زهير السراج : خارج الخدمة !

الخرطوم : سودافاكس
* لو كنت المسؤول لأحلتُ كل مدراء البنوك للتقاعد، واستبدلتهم بمصرفيين أجانب، وأصدرت بياناً بإغلاق كل ماكينات الصراف الآلي الى حين تأهيلها لتؤدي مهمتها بكفاءة، بدلاً عن إضاعة وقت الناس في العثور على ماكينة صالحة للعمل بلا طائل، واستمرار الفضيحة التي تتسبب فيها للبلاد في نظر الاجانب الذين يقيمون بيننا، وتعكس الحالة المتردية والتدهور المريع في النظام المصرفي لدرجة ان كل البنوك بلا استثناء تفشل فشلاً ذريعاً في صيانة وتشغيل الصرافات الالية التابعة لها، وهي احد أهم المنافذ المصرفية لتيسير وصول العملاء الى حساباتهم والحصول على النقود بدون الحاجة الى تكبد مشاق الحضور الى البنوك والانتظار الممل نتيجة الوقت الطويل الذي يستغرقه عد النقود المحمولة في الجوالات والكراتين، وهي ظاهرة لا توجد الا في السودان لأسباب ليس هذا مجال ذكرها !

 

 

* لا يعقل ان تتحول وسيلة الهدف منها تيسير العمل المصرفي وتوفير الوقت والجهد والمال الى وسيلة عكننة وتبديد للوقت والجهد والامكانيات، بسبب الاعطال الكثيرة لماكينات الصراف الآلي التي خرج معظمها من الخدمة، وصار مجرد حديد خردة، ومن الغريب جداً ألا يثير ذلك قلق الجهات المختصة التي تقدم وتشرف على هذه الخدمة، وعلى رأسها البنوك التي ظلت تتعامل معها بكل اهمال واستسهال وازدراء غريب لعملائها بدون أن تكلف نفسها حتى مشقة الاعتذار!

* وينسحب ذلك على بنك السودان الذي يشرف على المعمل المصرفي في البلاد ويقع عليه عبء المراقبة والمحاسبة، ولكن من يراقب ومن يحاسب ومن يعاقب .. ومن يراعي لمصلحة العمل ومصلحة المكان الذي يعمل فيه ومصلحة العميل الذي يقدم له الخدمة ليحصل على ثقته ويفيده ويستفيد منه، خاصة في قطاع مثل القطاع المصرفي يفترض ان يكون الافضل على الاطلاق في تقديم الخدمات لعملائه الذين يأتمنونه على نقودهم ويتيحون له فرصة الحصول على الارباح الضخمة منها!

 

 

 

* أسمحوا لي أن أحكي لكم قصة قصيرة حدثت لي في مدينة (تورنتو) الكندية حيث أقيم، وذلك للمقارنة فقط بين ما يحدث هنا وما يحدث هناك .. حيث سحبت في احدى المرات 200 دولار كندي من ماكينة الصراف الآلي التي توجد خارج البنك الذي اتعامل معه، ولكنني أخذت بطاقتي ونسيت أخذ النقود، وعندما عدت بعد 5 دقائق لم أجدهم، فسحبت غيرهم وذهبت!

* حضرت الى البنك في اليوم التالي لشأن آخر، وعندما قضيت حاجتي خطر لي ان اسأل الموظفة وهي شابة في مقتبل العشرينات عن الزمن الذي تستعيد فيه الماكينة النقود المسحوبة اذا لم يأخذها صاحبها، والى أين تعود النقود … الى حساب الزبون ام الى خزنة البنك، وما اذا كانت هنالك طريقة لمعرفة ذلك، فأجابتني بأن الزمن يتراوح بين 20 ثانية ودقيقة حسب برمجة الماكينة، وان النقود تذهب في العادة الى خزنة البنك ويمكن للزبون استعادتها بالتبليغ عبر الهاتف او امام الكاونتر، فطلبت منها ان ترى ما اذا كانت الماكينة قد استعادت نقودي، فنظرت الى جهاز الكمبيوتر الموجود أمامها، ثم تأسفتْ لي بأنها لم تعد الى الخزينة وغالبا ما تكون قد فقدت، فشكرتها وتهيأت للخروج، ولكنها فاجأتني بالقول بأن النقود خارج البنك مسؤولية صاحبها، و”لكنني سأسامحك هذه المرة واعيد المائتي دولار الى حسابك هدية من البنك”، وقبل ان اصحو من المفاجأة، قالت لي وهي تدق بأصابعها على لوحة المفاتيح : “الآن عادت إليك النقود، ولكن يجب ان تحرص الا يتكرر هذا الامر في المستقبل”، ثم سألتني بابتسامة عريضة .. “مبسوط ؟”!

 

 

 

* من قامت بهذا العمل شابة صغيرة في العشرينات اتخذت في لحظة القرار بدون تردد او رجوع الى مشرف او مدير، حرصاً على الزبون والحصول على رضائه، ليس لشخصها ولكن للبنك الذي تعمل فيه !

* قارنوا بين تصرف هذه الشابة الصغيرة .. والتجاهل المريع الذي يتعامل به مدراء البنوك والمسؤولين عن النظام المصرفي عندنا فيما يتعلق بالصرافات الآلية التي صارت عبئاً على العمل المصرفي ومصدر عكننة وتبديد للوقت والجهد واستهتار بالعملاء بدون ان يحرك ذلك ساكناً في أحد !

 

 

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.