الطيب مصطفى : أيقونة العدالة ــ رئيس القضاء ــ مولانا نعمات عبد الله

سودافاكس- الخرطوم : ] كلمات رائعات سطرها عدد من كبار الكتاب في حق مولانا (نعمات عبد الله رئيسة القضاء) وهي تنتصر لقيمة العدالة ــ وتقيم الوزن بالقسط ولا تخسر الميزان ــ وتزأر في مواجهة اخضاع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية وتسييس القضاء، ذلك الداء العضال الذي امسك بخناق بلادنا واحالها الى غابة ترتع فيها وحوش التشفي والانتقام و (عدالة الادانة بالاشتباه) التي فتحت الباب على مصراعيه لمختلف صنوف الظلم والقهر والطغيان والاستبداد.
] لم ترضخ مولانا نعمات لمن امتطوا ظهر النيابة العامة ليحيلوها الى نادٍ سياسي خاضع لاجندتهم وامزجتهم، وظهر وزارة العدل ليملوا عليها التشريعات والقوانين من خارجها، بعيداً عن عقول وايدي كبار مستشاري الوزارة الذين شردوا وعطلوا بعد أن ابدلوا بالمسيسين وبعد أن طالتهم ايدي رافعي الشعار القديم المتجدد: (هتف الشعب من الأعماق التطهير واجب وطني)!
] ارادوا ان يكرروا صنيعهم في مجلس الوزراء والنيابة العامة مع الاستاذة نعمات عبد الله، فأتوا بمشروعهم الجاهز (مشروع قانون مفوضية إعادة بناء واصلاح مفوضية الأجهزة العدلية حول تشكيل المنظومة العدلية) وطلبوا تمريره بدون ان يستشيروا حتى رئيس القضاء وقيادات السلطة القضائية، فأي تطاول واية غطرسة تلك التي يمارسها هؤلاء الظلمة؟!
] نعم ، لقد ارادوا (خج) قانون المفوضية بحيث تضم ستة اعضاء يعينهم رئيس الوزراء مع ثلاثة آخرين فيهم رئيس القضاء والنائب العام ووزير العدل، وبالتالي تمتلك السلطة التنفيذية الاغلبية (ستة من تسعة) بما يمكنها من التحكم في القضاء بل في المنظومة العدلية بكاملها، وبما يجردها من استقلاليتها ونزاهتها ويخضعها لروح الحقد والتشفي التي تسود في اجهزة الدولة الأخرى منذ ان آلت السلطة الى (قحت) بزعامة الحزب الشيوعي في غفلة من الزمان، ولكن خاب فألهم وتحطم مسعاهم امام قاضٍ مؤمنة تعرف قيمة العدالة، وماجدة شجاعة قدمت شخصيتها من فولاذ ورفضت ان تبيع آخرتها بدنيا غيرها، فكان التهديد المدوي بتقديم استقالتها التي احرجتهم وفضحتهم وكشفت فسادهم وعوارهم، فتراجعوا امام سطوة الحق المبين، ولكن هل تراهم يستسلمون ام يعيدون محاولاتهم الاستبدادية مرة اخرى؟!
] اعجب أن جميع القوى السياسية ترفع شعار دولة القانون وتنادي بالفصل بين السلطات، وبالرغم من ذلك تمرر (قحت) وزعيمها الحزب الشيوعي قانوناً ينهي ذلك الشعار ويئده تماماً ويخضع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، فاية دكتاتورية واي طغيان يريد هؤلاء الظالمون ان يخضعوا له بلادنا وشعبنا، واية سرقة تلك التي تواجهها الثورة في غياب حماتها؟!
] اعجبتني كلمات د. مزمل ابو القاسم في حق مولانا نعمات وتسميتها بايقونة العدالة، ولكن لم يعجبني اسم (كنداكة الكنداكات)، فما الكنداكة (الوثنية) في الحقبة المروية من تاريخنا تشبهها، ذلك أن نعمات استقت مرجعيتها من دين اعلى من قيمة العدالة لدرجة ان آيات بينات قد نزلت على رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم مصححة حكماً قضى به لمسلم اسمه (بشير بن ابيرق)، كما ورد في تفسير ابن كثير، كانت البينة لصالحه ضد يهودي فنزل قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلنَا إِلَیكَ ٱلكِتَـبَ بِٱلحَقِّ لِتَحكُمَ بَینَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلخَائنِینَ خَصِیما) الى الآية :(هَـأَنتُم هَـؤُلَاءِ جَـدَلتُم عَنهُم فِی ٱلحَیَوةِ ٱلدُّنیَا فَمَن یُجَـدِلُ ٱللَّهَ عَنهُم یَومَ ٱلقِیَـمَةِ أَم مَّن یَكُونُ عَلَیهِم وَكِیلا) كما أن مولانا نعمات بذلك السلوك الإيماني الرفيع اجدر بأن تنتسب إلى تلك الفئة المباركة من قضاة الأمة مثل شريح القاضي الذي وقف امامه الإمام علي كرم الله وجهه في دعوى شهيرة، فقضى لصالح يهودي خاصم امير المؤمنين في ملكية درع، فهل نستدبر ذلك الأنموذج الوضيء لنرجع الى عهود غابرة لا تمت الى ديننا وقيمنا العليا التي تأست بها مولانا نعمات وطبقتها سلوكاً يحتذى تبتغي به وجه الله تعالى، وترغب في أن تخدم به وطناً اخلصت له وتريده خفاقاً فوق الثريا؟!
