العربي الجديد:مرتزقة سودانيون إلى جانب حفتر: وقائع تكذّب النفي الرسمي “فيديو و صور”

على الرغم من نفي مسؤولين سودانيين في أكثر من مناسبة، مشاركة أي قوات سودانية في القتال الدائر في ليبيا بين قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، ومليشيات شرق ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من الإمارات ومصر والسعودية، إلا أن شواهد ودلائل عديدة على أرض الواقع تكذب التصريحات الرسمية السودانية.
وكانت “العربي الجديد” قد انفردت في وقت سابق من العام الماضي بالكشف عن اتفاق جرى بين مسؤولين إماراتيين، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس مجلس السيادة حالياً، يقضي بدفع حميدتي لألف مقاتل من الدعم السريع، للقتال إلى جانب حفتر، في مواجهة حكومة الوفاق، وذلك مع بدء الحملة العسكرية التي شنّها حفتر على العاصمة طرابلس في إبريل/نيسان 2019.

 

الحديث عن الاتفاق الإماراتي مع حميدتي، أكده تقرير صادر عن الأمم المتحدة نهاية العام 2019، كشف عن مشاركة قوات سودانية تابعة للدعم السريع، ولكن وفقاً لمصادر سودانية رسمية تحدثت إليها “العربي الجديد” ربما يكون الاتفاق بين حميدتي وأبوظبي خارج الأطر المؤسسية الخاصة بالقوات المسلحة السودانية أو وزارة الدفاع، لا سيما في ظل الحالة الرخوة لكافة المؤسسات السودانية مع النفوذ الضخم الذي يتمتع به حميدتي هناك، واعتماده على آلاف من المقاتلين التابعين له.

 

وتشكّلت قوات الدعم السريع في العام 2013 من مقاتلين قبليين كانوا يشكلون في معظمهم مليشيات الجنجويد، بقيادة حميدتي، وكانت في بداية تشكيلها تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ثم أصبحت جزءاً من المنظومة العسكرية في الحرب ضد المتمردين في دارفور وجنوب كردفان، إلى أن أصبحت تلك القوات تابعة للجيش السوداني تحت إمرة رئيس الجمهورية في يناير/كانون الثاني 2017.

“العربي الجديد” تتبّعت الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لعدد من المقاتلين السودانيين الذين يقاتلون في ليبيا إلى جانب مليشيات حفتر، وأظهرت تلك الحسابات الجهات التي يتبعونها وكذلك المناطق التي يقاتلون فيها داخل الأراضي الليبية، في وقت حرص عدد منهم على توثيق لحظات وجوده في ليبيا عبر صور برفقة مقاتلين زملاء له.

ولا ينتمي المقاتلون السودانيون الذين لعب حميدتي دوراً كبيراً في وجودهم في ليبيا، إلى جهة واحدة، فبعضهم يتبع قوات الدعم السريع، والبعض الآخر يتبع حركات معارضة مسلحة سودانية منها “جيش تحرير السودان”، فيما تشمل الاتفاقات حصول المقاتلين على رواتب شهرية، تصل إلى 500 دولار بشكل مباشر، بينما تحصل الجهات التي يتبعون لها على مساعدات مالية وعسكرية، بالإضافة إلى اتفاقات تشمل حصولها على الأسلحة والعربات والمعدات التي تغتنمها تلك القوات من قوات حكومة الوفاق والعودة بها إلى بلادهم، وتتكفل الإمارات والسعودية بنفقات المقاتلين المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب حفتر.

 

علي أبكر ود درشاة، وهو مقاتل يتبع “جيش تحرير السودان”، وتعود أصوله إلى مدينة الفاشر في السودان، نشر أخيراً مقاطع فيديو، توضح مشاركته مع مليشيات حفتر، إذ نشر مقطع فيديو بتاريخ 20 إبريل/نيسان الماضي، لاستعراض تجمّع آليات عسكرية تابعة لمليشيات شرق ليبيا في أعقاب خسارة كبيرة تعرضت لها تلك القوات في منطقة أبوقرين، ودوّن عليه تعليق “جايلكم يا جرذان”، في إشارة إلى قوات حكومة الوفاق.

