أم بقبق.. أم شعيفة.. الويكة : وجبة شعبية تسللت إلى مائدة العاصمة

(1)
عرف البشر الويكة (البامية) منذ القدم وفي العصرين الاغريقي والروماني الذي مر على مصر زرعت البامية ووجدت صور منحوتة لها على معابد فرعونية وهي تتوطن في المناطق الحارة عموماً في افريقيا الاستوائية وبدأت زراعتها في الشرق الاوسط والهند منذ فترة طويلة وفي القرن التاسع عشر الميلادي شوهدت نباتات البامية البرية علي ضفاف النيل الابيض في السودان .
(2)
للبامية تاريخ يبدأ في مصر قبل عهد كليو باترا ويعتقد انها انتشرت الى اجزاء كثيرة من العالم خلال تجارة الرقيق عبر المحيط الاطلسي بين القرون السادس عشر الى التاسع عشر. وخلال الحرب العالمية الثانية ادي نقص حبوب البن الى اللجوء إلى بذور البامية كبديل للقهوة ومنذ ذلك الحين لم تختف شعبية البامية في جميع الاسواق في جميع انحاء العالم وعلى مدار السنة.
(3)
تعد ولاية النيل الابيض الاشهر في زراعة البامية وتستند الشهرة على التاريخ الطويل وكأول موطن لها في السودان القرن التاسع عشر الميلادي.. ورغم ذلك فان الجموعية اكسبت شهرة واسعة النطاق لانتاجها في السودان خاصة في شمال امدرمان وفي الغالب فان جميع ملاك الارض المطرية من بلدات وحواشات يزرعونها خلال فترة الخريف ودون ذلك فان قاطني ضفتي النيل الابيض والازرق في المناطق الحارة يزرعونها مرتين او يزيد خلال العام. في النيل الابيض يشتهر الجضيعات والهيرار والسعيداب وقبائل اخرى جنوب كوستي بزراعتها في اوقات مختلفة فالخريفية تزرع عقب وقوع الثريا مباشرة منتصف اواخر مايو وهناك الدرتية اواخر اغسطس وبداية سبتمبر وهنالك الشتاوية «حسب الامكانيات لاعتمادها على الاسمدة والمبيدات لاصابتها بالامراض وخاصة العسلة في شهور ديسمبر ، يناير، فبراير. كما ان هناك اهل حمرايا جنوب كوستي يزرعونها عند بداية انحسار النيل اواخر ابريل ومنتصف مايو ما يعرف بالجروف يعتمد منتجوها على بيعها خضراء وتقطع وتجفف عندما يكثر الانتاج وتقل الاسعار في السوق..
(4)
يشبه تركيب البامية وفائدتها الملوخية لوجود المادة الغروية في كليهما ويتألف تركيب البامية من 8.3% ماء الفحم ، 2% بروتين، 1.1% ماء، 2% دهن، 1.4% الباف وبعض المواد الغذائية ومقدار مقدر ومتوسط من فيتامين (أ)
وصفت البامية بانها جيدة التغذية وهي تحارب الامساك. تعالج البامية احياناً بخلطها بنباتات اخرى اقل غروية منها وتطبخ بعدة طرق. البامية ليست لذيذة فقط انما غنية بالالياف والمعادن وفيتامين (أ) و(ب) وقليلة السعرات الحرارية مفيدة للامعاء وتساعد على التخلص من الكولوسترول.
يعد ملاح البامية الخضراء (أم بقبق) اكثر شعبية في السودان خاصة في فترة انتاج البامية الذي يستمر لما يقارب او يتجاوز الثلاثة اشهر ان وجدت العناية فهي عادة تحصد كل يومين أو «تلقط كل يومين اليوم الثالث» وتعد في الريف بطريقة مبسطة وجميلة في ذات الوقت فهي تقطع على شكل دوائر صغيرة وتغلى في الماء والبصل والشرموط ان وجد فهو غير مهم ان لم يوجد بعد ذلك تدرج جيداً بالمفراكة الخشبية الصغيرة ويضاف لها احياناً بعض التوابل والبهارات.
في الريف عادة هنالك مواسم للملاح فبعد أم بقبق تأتي ام شعيفة فهي عادة فترة تسبق عز الدرت وتحسين الوضع الاقتصادي للمزارع فام شعيفة يسميها البعض ام تلاته «موية، بصلة، ويكة» وهي احلي ما تكون بعصيدة متوسطة السخونة ومن دون خمير او عجين حسب هواية البعض. أو نادي ابوك في اشارة لسرعة اعداده وبساطة محتوياتها. وتجد الضرا في هذا الوقت كل صحانته او اغلبها ملاح ام شعيفة.
بعد هذه الفترة بقليل تأتي فترة اكثر سعة في الضرا انواع مختلفة من التقلية واللوبا والروب والويكة اليابسة «ام شعيفة» ويتنادى الناس في الضرا او الديوان للاكل كل حسب ما يريد وفقاً للمقولة الشهيرة «الضرا سوق» أو «النساء حداديات» ومن طرائف ما يذكر ان احدهم على ما اعتقد نوى الزواج على زوجته وعندما حضر الاكل قال ابنه النساء حداديات فرد على ابنه بسخرية «اي النساء حداديات ولكن انت امك سكين ما بدقها» ولعل الاشارة واضحة لعدم مقدرتها على صنع ملاح «حلو». وتأتي اخيراً فترة الرشاش وتكثر الكسرة بموية بطرق مختلفة «عصيدة وطرقة او رهيفة»
(7)
اخذت الويكة او البامية طريقها لمائدة المدينة بزمن طويل عندما بدأت الهجرة إلى المدن واخذت طريقها للانتشار لاهميتها الاقتصادية والجمالية وهي تزين المائدة بجانب طبايخ متعددة ومختلفة.
(8)
عزيزتي ان اردتِ ان تحفظي البامية المجففة وبطعمها المميز ودون ان تنفد. لا تسحنيها بالسحانة الكهربائية بل «دقيها بالفندك والمدق» اي يدوياً وضعي بداخلها بعد دقها عطرون او كاتول في علبة من الزجاج او الحديد وتجنبي اكياس النايلون.

محمد ابراهيم الخميني
صحيفة الوان

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.