودانيين يعجبوك في تخريب الحاجات الجميلة فبمجرد ما آل الامر اليهم بعد خروج المستعمر ادخلوا فيها المحسوبية (قريبي وقريبك) والرشوة والفساد ولكن كان كل ذلك بعد استيفاء الشروط الاساسية لذلك ظلت هذه التدخلات محدودة لم تؤثر على عظم الخدمة المدنية.

 

(2 )
اما التدخلات التي جابت خبر الخدمة المدنية أو على الاقل اضرت بها ضررا بليغا فهي تلك المرتبطة بالسياسة، فدخول السياسة في تلك الخدمة بدأ عندما رفع اليسار السوداني شعار التطهير بعد ثورة اكتوبر فغني له وردي ( هتف الشعب من اعماقه التطهير واجب وطني ) المهم أن فكرة التطهير قامت على اساس إبعاد كبار موظفي الخدمة المدنية منها بحجة انهم ليسوا موالين للنظام الحاكم مع انهم ليسوا معارضين . كان عدد المبعدين بعد اكتوبر قليلا ولكن تم التوسع بعد مايو عندما دان الامر بالكامل لليسار ( بيك يا مايو يا سيف الفدا المسلول نشق اعداءنا عرض وطول) وكانت اكبر مجزرة تطهير حدثت في القضائية وجامعة الخرطوم.

 

( 3 )
ثم جاءت الانقاذ في يونيو 1989 فطمبجت الشغلانة طمبجة شديدة اذ أعملت سيف التقطيع والبتر في الخدمة المدنية تحت لافتة الصالح العام (شوفوا الافتئات على هذا الشعار الجميل دا كيف؟!) بينما الشعار الخاص كان التمكين فكان الإبعاد لكل الذين لديهم جينات معارضة للنظام الحاكم ثم كان إبعاد البعض لأن وظائفهم يجب أن تذهب لذوي الولاء السياسي ثم كان التحطيم العام من اجل اقامة دولة موازية للدولة الاصلية لتدوم السيطرة إلى ظهور المسيح فإن كان التطهير هو إبعاد غير المرغوب فيهم بآليات سياسية فان التمكين يعني الإبعاد ثم الإحلال بآليات سياسية ومع كل الذي تقدم استطاعت الخدمة المدنية بما لديها من مناعة ذاتية الحفاظ على هيكلها العظمي وان كان اللحم لحق أمات طه اما الشحم فتعيش انت.

 

 

( 4 )
جاءت ثورة ديسمبر المجيدة لإزالة كل ما ما احدثته الانقاذ من تشوهات لدرجة انه قد اعلن حتى المناصب السياسية فسوف تسند لذوي الكفاءة ولن يكون من اشراطها الانتماء السياسي ولكن للاسف ساعة التنفيذ لم تتم مراعاة هذا الامر لا بل تجاوز الامر المناصب السياسية الى الخدمة المدنية حيث افرغت المناصب العليا فيها من شاغليها بحجة انهم جاءوا بالتمكين وبالطبع هذا وارد ولكن المشكلة في الإحلال حيث انه كان من ذوي الانتماء السياسي بدلا من ذوي الكفاءات وهذا ما اصطلح عليه بالتمكين المضاد . ووصل الامر مرحلة أن احد الذين تم تعيينهم في وظيفة عليا من وظائف الخدمة المدنية وبآلية سياسية قالها بصريح العبارة وفي حفل استقباله إن اي عامل في المؤسسة كان منتميا للنظام السابق (يلملم عفشه) اي يأخذ ما يخصه ويغادر هكذا !!! وبهذا يكون التعفيش آخر رصاصة قاتلة وجهت لصدر الخدمة المدنية، رحمها الله رحمة واسعة.

 

 

السوداني

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.