عمر الدقير: فَلْنَزْرَعْ في قلوبِنا الحبّ وفي أرضِنا السّلامَ والمسرّة

سودافاكس- الخرطوم : في واقعنا الحالي – الذي لا يزال مُضَمّخاً برائحة دماءٍ زكيةٍ راعفةٍ بالحرِّية والسّلام والعدالة – يظلُّ الشهداءُ أجدر بالحبِّ والوفاءِ من سواهم، وتكون قبورهم أجدر بالورود من هذا التقليد العشقي الذي يتجدّد مع زيارة “فلنتاين” السّنوية في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير.. وهذا ليس اعتراضاً على تقليدٍ يحتفلُ بالحبِّ بين رجلٍ وامرأة، بقدر ما هو تجاوزٌ لمفهوم الحبِّ الضيق ودفعٌ به إلى معناهُ الواسع الأسمى المحيط بمعنى وجود الإنسان..

 

فالحبُّ هو رحيق المشاعر الإنسانية التي تتجلى في عاطفةٍ عميقة تشمل الشركاء في الإنسانية كما تشمل القيم والأوطان.. وهو الإقبال على الحياة بما يليق بأشواق البشر للحرِّية والسّلام والعدالة وكل مُقَوِّمات الوجود الكريم.

 

يقول الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر محيي الدين بن عربي: “كل حبٍّ لا يفنيك عنك لا يُعَوّلُ عليه، وكل حبٍّ يكون معه طلبٌ لا يُعَوّلُ عليه” .. فالحبُّ هو طهر القلب من سخائمه، وهو الإيثار والعطاء بدلاً عن الطمع والاستحواذ، وهو حفاوةٌ بالإنسان ودعوةٌ لسموه ونقائه وصدقه وشفافيته..

 

 

هو فضيلة الفضائل، وملاذ الشرفاء من السقوط في أوقات الانحطاط.. القلوب العاطلة عن الحبِّ هي التي تدفع أصحابها للسقوط والانحطاط والخيانة.
لا يسكن الحبُّ في القلب فقط، بل هو كامنٌ في العينين، يتبدّى في الكلمات ويلوح في قسمات الوجه والابتسامات .. وهو يسري في السلوك والمعاملة، وينامُ على وسادةٍ محشوّةٍ بالشوق والحنين والأحلام.

 

 

في إحدى رواياته التي كتبها أثناء الحرب العالمية الثانية، يحكي آرنست همنغواي عن ضابطٍ جريحٍ وقع في حبِّ ممرضته وتسلّل معها من المستشفى إلى جبال الألب فراراً من الحرب وواقعها الذميم، لكنّ الممرضة وجنينها – الناتجَ عن الحبِّ وكيميائه – يموتان في مخاض الولادة.. كأنّ مؤلف الرواية يريد أن يؤكد أن الحياةَ والحبّ مستهدفانِ في زمن الحرب والكراهية.

 

لكن، برغم السّاديين من عُشّاق رائحة الدم وسماسرة الكراهية، تبقى إرادة الحياة ويبقى الحبُّ عافيةً لروح الإنسان .. فلنودِّعِ الحرب والقتل، ولْنُخْرِجِ الكراهية من قلوبنا ولنطردها عن أرضنا وليذهبْ صانعوها وعرّابوها لمزبلة التاريخ، ولنزرعْ في قلوبنا الحبّ وفي أرضنا السلامَ والمسرّة.

 

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.