“طوارىء البشير”. . تفاصيل ما قبل السقوط المدوي

سودافاكس- الخرطوم : في مثل هذا اليوم الثاني والعشرين من فبراير العام الماضي، أعلن الرئيس المخلوع المشير عمر البشير فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، عقب تصاعد الاحتجاجات المطالبة برحيله عن السلطة. تزامن ذلك مع سقوط ما يزيد عن 52 قتيلا، بجانب المئات من المصابين، وفقاً لقائمة إحصاءات أعدها ناشطون بالحراك السلمي. في ذلك اليوم خرق البشير اتفاقه مع اللجنة الأمنية، وانصاع لمقترحات قيادات من حزبه، وأراد بفرض الطوارئ وقف الاحتجاجات، لكن تطبيق القانون واقتحام المنازل لمطاردة المتظاهرين، مثَّلا أعظم الانتهاكات التي لم يألفها السودانيون ووفرت حاضنة اجتماعية كبرى تبدلت بعدها المعادلات وتحولت الاحتجاجات لثورة شعبية، أدت لذهاب البشير.
جمعة القصر
في ذلك اليوم الذي صادف (الجمعة) أذيع على نطاق واسع أن البشير سيتلو خطاباً مهماً للسودانيين، لكن التحالف السياسي لقوى إعلان الحرية والتغيير بما في ذلك تجمع المهنيين، الذي يقف خلف الاحتجاجات المطالبة برحيله، رفضوا الاستجابة للدعوة وطالبوا بتنحيته ونظامه.
مظهر آخر كان يحمل كثيراً من الأبعاد تمثل في توافد وزير الدفاع ورئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات، ومن خلفهم قيادة هيئة الأركان، في مقابل قيادات ورموز حزب المؤتمر الوطني المحلول إلى القصر الرئاسي، البشير برغم أنه قرر حل الحكومة وأعلن وقوفه على مسافة واحدة بعد تنازله عن رئاسة حزبه، ومخاطبته البرلمان تأجيل النظر في تعديل دستوري يسمح له بالترشح في الانتخابات التي كان مقرراً قيامها في 2020م، إلا أنه وقبل مغادرته المنصة اندلعت التظاهرات الليلية الرافضة لخطابه والمطالبة برحيله. أما قادة الجيش فلم ينتظروا حتى مصافحة قائدهم فلاذوا بجوف سياراتهم مغادرين القصر وفي النفس شيء من حتى !.
تطبيق سيء
أدركت اللجنة الأمنية أن الطوارئ، بكل ظلالها الوحشية وصرامة تطبيقها، لن توقف عجلة التغيير، بل ستحمل نذر حرب أهلية وشيكة، وستفضي إلى انهيار مؤسسات الدولة والتشكيك المستمر في حياديتها، خاصة بعد الحملات الواسعة لاقتحام المنازل وتفتيشها، واقتياد المتظاهرين مخفورين إلى مقار النيابات والمحاكم، لكن الأهم من ذلك أن الجيش لم يكن متحمساً لتطبيق قانون الطوارئ لسببين الأول تمثل في انتهاء الاتفاق الذي بينهم والبشير وتغيير الأخير لنقاط الاتفاق الأساسية في خطابه الأخير والثاني أنه مع خروج أول ناقلة جنود صعد المتظاهرون على متنها هاتفين بتدخل الجيش لإنهاء حقبة البشير.
مدير جهاز الأمن الوطني الفريق أول صلاح قوش، بدا وكأنه مطلعٌ على دقائق التحركات في حزب المؤتمر الوطني، فبعد أن وافق البشير على مطالب اللجنة الأمنية في فبراير طلب منهم إخطار المكتب القيادي لـ(الوطني) بهذه القرارات.
بدأ اجتماع الوطني الطويل بين البشير وقيادات حزبه وارتفعت الأنفاس الغاضبة وغادر د. نافع الاجتماع مغاضباً بعد قوله للبشير :” إذا عاوز تخلي المؤتمر الوطني معناها فقدت شرعيتك” ثم حضر باكراً للقصر وجلس في آخر الصفوف. أدرك قوش أن تغييراً سيطرأ على الاتفاق فسارع لدعوة أجهزة الإعلام وأعلن تخلي البشير عن (الوطني) وعدم ترشحه لدورة رئاسية جديدة.
الخطة (ب)
انصرفت اللجنة الأمنية للخطة (ب) وبدأوا التحضير للإطاحة بالبشير، ورغم أنهم نجحوا في استمالة قيادات قوى سياسية مؤثرة في داخل تحالف قوى الحرية والتغيير، لمناقشة تفاصيل ما بعد حقبة الإنقاذ، إلا أنهم واجهوا صعوبات كبيرة، كان سببها خطاب البشير في مهرجان الرماية بالقرب من مدينة عطبرة في أواخر شهر يناير، والذي بموجبه غيرت قوى المعارضة خطتها وقادت فيما بعد للتمسك بشدة بتأسيس نظام انتقالي بسلطة مدنية كاملة، بعد إدراكها استحالة استمالة البشير بالانقلاب على الإسلاميين، مما أدى لتشكيك القوى المتحاورة مع كبار المسؤولين باللجنة الأمنية، حول مدى جديتهم في التغيير وضمان عدم أطماعهم في السلطة.
وكان البشير في مهرجان الرماية في عطبرة قال “بكل أسف زرعوا وسطنا بعض العملاء وبعض الخونة، الناس بتشيد وهم يخربوا، وقالوا شنو؟ قالوا دايرين الجيش يستلم السلطة، ما في مشكلة إذا واحد جاء لابس كاكي والله ما عندنا مانع، لأنو الجيش ما بتحرك من فراغ وأقسم بالله لو دقت المزيكا تاني كل فأر يدخل جحره”.
حاول قادة اللجنة الأمنية، توظيف ورقة الطوارئ لترتيب كثير من الأوراق المبعثرة، فالسيناريوهات الخمسة التي ناقشوها مع البشير، بما في ذلك أنه حال أخمدت هذه الاحتجاجات فإنها ستتجدد سريعاً عبر عنف أهلي مسلح، فأوعزوا له تسمية ولاة عسكريين، لقطع الطريق أمام المؤتمر الوطني، ولتسهيل عملية إبعاده عن السلطة بحصر المهددات الأمنية الداخلية في أضيق نطاق قبل إزاحته، فمدوه بقائمة ولاة جاهزة، وكان مساعد البشير والقيادي بـ(الوطني) د. فيصل حسن ابراهيم، عقب خطاب البشير نفى علمه بما يحدث، وأنه أجرى اتصالاً مع وزير شؤون الرئاسة د. فضل عبد الله مستفسراً عن كيفية اختيار الولاة، لأن الفراغ بالولايات في ظل الاضطرابات سيُحدث أوضاعا فوضوية بالبلاد، ليجيبه فضل عبد الله : لا.. الرئيس البشير قرر تعيين ولاة عسكريين.
ومن هذه النقطة، أصبح البشير من الماضي، وتخلَّق رأي عام داخل الجيش بحتمية ذهابه التي أدركها البشير يوم أن اقتحم المتظاهرون داره قبل تكاثفهم أمام مقر القيادة، لقد كان الفريق أول صلاح قوش والفريق ياسر العطا واللواء عبد الرحيم دقلو كلمة السر التي لم تنته في التقاء موقف المؤسسة العسكرية والأمنية مع إرادة الثوار لطي حقبة البشير ونظام الإنقاذ.
نقلا عن : كوش نيوز

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.