- ومع ذلك نذكر رئيس الوزراء بالقرارات الرئاسية المتكررة بتشكيل الهيئات والمفوضيات الخاصة بملاحقة الفساد، وبتقارير المراجع العام السنوية عن نهب المليارات من دواوين الدولة، وعن رفض العديد من الوحدات الحكومية أن تخضع للمراجعة أو تمتد إليها يد المحاسبة.. هذا غير ما تعلمه أنت وما هو شائع و منشور عن الحملة الأخيرة على الفساد التي طالت رموزاً أمنية و مالية معتبرة، ولم تتمكن الدوائر العدلية أن تفعل معها شيئاً سوى اللجوء لـ(التسويات و التحلل).. ما يعني أن الفساد استشرى في أجهزة الدولة باعتراف الحكومة ذاتها، مع فشلها في إثباته بالأدلة والبينات التي تطالب غمار المواطنين بها!
طه النعمان
- شجعني مقال قصير للأستاذ معاوية جمال الدين ، كتبه على صفحته بالفيسبوك، ينعي فيه – من موقع الحادي المناصير – على الحكومة الانتقالية فتح العديد من الثغرات لتنفذ منها التحركات المضادة للثورة من قبل فلول النظام المخلوع، وضرب مثلاً لذلك، المعركة المفتوحة ضد مدير المناهج دكتور عمر القراى.. والذي رأى معاوية إن الفلول و الزواحف تكسب فيها وفي غيرها من المعارك المفتعلة أرضاً جديدة كل يوم ، وأن الحكومة تركت القرّاي يقاتل معركته لوحده، وأن هذا النهج وضع الحكومة ذاتها في موقع الدفاع وليس الهجوم على غير ما هو مطلوب أو متوقع.
-
الحقيقة منذ أسابيع، و ربما شهور للوراء، وبعد أن كنت في البداية متحمساً لتعيين د. القراى في هذا المنصب المهم، وقطعاً ليس الرفيع مقارنة بالمناصب الدستورية و ووظائف الدولة الأخري، ولو يذكر القراء فقد كتبت مقالاً أثمن فيه الخطوة وأذكر بتجربة أحد عمداء بخت الرضا باكراً في الاستضاءة برأي زعيم الحزب الجمهوري محمود محمد طه في تطوير وإصلاح المعهد ومناهج التعليم .. لكنني بعد مراقبتي للمعركة المفتعلة التي تشنها قوى الثورة المضادة و بتركيز شديد على د. القراى و الاستغلال البشع لانتمائه السياسي المثير للجدل، تراجعت حماستي لاستمراره في ذلك المنصب، لأن وجوده في حد ذاته أصبح ثغرة يصوِّب منها أعداء الثورة سهامهم ليس للنيل من القرًاي في شخصه و هويته السياسية فحسب، بل اتخذوه مدخلاً سهلاً للنيل من مبدأ (التغيير) في حد ذاته، التغيير الذي يطال كل ما أسسوا له من ضلالات و مغارز سياسية تخدم مشروعهم المشؤوم، والذي كانوا يراهنون على استمراره طالما استمرت تلك المغارز الثقافية و (المقالب) التربوية التي زرعوها و وطنوها في حقل التربية والتعليم.. ولذلك وجدت نفسي أرد على الزميل معاوية بهذه الكلمات التي استحالت آخر النهار إلى “إضاءة” على هذه المسألة الحيوية و المعركة المفتعلة حولها:
-
معك حق عزيزي معاوية على وجه العموم.. كثير من الخطوات والتراتيب الحكومية تبدو مرتبكة و قائمة على فكرة (التجريب) وانتظار النتيجة برغم سلامة النية والتوجه العام.. وقع لي أخيراً أن الحكومة باختيارها القرّاي لهذا الموقع (الحساس) لم تكن موفقة، برغم استحساننا ذلك ابتداءً، ليس لعيب في القراي، لكن الأجواء المحيطة بقضية المناهج نفسها، والتي لا تحتمل التجاذب أو منح الطرف المعادي للثورة فرصةلإثارة غبار آيديولجي ولو “بالاشتباه” و الدجل وليس بالحق و الحقيقة.
-
كان التركيز يجب أن يكون منذ البداية على (فكرة التغيير) نفسها وليس على شخوص القائمين على التغيير، والتحسس لأن يكونوا مهنيين واحترافيين أساساً ولا يعرف عنهم انتماءات سياسية “فاقعة” ، أي أن يكونوا علماء تربية وتعليم وطنيين ومخلصين و مبرزين في تخصصهم يسند إليهم الأمر، وبامكانهم الاستفادة من ناشطي الحرية والتغيير عبر التشاور في التوجيهات السياسية العامة و منحى التغيير الذي تنشده الثورة ، ذلك الذي يعيد للتعليم والمعلم هيبته و للمناهج ألقها ومواكبتها لمطلوبات العصر والتقدم.
وبما ان د. القرّاي يعتبر خبيراً دولياً في هذا المجال، كان يمكن الاستفادة من خبرته ومعارفه من قبل إدارة المناهج أو وزارة التربية و التعليم على العموم ، كما فعل الراحل الكبير محمد محجوب “عميد بخت الرضا” الذي طلب من الاستاذ محمود محمد طه رحمه الله في وقت ما من مطالع الاستقلال ان يقدم له دراسة أو رؤية استشارية حول كيفية إصلاح مناهج المعهد.. وقد فعل الاستاذ ذلك بكل سرور فكتب رؤيته الثاقبة و العميقة ودفع بها إلى العميد- يمكن مطالعتها في موقع “الفكرة الجمهورية” – والتي كانت دراسة مهنية استقصائية، ولا تحمل أية ظلال لفكرته السياسية ، بل ركز رحمه الله على أن يواكب التعليم روح العصر و يهتم بردم الفجوة بين مجتمعات المدن والأرياف، وأن يُستفاد في كل مكان بالبيئة المحيطة و اعتماد مكوناتها و موجوداتها وخصائصها كوسائل محلية للتربية والتعليم.. و هكذا كان يمكن الاستفادة من دكتور القراي دون الزج به في معارك يفتعلها الخصوم ويجرونه و حكومته لخوضها بلا طائل، سوى خدمة هدف الثورة المضادة بالبلبلة وخلق أجواء القلق والتوتر..
- فالمطلوب في النهاية هو تحرير التعليم و تخليصة من ميراث الماضوية و التزمت والتخلف الذي كبله به الكيزان.. و الانطلاق به إلى مرافئ التطور العلمي والانتماء الفكري و العملي لروح العصر المتطلعة للحرية و الديمقراطية والتقدم
المصدر: آخر لحظة
