سودافاكس- الخرطوم :
لم يجد النائب العام، تاج السر الحبر، إجابة يرد بها على وفد الكونغرس الأمريكي الذي يزور السودان بشأن تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير إلى المحكمة الجنائية، غير أن يقذف بالكرة بعيداً عن ملعبه القانوني ويسددها ناحية منبر جوبا الذي يشهد مباحثات سلام بين الحكومة الانتقالية وقوى الكفاح المسلح، ويكشف بأن وصول الجنرال الذي تم خلعه بثورة شعبية إلى سجون لاهاي بهولندا، رهين بنتائج المفاوضات الجارية بعاصمة دولة جنوب السودان.
وحتى لا يتم تفسير حديثه بأنه هروب عن الإجابة المباشرة أو بتسييس القضية فإن النائب العام لم يجد غير الاستدراك وهو ينوه إلى أن القضية تتعلق بأطراف عدة بمن فيهم الضحايا وأسرهم، فضلاً عن مسائل قانونية يجب النظر فيها، وحديث النائب العام يبدو في ظاهره موضوعياً لجهة أن ما تتوافق عليه أطراف التفاوض بعاصمة جنوب السودان جوبا يصبح واجب التنفيذ من جانب الحكومة، وفي هذا الصدد فإن الحركات المسلحة طالبت ومن ذات المنبر، بضرورة تسليم المخلوع إلى المحكمة الجنائية التي أصدرت بحقه مذكرة توقيف في العام 2009 تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور، ومن زاوية أخرى فإن حديث النائب العام يعتبره البعض غير موضوعي من واقع أنه من الجهات الأساسية التي تملك القول الفصل في هذه القضية.
وما لم يقله النائب العام عن قضية تسليم المخلوع مباشرة، عبّر عنه من قبل الناطق الرسمي للحكومة الانتقالية فيصل محمد صالح، الذي أكد أن القضاء السوداني مؤهل لمحاكمة البشير وهو ذات القول الذي جرى على لسان القيادي بالحرية والتغيير القانوني ساطع الحاج، الذي شدد في حديث سابق على إمكانية محاكمة البشير في السودان لاعتقاده الجازم بأن القضاء السوداني مؤهل لهذه المهمة .
غير أن حديث فيصل وساطع وتلميحات النائب العام تبدو غير مقنعة لعدد من الجهات الداخلية والخارجية، التي ترى أن تتم محاكمة البشير في محكمة الجنايات الدولية ومنها منظمة العفو الدولية، التي شددت في وقت سابق على أن الرئيس المعزول عمر البشير يجب أن يقدم للعدالة الدولية ليواجه الجرائم التي ارتكبها خلال فترة حكمه، ومن بينها الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في إقليم دارفور، وأضافت المنظمة أن قضية المحاكمة التي خضع لها للبشير خطوة إيجابية نحو المحاسبة في الجرائم التي ارتكبها، إلا أنه ما زال مطلوباً في جرائم بشعة ارتكبها بحق الشعب السوداني، وقال جون نيانيكي مدير المنظمة لوسط أفريقيا والبحيرات العظمى في تقرير: «إنه يجب على السلطات السودانية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية»، وأضاف: «لقد تهرب البشير من العدالة لفترة طويلة، ولا يزال ضحايا جرائمه البشعة ينتظرون العدالة والتعويضات».
وعلى ذات طريق العفو الدولية مضت بطبيعة الحال المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، التي طالبت السلطات السودانية بالإسراع في تسليم الرئيس المخلوع البشير، للمحكمة (في هولندا)، أو محاكمته بالعاصمة الخرطوم، على الجرائم التي ارتكبها في إقليم دارفور غربي البلاد، وأبلغت بنسودا أعضاء المجلس أنها ستفتح في القريب العاجل جداً حواراً مع السلطات القائمة في السودان بشأن تسليم البشير وآخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إطار حملته لسحق تمرد في إقليم دارفور، وأردفت: «مع دعم من هذا المجلس (مجلس الأمن) أعتزم فتح مناقشة في القريب العاجل جداً مع السلطات في السودان حول هذه الأمور، وهناك التزامات قانونية على السودان أن يتعاون بشكل كامل وتام مع مكتبي في هذا الصدد.
