زهير السراج: هيبة الدولة !

سودافاكس- الخرطوم :

* تأخر كثيراً القرار الذي أصدره وزير التجارة والصناعة بتكوين آلية تنفيذية لمراقبة الأسواق الداخلية ورصد وضبط حركة الاسعار والنشاط التجاري وجودة السلع ودقة الموازين بكافة انحاء البلاد!

 

* لقد كان من الواجب أن يكون أول قرار يصدر من الحكومة ووزارتها المختصة سواء على المستوى الاتحادي او الولائي ضبط الاسواق ومكافحة الجشع، حيث استغل الكثيرون أجواء الحرية التي عمت البلاد بعد سقوط النظام البائد وانشغال الأجهزة الأمنية والرسمية ببعض المشاكل الملحة، ليعيثوا فساداً في الأرض ويتلاعبوا بأسعار السلع بدون رادع من قانون أو وازع من ضمير أو اخلاق، مستغلين الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتدهور المستمر في قيمة الجنيه السوداني كمبرر لرفع الاسعار يومياً بوتيرة أسرع كثيراً من انخفاض قيمة الجنيه السوداني التي يتحججون بها !

 

* صحيح أن التدهور المستمر في قيمة الجنيه يؤثر بشكل مباشر على كل مجالات الحياة وقيمة السلع باعتبار أن غالبيتها بل كلها مستوردة من الخارج بعد أن دمر النظام البائد كل القطاعات المنتجة في الزراعة والصناعة وكل شيء، وأية إمكانية لإنتاج سلع سودانية رغم أسبقية السودان في انتاج وتصدير عدد من السلع الحيوية مثل زيوت الطعام والصابون والنسيج، فصار يستورد كل شيء بعد استيلاء النظام الفاسد على الحكم والذي رفع شعارات مثل (نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع)، و (من لا يملك قوته لا يملك قراره) .. ولكنها ذهبت أدراج رياح الطمع والفساد والتدمير المنهجي المتعمد للدولة وتحويلها الى ملكية خاصة للحزب الحاكم وتجار الدين والمنافقين، وهو ما اعترف به الرئيس المخلوع في مؤتمر شورى الحركة الاسلامية الذي بثت أجزاء منه قناة (العربية) في برنامج (الأسرار الكبرى)!

 

* ولقد صرنا بسبب هذا التدمير وتلك الجريمة الكبرى في مؤخرة دول العالم، وتحول رأس الدولة الى أشهر متسول على بلاط الملوك والأمراء بينما كان بإمكاننا بعد استخراج البترول وتصديره، أن نتحول الى دولة محترمة تسدد كل ديونها الخارجية، وتعتمد على نفسها وتملك قرارها وتأكل بالفعل مما تزرع وتلبس مما تصنع، خاصة مع الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية التي أنعم الله بها علينا، ولكن ابتلانا بحكام لصوص قتلة ومجرمين دمروا السودان وحولوا شعبه مع سبق الإصرار والترصد الى شعب جائع فقير ومستهلك، ولكنهم والحمد لله فشلوا في كسر همته وانتزاع ثوريته فثار عليهم وأسقطهم في مزبلة التاريخ، وبقى له ان يتعلم كيف يتحول الى انسان منتج يعتمد على نفسه، ويدبر حياته بشكل أفضل ويوفر لمستقبله، فلا تطوير بدون توفير سواء على مستوى او الافراد او الدولة.. التوفير هو أساس الاقتصاد وأساس النمو والتطور، وسيكون لي عن هذا الموضوع المهم حديث طويل لاحقا، بإذن الله!

 

* صحيح ان التدهور في قيمة الجنيه يؤثر على كل شيء بما في ذلك أسعار السلع، ولكن ليس بالطريقة الفوضوية التي نشاهدها ونتعامل بها في الأسواق، حيث صار كل صاحب سلعة، وكل تاجر قطاعي وكل تاجر جملة وكل مستورد يعمل بمزاجه وهواه، وغابت الدولة تماماً من هذا المجال، مما أتاح الفرصة للفوضى والتلاعب بقوت الجماهير والتلاعب بالأسعار وتحويل السوق الى نار جهنم تحرق كل من يقترب منه، وليس هنالك للأسف وسيلة للابتعاد عنه فاحترق بنيرانه الجميع، وليت القرار المتأخر بضبط الاسواق يعيد الامور الى نصابها، غير أن تطبيقه يحتاج الى عزيمة وجدية ومسؤولية، يجب أن تشمل الجميع ويتولى القيام بها الجميع، وأشير هنا الى أهمية الرقابة الشعبية الصارمة والمنضبطة التي يمكن ان تقوم بها لجان المقاومة في الاحياء والمشاركة في ضبط حركة السلع والاسواق، خاصة أن القرار نص على مشاركة ممثلين عنها في آلية ضبط السوق، واتوقع لها النجاح خاصة مع النجاحات الكبيرة التي حققتها في انارة وتنظيف وتشجير وتجميل الاحياء، ويجب أن تساهم بشكل جاد في ضبط حركة السلع والاسواق وحماية المواطن من الاستغلال..!

 

* كما يجب على الحكومة وكل الجهات المختصة أن ترتفع لمستوى المسؤولية في محاربة تجارة العملة خارج القنوات الرسمية، وتُظهر العين الحمراء للمتلاعبين بالجنيه والأمن الاقتصادي وقوت المواطن، وكسر شوكة انصار النظام البائد الذين يتحركون في كل المجالات لإسقاط الحكومة وإضعاف هيبة الدولة بالسبل والوسائل المتاحة لهم ومنها تجارة العملة !
* لا بد أن تعود هيبة الدولة.. فلا دولة بلا هيبة، ولا ديمقراطية بلا قانون .. والحرية لا تعني الفوضى والاعتداء على الحقوق، واستغلال حاجة الناس !

 

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.