تسليم البشير للجنائية

سودافاكس- الخرطوم :
لدي يقينٌ راسخٌ أن مسألة تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير، وبقية المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور وغيرها إلى محكمة الجنايات الدولية لن تتم وستُقابل برفضِ قاطع، واعتراضٍ صريحٍ، وبتحفظ قوي في أضعف حالات الرفض… وأدركُ تماماً أن هناك حُججاً قانونية ومنطقاً سليماً مبنياً على قانون محكمة الجنايات الدولية نفسه يسند هذا الرفض، أقول ذلك ليس تعاطفاً مع المطلوبين ولكن لإعلاء شأن القانونيْن الدولي والوطني فقد بطلت مبررات تسليمهم بعد الثورة وزالت الأسباب قانوناً وليس بمنطق السياسة…
صحيح أن بعض أنصار الرئيس المخلوع سيقابلون الأمر بالهياج العاطفي والشعور بالاستهداف، وهناك من السودانيين من يرفض عملية التسليم من منطلق وطني عاطفي تحت لافتة الدفاع عن السيادة الوطنية، والأهم من ذلك كله أن هناك رفضاً ينطلق من منصة قانونية بحتة تقوم مرتكزاتها الأساسية على حجتين قانونيتين وفقاً للنظام الأساسي في معاهدة روما التي يقوم عليها قانون محكمة الجنايات الدولية، ففي ديباجة النظام الأساسي نص صريح يقول: (إن المحكمة الجنائية الدولية ليست بديلاً للمحاكم الوطنية، وإن لكل دولة الحق في ممارسة سلطاتها الجنائية تجاه أي شخص ارتكب جرائم دولية، ولا تتدخل محكمة الجنايات الدولية إلا في حالتين : عندما يكون القضاء الوطني غير راغب، أو عندما يكون غير قادر).. وهناك من يتحفظون على هذه الخطوة من منطلق وطني وشعور بانتقاص السيادة الوطنية…
الآن دعونا من الصراخ العاطفي لأنصار الرئيس المخلوع، ودعونا أيضاً من الحمّية الوطنية العاطفية التي لا تقوم على سند قانوني، دعونا نؤسس منطقاً قانونياً مقبولاً ومُقنعاً بدلاً عن الهتافية، ولنُؤسسه فقط على قانون محكمة الجنايات الدولية نفسه: ففي ديباجة النظام الأساسي لمعاهدة روما هناك نص قانوني يبطل الحجة التي تُساق لتسليم المطلوبين إلى محكمة الجنايات الدولية وقد سبقت الإشارة إليها، وعندما كان البشير يُسيطر على مفاصل الدولة لم يكن ممكناً محاكمة أي شخص بتهمة ارتكاب جرائم حرب هو نفسه المتهم الأول فيها لذلك كان منطقياً أن تصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحقه والآخرين لأن القضاء السوداني حينها لم يكن قادراً أو راغباً في محاكمة المتهمين، لكن الآن تبدل كل شيء بعد ثورة ديسمبر وسقوط نظام البشير الذي ترتّب على سقوطه سلطة ثورية جديدة كسرت كل الحواجز والموانع التي كانت تُكبِّل القضاء السوداني وتحول دون ممارسة سلطاته الجنائية، وبالتالي أصبح قضاؤنا الوطني راغباً وقادراً على محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأي إصرار على تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية فهو قفزٌ فوق الحقائق القانونية التي أشرتُ إليها عاليه…
لا أحد اليوم يقف ضد محاكمة البشير وأعوانه من سدنة نظامه المخلوع سواءً أكانت التهمة تتعلق بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو قضايا فساد وقتل ونهب، فهي قضايا عادلة الفيصل فيها القانون وليس لغة السياسة والإعلام ولهذا لا بد من التأسيس على المنطق القانوني البحت بعيداً عن المزايدات السياسية وأي انحراف عن القانون يفتح الباب واسعاً أمام الشرخ الوطني والانقسامات وإثارة الفوضى، ولهذا نرفع الصوت عالياً أن حاكموهم في بلادهم طالما تلاشت مبررات محاكمتهم في لاهاي… اللهم هذا قسمي فيما املك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.
نقلا عن : الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.