مدينة كاودا السودانية.. لماذا يخشى سكانها مآلات المفاوضات الجارية؟

تشعر للوهلة الأولى عند دخول مدينة كاودا (عاصمة الحركة الشعبية لتحرير السودان) بأنك في بلد آخر خارج السودان؛ فاختلاف مظاهر الحياة وطبيعة سكانها المحليين لا تخطئه العين.

تمثل المدينة رمزية سياسية وعسكرية للحركة الشعبية؛ فهي منذ عام 1983 خارج نطاق سيطرة الحكومة، عندما أعلن الفريق يوسف كوة مكي التمرد في وجه حكومة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، وانضمامه للحركة الشعبية في جنوب السودان بقيادة دكتور جون قرنق.

ظلت المدينة، ولأكثر من 37 عاما، تحاول صد المحاولات المستمرة لعودة تبعيتها للحكومة السودانية، وخرج الرئيس المخلوع عمر البشير في أكثر من مرة عن طور الصبر، وأعلن في تحدٍ واضح الصلاة في المدينة، في منطقة يدين معظم سكانها بالمسيحية.

 

مخاوف المواطنين
يتخوف مواطنو كاودا في حديثهم للجزيرة نت من مآلات المفاوضات الجارية حاليا في مدينة جوبا (عاصمة دولة جنوب السودان)، في ظل ما وصفوه بغياب الإرادة السياسية الصادقة.

وينتقد آخرون توجه الحكومة الانتقالية للمضي على نهج حكومة الإنقاذ في ما أسموه “تفتيت ثوار الكفاح المسلح”، والتوقيع على اتفاقات مجزأة مع أطراف ليس لها تأثير عسكري ولا سياسي، ولا تمتلك سندا جماهيريا، الأمر الذي سيعمِّق الأزمة السودانية ويطيل أمد المعاناة.
وكانت الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو طرحت رؤيتها إبان زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منطقة كاودا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من خلال شعارات رفعتها الجماهير تطالب بسلام عادل ومستدام في ظل دولة علمانية.

وتضع الحركة الشعبية الحكومة الانتقالية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة، أو إعطاء منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق حق تقرير المصير، وهو الهاجس الذي يؤرق مضجع السودانيين، خاصة بعد التجربة المريرة لجنوب السودان.

 

كاودا أو “كابو”
تقع كاودا -أو “كابو” كما يسميها سكانها- على بعد نحو مئة كيلومتر شرق مدينة كادقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، وأقرب المدن إليها هَيبَان على بعد نحو أربعين كيلومترا شمالا، وتلودي التي تبعد ثمانين كيلومترا في اتجاه الجنوب الغربي.

موقع كاودا الحصين، وتمتعها بالموارد الزراعية والثروات الحيوانية والمعادن المختلفة، شجَّعا الحركة الشعبية على اتخاذ المنطقة معقلا لها، ورئاسة سلطتها المدنية التي يمتد ظلها ليشمل كل الأقاليم والمناطق في جبال النوبة التي تسميها “المناطق المحررة”.

تقطن منطقة كاودا قبيلتا التِّيرَا والأطُورُو، وهم السكان الأصليون، ولكن في ظل السيولة الأمنية التي أفرزها استمرار الحرب في جنوب كردفان، أصبحت كاودا حاضنة لعدد من القبائل التي جاءت مما يُعرف محليا “بالمناطق المحررة”.

يمتهن سكان كاودا حرفتي الزراعة والرعي، والأخيرة هي الحرفة السائدة عند معظم قبائل النوبة بجنوب كردفان، بيد أن ظهور الذهب حوَّل وجهة بعض الأهالي للاشتغال في عمليات التنقيب عن المعدن النفيس، إلى جانب ممارسة التجارة.

 

وتعتمد المؤسسات التعليمية في كاودا على منهج تعليمي أجنبي مأخوذ من كينيا وأوغندا، ويقول مسؤول تربوي في كاودا -فضَّل حجب اسمه- للجزيرة نت إن السبب في ذلك يرجع إلى شعور المنطقة بأن المنهج السوداني لا يعكس ثقافتهم، ولا يتناول عاداتهم وتقاليدهم، ولا يمثل بيئتهم المحلية.

يذكر أن الاستعمار الإنجليزي حاول مرارا وتكرارا كسر صمود كاودا واستباحة أراضيها واستغلال مواردها، ولكنه فشل، وفشلت بعده كل محاولات الحكومات المتعاقبة في السودان، التي سعت لاستعادة كاودا إلى حضن السيادة الوطنية.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.