لبناني يحويل النفايات إلى ثروة

سطّرت الحكومة اللبنانية فصلاً جديداً من فصول الفشل، بعد أن عجزت عن إيجاد حل لأزمة النفايات التي اجتاحت العاصمة اللبنانية بيروت وبعضاً من المدن والقرى اللبنانية. أمام واقع كهذا، كان لا بد أن يلجأ المواطنون إلى وسائل وطرق بديلة من الدولة تنوب عنها، متخذين زمام المبادرة. ولعل قاسم طفيلي خير مثال على هذه المبادرات التي تنوب عن الدولة، إذ استطاع أن يصل بمبادرته إلى مراتب تخوله تعميمها على بلدته الجنوبية “زبدين” وعلى سائر المناطق اللبنانية، للحد من أزمة النفايات.

وبدأ طفيلي بالتحضير لمشروع “فرز النفايات من المصدر” في عام 2014 بدعم من الاتحاد الأوروبي، وتحديداً من صندوق ENPI CBC MED، وهو أحد الصناديق الأوروبية المكلفة بتطبيق السياسة الأوروبية في حوض البحر المتوسط. واستطاع الحصول على تمويل بقيمة 750 ألف يورو، يتم صرفه بناء على موازنات ودفاتر تخضع لشروط أوروبية محاسبياً. ويتوزع مصدر التمويل بين الصندوق الأوروبي والبلديات والشركاء اللبنانيين الذين يساهمون بنسبة 10% من قيمة المشروع.

يقول طفيلي: “إن الغياب الحكومي وتأثيره على إطلاق المشروع، خصوصاً أن الفترة التي أردنا فيها إطلاق المشروع شهدت غياب الحكومة اللبنانية، أخّر بعض الإجراءات الإدارية، وبالنتيجة انطلاق المشروع، حتى بدأ فعلياً في شهر مايو/أيار من عام 2014، بعد أن كان مخططاً له أن ينطلق في يناير/كانون الثاني من عام 2014، وينتهي في ديسمبر/كانون الأول من عام 2015.

اختار طفيلي البدء بالمشروع متخذاً بعض العائلات في منطقته كعينة عشوائية، إذ عمم تجربته على 60 منزلاً في منطقة زبدين، مؤمناً لهم مستوعبات النفايات المتعددة للبدء بالفرز من المصدر. وتقوم هذه المبادرة على تقسيم النفايات إلى قسمين، بداية، نفايات صلبة ونفايات غير صلبة. لتقسم بعدها النفايات الصلبة إلى عدة أقسام، فيفرز الورق عن البلاستيكيات، والحديد وغيرها من المواد التي يمكن الاستفادة منها، بهدف إعادة تدويرها واستعمالها من جديد.

اقرأ أيضا: تدوير النفايات: استثمار عربي مربح

ويشرح طفيلي لـ”العربي الجديد” أن أكثر من 60% من النفايات المنزلية في لبنان تتكون من النفايات العضوية، فهي غالباً ما تتكون من بقايا الطعام والمنتجات الاستهلاكية الخاصة بهذه الفئة، مشيراً إلى أنه يمكن الاستفادة من هذه المواد في إنتاج أسمدة ومواد تُحسن الإنتاج الزراعي اللبناني.

أمّا بشأن النفايات الصلبة، فيؤكد طفيلي أن 20% منها قابل لإعادة التدوير، في حين أن 80% منها يذهب هدراً. ولحل هذه المعضلة والقضاء على أزمة النفايات نهائياً، استُغلت هذه النفايات المهدورة لتتحول إلى لوحات فنية مصنوعة منها، صممتها الفنانة ثريا حلال.

ونظراً لكون المشروع مموّلا من الهيئات الأوروبية والصناديق المانحة، فلا يستطيع طفيلي بيع المواد المعاد تدويرها والمفروزة، ما يدفعه إلى وهبها لإحدى الشركات التي تشتري المواد الأولية بهدف إعادة استخدامها في منتجات جديدة.

ولكن التمويل الأوروبي لن يستمر إلى ما لا نهاية، إذ إنه من المخطط أن يقف التمويل بعد سنتين على إطلاق المشروع، ما يطرح تساؤلات حول قدرة هذا المشروع الإنتاجية ومدى ربحيته لضمان استمراريته؟

يجيب طفيلي عن هذه التساؤلات بالقول إنه مشروع رابح جداً، ضارباً أمثلة من الحياة اليومية، “فكثيراً ما نرى أشخاصاً يبحثون في مستوعبات النفايات عن بقايا الحديد والتنك المرمية، ليذهبوا ويبيعوها”. ويضيف أن طن البلاستيك مثلاً يثمّن بـ 700 دولار أميركي، في حين أن طن الألمنيوم يصل إلى 600 دولار تقريباً.

ويشير إلى أن العينة التي اختارها والمكونة من 60 عائلة، تنتج ما يقارب الطن من النفايات الصلبة شهرياً، ما يعتبر أمراً مربحاً في حال عُممت التجربة على نطاق البلديات. وفي السياق نفسه، يؤكد أن المشروع لا يحتاج إلى الكثير من المعدّات والآلات، إذ يكفي أن يكون لديك مستودع وموظفون لجمع النفايات من المنازل حتى تتمكن من تغطية بلدة مثل زبدين. إلا أنه لفت، من جهة أخرى، إلى أن الوعي العام بشأن أهمية الفرز من المصدر هو ما يهدّد استمرارية هذا المشروع. ولهذه الغاية، عقدت البلدية مؤتمرات ومهرجانات عدة لتوعية الأهالي بشأن أهمية هذا الموضوع وضرورة البدء بالفرز في المنازل، كان آخرها في الخامس والسادس من الشهر الجاري. ولزيادة التحفيز اعتمد طفيلي نظام النقاط مقابل الفرز، إذ تحظى العائلات التي فرزت في منزلها بنقاط تخولها الفوز بجوائز مختلفة.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.