الذهاب إلى كاودا : مداخل جديدة لمعادلات الحرب والسلام

الذهاب إلى كاودا : مداخل جديدة لمعادلات الحرب والسلام

السلام كموضوع يمكن تشبيهه بالأكسجين, لأن الإنسان لا يتفقده إلا عند إنعدامه , حينها الإنسان يستشعر الموت الزؤام , بل للسلام معانٍ لا نهائية تمتد إلى ما وراء المعايير المادية , لأنه حديثاً أصبح للأكسجين متاجر يكمن شرائه بالموازين, و هذا ما لا يمكن تطبيقه على السلام, فتُجّار الحرب لا يمكن أنْ يصبحوا تُجّاراً للسلام , كل الحكومات الوطنية التى حكمت السودان فشلت فى تحقيق السلام , لأنّها وضعته فى معادلة مع الحرب وهى الحالة المثالية التى فيها ينعدم السلام , أستمر الحال هكذا حتى أنفصل جنوب السودان كنتيجة حتمية لهذه المعادلة , و كنا كلنا شركاء فى فصل الجنوب , لأنّ المشكلة أرتبطت بالوعى التصورى فى تفسير علاقاتنا الإجتماعية و تنميط الآخر , كيفية رؤيتك للآخر تُعتبر مدخل حقيقى للإعتراف أو عدم الإعتراف بحقوقه و من هنا يبدأ مفهوم إحترام الآخر , من ثَمَّ يتنزل السلام أو تشتعل الحروب .

و لنا فى حكومة 30/ يونيو مواعظ ,عندما أستلمت حكومة الإنقاذ دفة البلاد أعلنت أنّ السلام هو الأولوية القصوى وتوحيد البلاد , و لكن للأسف أصبح هذا الإعلان الخطوة الأولى فى توسيع دائرة الحرب و إنقسام و تفطر السودان, و يرجع ذلك إلى الكيفية التى فسروا بها مفهوم السلام . عندما ذهب وفد التفاوض إلى أديس أبابا فى 1989 لمفاوضة الحركة الشعبية , كانت جدية الدولة مشروخة بتناقضات غريبة و مثيرة للدهشة , وصّت رئاسة الدولة وفد التفاوض بالتعامل مع الحركة الشعبية بإعتبارها شريحة من الدينكا( موثق), و كانت النتيجة معروفة وهى الفشل فى الخطوة الأولى, و بعد الضغوط المحلية و العالمية جاءت إتفاقية السلام الشامل, لكنها لم تكن مُبشِّرة منذ التوقيع عليها من خلال بعض السلوكيات التى صاحبت المفاوضات و التوقيع , مثلاً أحدهم ( من قادة الإسلاميين) يرفض مصافحة جون قرنق أثناء الإحتفال بتوقيع إتفاقية السلام مدّعياً أنّ يده لا تصافح يداً تلطخت بالدماء . و بعد الإستفتاء الذى نتج عنه إنفصال الجنوب, آخر يذبح ثوراً إحتفالاً بفقدان جزء من أرضه السودان , مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تكون مدخل لتعايش سلمى, و فى نهاية المطاف تم نسف إتفاقية السلام الشامل التى دُونت فى كتاب ضخم أحتوى على ستة فصول من بنود الإتفاقية بمذكرة من ستة سطور من وزير الدفاع انذاك عبدالرحيم محمد حسين فى 20/5/2011 عندما أعلن نزع سلاح الحركة الشعبية بالقوة, مثل هذه السلوكيات لا يمكن أن تحقق سلاماً, فلا يمكن لشخصٍ أنْ يقطف برتقالاً فى حديقة لا يرى فيها إلا الفلفل الحمراء .

 

زيارة رئيس الوزراء إلى كاودا , ليس بذاك التجريد الذى يجعل من هذه الرحلة مجرد سفرية أحتوت على حقائب بها أجندة وضعتها الحكومة الإنتقالية , إنّما هى تمثل ثورة على الأسمال البالية التى تدثرت بها علاقات الهامش و المركز, وهى ثورة على تُجار الحرب و إستمرار فى تنفيذ مشروع ” دولة تسع الجميع” , الزيارة إلى كاودا هى من إلهامات الثورة التى بدأت تستوحاها المؤسسة السياسية لأوّل مرة لتنفيذ مطالب الشعب الضرورية مثل السلام , طالما تغنى بها الثوار حتى كادت تنشق حناجرهم حين هتفوا بأهزوجة ” حرية سلام عدالة”. الذهاب إلى كاودا هى مبادرة تسمو على التجريد الجغرافى إلى رسائل دفيئة تصل أقاصى الشرق و الغرب و الشمال , لترسيخ السلام ما بين الهامش و المركز , فهى ليست رحلة إلى جنوب كردفان إنّما هى خطوة فى مشوار الإنتقال إلى السودان الجديد .

عبدالرحمن صالح احمد( ابو عفيف)
رسائل الثورة (21) 9/1/2020

aahmed59@gmail.com
facebook:Abdurrahman Salih

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.