] خلد التاريخ التابعي الجليل شريحاً القاضي ولم يخلد كثيرين غيره من الحكام والقضاة، بسبب سيرته الناصعة، وسيخلد ان شاء الله موقف مولانا نعمات لتذكره الأجيال القادمة.
] الآن نستطيع ان نطمئن الى القضاء السوداني ونرد على من يطلبون قضاء محكمة الجنايات الدولية وغيره، بأن لدينا ما نباهي به الأمم غرباً وشرقاً، ولا ينتقص من منظومة القضاء الا اتكاؤها على نيابة عامة ومؤسسات ذات تفويض قضائي، مثل لجنة ازالة التمكين، لا تخلو من التسييس للاسف الشديد وتحكم بالانتقائية وبالاشتباه!
] ذكرني رفض مولانا نعمات المدوي لمحاولات تسييس القضاء، برئيس المحكمة العليا في باكستان افتخار شودري الذي اكتسب شهرة عالمية حين وقف في شمم ضد الرئيس برويز مشرف، مما اضطره الى الرضوخ لاحكامه بعد ان ساند الشعب شودري ورفض قرار اقالته.
] اقول إنه اذا كنا قد فقدنا استقلالية النيابة العامة، فإن عزاءنا يكمن في القضاء، واذا كانت النيابة العامة تعمل بفقه الاشتباه الذي يجرم المتهم ويعتقله حتى تثبت براءته، فإن ما يخفف من كربنا واوجاعنا ان الشق الثاني من منظومة العدالة ــ القضاء ــ محروس برئيسته مولانا نعمات، وليتهم (يتمقلبون) ويختارون رئيساً للمحكمة الدستورية ــ الشاغرة حتى الآن ــ شبيها بالاستاذة نعمات!
] مازلنا نجتر في حزن كيف اصطحب النائب العام د. الحبر قبل تعيينه في منصبه، كيف اصطحب المحامي الشيوعي كمال الجزولي وذلك الأخرق المدعو محمد الحافظ، ليرفعوا دعوى ضد مدبري انقلاب الإنقاذ دون غيره من الانقلابات ثم تم تعيينه ــ ويا للعجب ــ بعد ذلك في منصبه في تعدً خطير وتضارب في المصلحة عظيم Conflict of interest وكيف ظل الرجل يطلق تصريحات الناشط السياسي في تجاهل عجيب لمقتضيات منصبه الذي ينبغي ان ينأى به عن أي تسييس، ولكن ماذا نفعل مع ممارسات (قحت) وحزبها الشيوعي الذي ظل ذلك دأبه منذ أن اطل على بلادنا كشيطان مريد ليذيقها من صنوف الأذى ما قل نظيره في التاريخ؟!
] مازلت اذكر اشعار شاعرهم كمال الجزولي الذي ظل يلعب دوراً خطيراً في تسييس العدالة في عهد (قحت) بل في العهود الأخرى التي سيطر فيها الشيوعيون على مقاليد الأمور في بلادنا. واليكم أبيات من شعره قالها عند تسلمهم الحكم في بداية عهد مايو وانقلاب الرئيس نميري:
أن نقتل أصبح أسهل من إلقاء تحية
أن نطلق في الرأس رصاصة
أن نغرز في الرأس الخنجر
أن نشنق أن نخنق أن نبتر
أن نمسح حد السيف بحد اللحية
] هذه هي عدالتهم الانتقائية العرجاء، وهذه هي روحهم المتوحشة، وهذه هي أحقادهم التي ظلوا يمارسونها منذ القدم ومازالوا في طغيانهم يعمهون.
] نسأل الله لمولانا نعمات التوفيق والسداد، ولا نملك الا ان نشد من ازرها، فهي وامثالها يمنحوننا الأمل في سودان تسود فيه قيم الطهر والفضيلة والعدالة والحكم الراشد، في ظل قضاء نظيف مستقل عن تغول السياسة وأصحاب الأجندات الشريرة.
نقلا عن : الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.