عبداللطيف البوني : المزارعون، صفحة منسية

سودافاكس- الخرطوم :

(1)
كتاب التاريخ السوداني ينسب حركة التحرر الوطني من الاستعمار للمتعلمين الذين تخرجوا من مدرسة (المبشر)، ويتناسى الدور الكبير الذي قام به العمال، ويتجاهل عمدا دور المزارعين وبالتحديد دور مزارعي الجزيرة في الحركة الوطنية، فإضراب 1946 الذي قام به مزارعو الجزيرة لم يجعل الحاكم العام يرتجف في قصره، بل وقف مصانع لانكشير في بريطانيا على(فد كراع) وجعل برقياتهم تنهمر على الخرطوم . نعم لقد كان الإضراب بسبب إخفاء الإدارة البريطانية مال الاحتياطي المأخوذ من نصيب المزارع، ولكن الإضراب جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية لأن المزارعين في هبتهم لم يتركوا للمستعمر صفحة يرقد عليها، وقد كان بتحريض ودعم مباشر من مؤتمر الخريجين.

 

(2)
لئن كان إضراب 1946 واعتصام في مدني هو الهبة الأولى، فإن الهبة الثانية والكبرى كانت في ديسمبر 1953 حيث احتل مزارعو الجزيرة ميدان المولد بالخرطوم، وكان مطلبهم هو الاعتراف باتحادهم، وكان للحزب الشيوعي السوداني القدح المعلى في تنظيم ذلك الاعتصام، وقد كان الاعتصام جزءا لا يتجزأ من الحركة الوطنية والتي كانت ساعتها قد أحرزت تقدما كبيرا باتفاقية فبراير 1953 التي كانت الخطوة الأولى نحو الاستقلال التام . وأكبر دليل على ارتباط المزارعين بالحركة الوطنية هو أن مؤسستهم التمثيلية (النقابية) تطورت مع التطورات الدستورية التي حدثت في البلاد. فالهيئة التمثيلية لمزارعي الجزيرة جاءت مثل المجلس الاستتشاري لشمال السودان، حيث أعطت المزارعين دورا محدودا، أما هيئة شئون المزارعين فقد كانت في صلاحياتها مثل الجمعية التشريعية، وأخيرا جاء دستور اتحاد المزارعين مماثلا لدستور السودان الانتقالي 1956م.

 

(3)
الحداثة التي أدخلها المشروع في أرض الجزيرة كانت كفيلة بجعل مزارع الجزيرة مرتبطا بالهم الوطني العام لا بل بما يجري في كل العالم وقد أسعدتني الظروف باللقاء المباشر مع قادة حركة المزارعين بالجزيرة فهم لا يقلون قامة عن قادة الحركة الوطنية في العاصمة فالتقيت بالشيخ مبارك أحمد دفع الله قائد إضرا ب1946 بقرية الطلحة وبالشيخ أحمد بابكر الإزيرق رئيس الهيئة في قرية ود النعيم، كما أمضيت يومين مع الشيخ الأمين محمد الأمين قائد اعتصام المولد وأول رئيس لاتحاد مزارعي الجزيرة بقرية معجينة، كما أمضيت يومين مع الشيخ محمد عبد الله الوالي في فداسي والتقيت بالشيخ عبد الرحيم أبوسنينة والشيخ يوسف أحمد المصطفى والشيخ عبد الله برقاوي وجلست كثيرا للأستاذ كامل محجوب وسجلت منهم الكثير من المعلومات والحكاوي، وهنا لابد من الإشادة بالأستاذ الصحفي المؤرخ الكبير المثابر/ صديق البادي الذي أصدر أكثر من كتاب عن الحراك السياسي لمزارعي الجزيرة والمناقل، ولم يترك زيادة لمستزيد، كما لابد من الإشادة بتحالف مزارعي الجزيرة الذي سير موكباً للخرطوم يوم الأحد الماضي لإحياء ذكرى اعتصام ميدان المولد إذ ذكر أهل السودان بنضالات هؤلاء الوطنيين الأشاوس.

 

(4)
النقلة التي أحدثها المشروع لإنسان الجزيرة جعله متفاعلا مع مؤتمر الخريجين كرسول للتحرر الوطني، ثم مع الحزب الشيوعي كمبشر بالاشتراكية العالمية، فأصبح المزارعون (تربية شيوعية) ولكنهم لم يتكلسوا في أي من تلك المحطات وهم يستشرفون الآن الليبرالية الجديدة (نيوليبرالزم) حيث التحرر الاقتصادي مع تعظيم المسؤولية الاجتماعية لرأس المال، ويظهر هذا بوضوح في تطور علاقات الإنتاج في المشروع، ولكن تبقى الحلقة المفقودة الآن هو تمثيل المزارعين (اتحاد, جمعية, رابطة)، فالمهم هو الوظيفة المناطة بذلك الكيان وليتوحد مزارعو الجزيرة، فالبلد في انتظارهم.

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.