حسين خوجلي : أنس الفكرة وأنيس الذكرى

١/ حُرفا الكوتشينة يطلقون على لاعبيها غير المجيدين بالجناين جمع “جنينة” وهو ذلك اللاعب العاشق الذي يمتلك الورق ولا يعرف ادارته، فيقبض منه فيخرج بمنطق الفورة مهزوما ومطرودا.

وحُرفا الكونكان في الساحة السياسية هذه الأيام هم أقلية المراكسة، والجناين الأحزاب التقليدية، والأحزاب القومية، ونقابات اللاتجربة، وقيادات الشباب والمقاومة الذين لا زاد لهم إلا الهتاف والاستثارة غير المجدية.

وقد استطاع الشيوعيون (بكسر) قلوب شركائهم وخصومهم بالابتزاز وادعاء تمثيل الشارع، وعبر هذا استطاعوا أن يلعبوا ثلاثة أدوار في آن واحد:

– تأييد الحكومة سراً حتى يتمكنوا من توطين كوادرهم في الخدمة العامة وأصدقاء الحزب ليرتاحوا من مصاريف التصريف اليومية للكادر، فيضربوا عصفورين بحجر تأمينهم وظيفيا وتفريغهم حزبيا دون المرور بلجان الاختيار أو تفتيش اوراق الكفاءة

– ومعارضة الحكومة في ذات الوقت جهرا عبر البيانات حتى يستميلوا قلب الشارع واكتساب المزيد من المكاسب الحرام

– السيطرة على تجمع المهنيين سيطرة تامة ليديروا بهم المواجهة القادمة ضد الإمام الصادق وحزب الأمة وتكوين الجبهة الوطنية العريضة، وقد استطاعوا السيطرة على تنسيقية تجمع المهنيين بانقلاب مكشوف، أبعدوا فيه بليل شركاؤهم البعثيين والاتحاديين والمشكوك في ولائهم والمؤتمر السوداني، وفجأة وجد الدكتور محمد الأصم ومولانا اسماعيل التاج مصطفى وخالد سلك وأحمد ربيع وبقية الحرافيش أنهم خارج دائرة التمثيل يقفون على قارعة طريق النضال يسألون الناس إلحافاً. وقد استطاعوا أيضا عبر خبراتهم الداخلية والخارجية من التكنوقراط والنقابيين والكوادر الحزبية القديمة ومجموعة الناشطات في الحزب والصديقات أن يتصدروا تمثيل المرحلة خارجيا لدى السفارات والمنظمات ودوائر الاغاثة، ومراكز البحوث الأجنبية، ومنظمات المجتمع المدني لينالوا كل ريعها من المعينات والأموال والسفر المجاني والتمثيل لدى عواصم الغياب والضباب، مثلما نالت كوادرهم القانونية ومكاتبهم كل قضايا التسويات وفرض القوة عبر التهديدات المبطنة للقضاء والنيابة التي سيطروا عليها تماما عبر الترغيب والترهيب.

وفي كل يوم تسقط مؤسسة ضخمة تحت أيديهم لتفترسها ثيران التكوين الأغبر. آخر القلاع الاعلامية التي سقطت في أيديهم قناة الشروق الفضائية وهي من أكبر المؤسسات الاعلامية رسوخا في التأسيس والتجهيزات والكوادر، حيث تقدر قيمة بنيتها الأساسية من الأجهزة والبرامجيات والمكتبة دفتريا مع التأهيل اللوجستي أكثر من مائة مليون دولار يسيطر عليها الآن الحزب الشيوعي تحت غفلة (الجناين) ويديرها الكادر الشيوعي الاعلامي والمسؤول حزبيا عن الاعلام المرئي المخرج الشفيع الضو. وتشهد ردهاتها الآن تجمعات مريبة لتفكيكها وتوطين كوادر الحزب وقد جاءته تجرجر ازيالها.