وغير بعيد عن هاتين الجهتين الدوليتين ،فإن الاتحاد الأوروبي يرغب في الحصول على إجابات عن بعض الاستفسارات، بشأن الأحداث السابقة طوال فترة 30 عاماً، ومنها موقف السودان من المحكمة الجنائية الدولية وتسليم البشير، ورغم ذلك فان موقف حكومة الثورة لم يختلف عن حديث النائب العام لوفد الكونغرس الامريكي فكل طرف يقذف بالكرة بعيداً عن ملعبه ولا يقدم معلومة ذات قيمة توضح هل سيتم تسليم البشير الى المحكمة الجنائية ام لا، وعلى ذات الطريق مضت رئيسة القضاء، نعمات عبد الله محمد خير، التي نوهت أن إحالة البشير إلى المحكمة الجنائية من اختصاص سلطات أخرى، وإن السلطة القضائية ليست معنية بالمسألة، وجاهزة للفصل في الدعاوى التي تحال إليها وفقاً للأدلة.
حديث رئيسة القضاء وقد جاء متطابقاً مع حديث عدد من المسؤولين الحكوميين ، وهنا ماذا عن الحرية والتغيير ورأيها في هذه القضية الشائكة بحكم انها الحاضنة السياسية للحكومة وحاملة لواء الثورة ،الاجابة تأتي في سياق تأكيد لها على أن جميع مكوناتها متوافقة على تسليم الرئيس المعزول عمر البشير، للمحكمة الجنائية الدولية، في حال برأه القضاء السوداني، وهنا يتضح ان التحالف السياسي الاكبر في تاريخ السودان وضع شرطاً لتسليم البشير وهو تبرئته من قبل القضاء السوداني وهذا يعني انه اذا تمت ادانته ومحاكمته فلن يتم تسليمه.
ورأي الحرية والتغيير الضبابي وغير القاطع يبدو قريب الشبه من تصريح الناطق الرسمي للحكومة وزير الإعلام والثقافة فيصل محمد صالح، الذي اشار الى أن مجلس الوزراء الانتقالي سيناقش في وقت لاحق، القرار الذي ستصدره المحكمة الدستورية بشأن العريضة التي تقدمت بها منظمة إنهاء الإفلات من العقاب وقبلتها المحكمة الدستورية شكلاً والمتعلقة بتسليم البشير الى المحكمة الجنائية، لافتاً إلى أن الحكومة ستنتظر ما يسفر عنه قرار المحكمة الدستورية والجهات العدلية والقانونية لتتخذ الموقف المناسب بشأن تسلم المطلوبين للمحكمة الدولية.
وبالعودة الى النائب العام فان حديثه مع هيئة محامي دارفور وحول ذات القضية جاء مختلفاً عن ما ادلى به لوفد الكونغرس الامريكي، فنائب رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود قال عن مخرجات ذات اللقاء انه ناقش عدداً من المواضيع ذات الصلة بهيئة محامي دارفور، منها «تسليم الرئيس المعزول عمر البشير، للمحكمة الجنائية الدولية، ومشروع تعديل القوانين السارية، وأداء مكتب مدعي عام جرائم دارفور، والعدالة الانتقالية ،ليضيف:»إن الطرفين اتفقا على أن التوقيت غير ملائم لخروج تصريحات تتعلق بتسليم البشير، للمحكمة الجنائية الدولية».
مما سبق فان الحكومة حتى الان ليس لديها موقف ثابت وموحد تجاه قضية تسليم المعزول الى المحكمة الدولية، اضطراب موقفها قد يكون حقيقياً وربما يأتي من واقع وجود تخوف من المكون العسكري الذي اعلن من قبل رفضه تسليم القائد العام للقوات المسلحة الى الجنائية، وربما ينبع هذا الموقف الضبابي من واقع مناورة الحكومة الانتقالية بهذا الملف وسعيها لتحقيق مكاسب توازي حجم الهدية التي ستقدمها للمجتمع الدولي، مكاسب تتمثل في رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للارهاب بالاضافة الى اعفاء ديونه وفتح ابواب التمويل الدولي امامه.
الانتباهة