 

عشرات الحسابات الأخرى تعج بها مشاركات مقاتلين سودانيين يقاتلون في المعارك بليبيا، توضح حجم الدور الذي يلعبه هؤلاء، إلى درجة دفعت بعضهم لإنشاء حساب تحت اسم القوات المساندة للجيش الليبي اللواء 128 مجحفل (السرية السادسة)، وهو تجمّع يضم عدداً من المقاتلين السودانيين وآخرين من تشاد والنيجر.

مقاتل آخر يدعى عبدالله بحر الدين، سجّل مدينة زوارة كموقع وجوده على حسابه الشخصي في موقع “فيسبوك”، كما تداول عدداً من الصور له مع المدرعات من طراز “تايغر”، وهي النوعية التي زودت بها أبوظبي حفتر مع اندلاع المعارك، وصوراً أخرى بالزي العسكري لمليشيات حفتر، إضافة إلى علم باسم “جيش تحرير السودان”. كما سجل مقاتل آخر يدعى جبريل الفاتح يتبع قوات الدعم السريع، في 25 إبريل الماضي على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك” تحركه إلى مدينة بنغازي، وأرفق بذلك صوره بالزي العسكري لمليشيات حفتر، إضافة إلى مقاتل آخر يدعى طارق حسين عمر ويتبع “جيش تحرير السودان”.

فيما نشر آخر يتبع قوات الدعم السريع، يدعى خالد نودو، مجموعة من الصور ومقاطع الفيديو، بعدما دوّن على إحدى الصور “أبطال السودان في تحرير بواب أبوقرين لتسليم للجيش ليبي وقايد حفتر”، كما نشر رابطاً مشتركاً مع 4 مقاتلين آخرين، يدعون إبراهيم محمد بلل، وآدم إسماعيل، وإبراهيم آدم أمبرو، والزاكي عبد الله بخيت، بشأن انتقالهم إلى منطقة الوشكة، التي تعد أحد المحاور التي تشهد معارك شرسة بمعدل يومي، بين قوات حكومة الوفاق، ومليشيات حفتر والمرتزقة التابعين لها، وشهد هذا المحور في إبريل الماضي مقتل العقيد سيدا التباوي، الذي كان مسؤولاً عن تجنيد وتوزيع المرتزقة الأفارقة.

 

ونشر مقاتل يتبع “حركة تحرير السودان” يدعى الحافظ عبد الله مهدي مهدي، مجموعة صور تسجّل وجوده برفقة مقاتلين سودانيين آخرين ضمن تجمّع كبير للمليشيات الموالية لحفتر، في مدينة سرت، كتب عليها “شباب حركة تحرير السودان أتوا في مهمة طوالي لتحرير ليبيا من الجرذان.. تورة تورة.. مغفرة للشهداء”.

ما رصدته “العربي الجديد” هو جزء من الأعداد الكبيرة لحسابات تابعة لمقاتلين سودانيين وتشاديين وآخرين من النيجر يقاتلون في ليبيا، وتنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي 13 إبريل الماضي، قالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، إنها “تنفي مجدداً مشاركة أي قوات سودانية في القتال الدائر في ليبيا، حول طرابلس أو غيرها”. وكان المتحدث باسم قوات الدعم السريع، العميد جمال جمعة، خرج في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لنفي ما وصفه بوجود قوات تابعة لهم في ليبيا، قائلاً إن القوات المنتشرة على الحدود مع ليبيا أو غيرها من الدول تعمل على منع الاتجار بالبشر، ومكافحة الهجرة غير الشرعية فقط.

