عثمان ميرغني يكتب: الظلم سوداني والإنصاف أجنبي!

سودافاكس- الخرطوم : يظلُّ حريق دارفور واحداً من أسوأ المظالم البشرية في العصر الحديث، فالذي ارتكب في دارفور تجاوز كونه جرائم حرب إلى دمار شامل للإنسانية، ولم يكن المخلوع البشير وحده من ولغ في دماء الأبرياء، بل نظام حكم بكامل آلياته وهياكله، ظلم مارسته الدولة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
الآن وقد جاءتْ لحظة الحقيقة لإنصاف المتضررين فإنه من العار أن تستنكف الدولة السودانية أن تقيم العدالة بيدها لا بيد عمرو.. فالظلم كان بيد سودانية وكذلك يجب أن تكون العدالة بيد سودانية، حتى لا يقال إنَّ الدولة السودانية لا تزال غير قادرة ولا راغبة في ممارسة العدالة كما ينبغي.
والمخلوع البشير ليس مجرد متهم بقضايا ضد الإنسانية، بل فوق ذلك هو “صندوق أسود” يملك المعلومات الدقيقة عن تفاصيل الجرائم في كامل السودان، ولا بد من اعتصار كل المعلومات التي يخزنها في صدره حتى لا يفلت آخرون من العقاب بغياب المعلومات التي تبرهن على ما ارتكبوه من جرائم. ولكن إذا سُلم المخلوع إلى المحكمة الجنائية الدولية فنحن بين أمرين كلاهما مُر؛ إذا أدانته المحكمة فستقرر سجنه هناك في لاهاي، وإذا برأت ساحته لقصور الاتهام في توفير الأدلة فلن يجازف بالعودة إلى السودان وسيظل مستعصماً بالخارج ويفلت من المحاسبة داخل السودان. في كلا الحالين لن يتمكن كثيرون آخرون من التمتع بحقهم في الإنصاف عن قائمة طويلة من الجرائم الأخرى مثل قتل 28 ضابطاً في الجيش السوداني أبريل 1990، ومقتل عشرات الشباب البريء النابه في معسكر العيلفون، ومقتل آلاف آخرين في مختلف الظروف في أماكن وظروف أخرى، وجرائم تعذيب آلاف المعتقلين الذين فقد بعضهم أطرافهم أو أصابتهم علل جسيمة مستديمة.. طابور طويل من المنتظرين العدالة أيضًا، لن تتوفر لهم الفرصة إذا خرج المخلوع من السودان.
لا أعلم هل يدرك الأستاذ محمد الحسن التعايشي عضو مجلس السيادة أنه حينما يقف أمام كاميرات الإعلام الدولي ويقول، إنَّ مثول المخلوع أمام الجنائية الدولية هو تحقيق لـ”العدالة”، أنه بذلك يضرب مباشرة في جسم القضاء السوداني، فالبحث عن “العدالة” في لاهاي تعني عملياً عدم توفرها في السودان، وإلا فما الفرق بين عدالة وعدالة؟ هل عدالة لاهاي أشفى غليلاً وأوفر نزاهة من عدالة القضاء السوداني؟
من الحكمة أن ينتبه مجلس الوزراء الانتقالي أن أوجب مطلوبات الفترة الانتقالية، هو تعزيز دور المؤسسات الوطنية للاضطلاع بمهامها، فإذا ما أقرَّ المجلس بأنَّ القضاء السوداني فاقد الأهلية والنصاب الوافي لإحقاق الحق والإنصاف والعدالة، فقد ضرب كامل شرعية الدولة السودانية بما فيها الحكومة الانتقالية.
سؤال يجدر أن نجد إجابة له، هل استُشير ديوان النائب العام والسلطة القضائية، بل حتى وزارة العدل في تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية؟.
نقلا عن : كوش نيوز

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.