 

وتعليقاً على هذا الموضوع، قال القيادي في حركة “الإصلاح الآن” أسامة توفيق، وهو أحد المتابعين للملف الليبي، إنه بعدما خسر حفتر الكثير من الأراضي وفي ظل دعم أكثر من ثلثي الليبيين لحكومة الوفاق وفقدان حفتر المقاتلين الليبيين، تحاول الإمارات سد ذلك العجز عبر تجنيد قبائل في جنوب ليبيا وتشاد والنيجر ومالي ومرتزقة آخرين، مستبعداً فرضية تورط النظام السوداني في المستنقع الليبي ودعم حفتر كما تورط سابقاً نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في اليمن، لأن ذلك سيخالف المجتمع الدولي.

ولم يستبعد توفيق، في حديث لـ”العربي الجديد”، عدم توقف الإمارات عن تجنيد مرتزقة سودانيين كأفراد، من دون أن يكون ذلك بقرار من الحكومة السودانية، نافياً وجود أثر سياسي أو حرج تتعرض له الحكومة السودانية بوجود آلاف المرتزقة السودانيين في ليبيا لأن المجتمع الدولي يعلم تماماً أنهم جاؤوا إلى ليبيا بقرار منهم، وفق قوله. وأشار إلى أن الحكومة السودانية تعترف الآن بحكومة فائز السراج وتتبادل معها العلاقات الدبلوماسية، غير أنه لم يستبعد في الوقت نفسه دخول حركات متمردة في المستنقع الليبي ومشاركتها إلى جانب حفتر.

 

من جهته، قال المحلل السياسي محمد عبد السيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “السودان لا في السابق ولا راهناً متورط في الملف الليبي”، مشيراً إلى وجود سودانيين متورطين بمشاركتهم في الحرب الليبية لكن السلطات في عهد البشير غضّت الطرف عنهم، ولم يفعل النظام الحالي ما هو واجب عليه لإيقاف هذا الأمر.
ورأى عبد السيد أن النظام الحالي لن يتورط في الملف الليبي لأكثر من سبب، فتدخّله سيقفل الباب أمام شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لأن حكومة السراج تحظى باعتراف المجتمع الدولي، لافتاً إلى أن هناك من هو داخل السلطة السودانية متعاطف مع حفتر، وآخرين يتعاطفون مع السراج، بينما يوجد صوت عقلاني يدعو لعدم التدخّل بسبب هشاشة الوضع السياسي في السودان، معتبراً أن أي مشاركة تعني انهيار الاتفاق بين المكونين العسكري والمدني وبالتالي انهيار الحكومة السودانية. ولفت إلى أن حميدتي تحديداً سيكون حريصاً على عدم مشاركة قوات الدعم السريع في حرب ليبيا لأنه في حالة شعور دائم بالحاجة لها داخل السودان، كما أن بقاءه رجل دولة يمنعه من التورط في إرسال قوات خارج الحدود، إضافة إلى رغبته في تغيير الصورة الشائعة لقوات الدعم السريع خارجياً وداخلياً.

 

يتفق رئيس تحرير صحيفة “مصادر” عبد الماجد عبد الحميد مع هذا الرأي، مؤكداً لـ”العربي الجديد” صعوبة أن تتكرر في ليبيا تجربة القوات المسلحة والدعم السريع في اليمن، في ظل مراقبة منظمات دولية ما جرى في حرب اليمن والتي قد تصل بعض الارتكابات فيها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ورأى عبد الحميد أن الإمارات لن تنجح في تحشيد مقاتلين سودانيين بصورة رسمية، لكنها ستنجح في تقديم إغراءات كبيرة لأبناء بعض القبائل على الحدود للمشاركة إلى جانب حفتر، كاشفاً وفق معلوماته عن وصول راتب المقاتل الواحد من المرتزقة إلى 5 آلاف دولار. كما أشار إلى أن الإمارات قد تلجأ إلى حركات مسلحة عديدة، بما فيها تلك الموجودة خارج دارفور، وإغراء قادتها بالمال للزج بأبنائها في الحرب.

القاهرة ــ الخرطوم، العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.