وضحايا المؤسسات تأتي تباعا الصحية والتعليمية والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية ومثل ما قال أحد الظرفاء: (لقد قبر العالم كله الماركسية وأحزابها حتى في مناطق نفوذها فصارت تراثا من الماضي، ولكن الشعب السوداني بطيبته المعهودة لم يحتفل برفاتها وطلاء أطلالها بل أعاد جنازة البحر لتحكم وتتحكم وسط دهشة العالم وحيرة العالميين)

٢/ رعى الله أيام الصحافة الجامعية فقد تعلمنا من جرأتها وتلقائيتها تجربتنا الاعلامية لاحقا، ونحن نتكئ على لياليها بوسائد قصائد مطر والبرغوثي، وسخريات مدرسة الحوادث البيروتية، وكتابات محمد جلال كشك ومحمد الغزالي، وكلاسيكيات المتنبي والجواهري، والشك الديكارتي ونقد العقل الخالص لكانط.

ومن أدب الاختصارات تعلمنا التعبير المباشر لكيمياء الأدب والسياسة الطرفة والقصة القصيرة ومن الأمثلة:
(ملأت الجماهير الغفيرة الأفق وسدت اللافتات الحمراء المكان وتعالت الهتافات المزهوة بافتتاح طريق الثورة الهاي واي.
جاء رئيس مجلس الادارة ومديرها العام من مكتبه بلندن بقص الشريط التقليدي وقيادة السيارة الأولى على الطريق، خاصة وأن المنظمات الغربية وأجهزة التخابر والماسونية والشركات المتعددة الجنسيات كانت تعده لدور سياسي مشهود.

تحركت السيارة المارسيدس المصفحة على الطريق قادها السيد المدير الذي غاب عن بلاده لثلاثين عاما وكان خالي الذهن عن طبائع الناس وطبائع الأرض.

انطلق بسرعة الصاروخ واسترعى انتباهه على اليمين لافتة تقول: هدِّن ١٠٠ ميل وبعدها بمسافة أطلت لافتة أخرى هدِّن ٧٥ ميل وخفف سرعته متمهلا، وبعدها طلت لافتة أخرى هدِّن ٢٥ ميل فأبطأ السيارة جدا وسار مسافة، فأطلت لافتة هدِّن ٥ ميل فابطأ السيارة حتى كادت أن تتوقف. وبعد دقائق أطلت في وجهه لافتة ضخمة كتب عليها “مرحبا بكم في مدينة هدِّن” (بالمناسبة هذه الحكاية ليست لها أي علاقة بالراهن السياسي)

٣/ يقول الراوي إنه حين كانت قوانين المناطق المقفولة تسيطر على الجنوب الحبيب تماما، ويحرم المستعمر التواصل الطبيعي بين الشمال الجنوب إلا البيض وطابورهم.

أقام أحد الأرمن مطعماً في أقصى جنوب جوبا ما بين المباني والغابة مطعما سياحيا يستقبل زوار الجنوب من الجنسيات الاوروبية.
وفي إحدى الليالي كان الزبائن كثر وقد ملأت رائحة الشواء المكان حتى اقتحمت الغابة، فخرج منها شاب استوائي طويل القامة كان حافيا وعاريا وجائعا صدم الجميع بفطرته وطبيعيته، جلس في قلب المطعم واختار بإشارته الطعام الذي يشتهي.

وفعلا قدم له النادل كلما أشار إليه فالتهم الأطباق بشهية ونهم، وعندما أكملها نهض قائما وغادر المطعم دون أن يلتفت لأحد، فلحق به الكاشير طالبا منه تسديد الفاتورة، والإجابة يعرفها الجميع (خواجة دة مغفل أنا القروش دة بختو وين؟)
وقد تجلت الحادثة من جديد عندما قرأ الجميع قرار المحكمة العليا الأمريكية التي حكمت على السودان في أكذوبة تفجير السفارتين بنيروبي ودار السلام بالحكم الذي اغراهم به اعترافنا المخجل بتفجير المدمرة كول حيث صدر الحكم بعشرة مليار دولار وسوف تنهال علينا عشرات القضايا المماثلة.

المشهد الموثق بالصوت والصورة أن خرطوم المحاصصة قد خرجت عارية وهي تهمس في سخرية (الخواجة ترامب دة مجنون أنا المليارات دي بختها وين؟)

بالمناسبة إن ارض السودان هي البلاد الوحيدة التي تمتلئ بالقصص والحكايات والطبيعة المحرضة على صناعة السينما، ولكننا للأسف لمن ننتج منذ الاستقلال إلى الآن فيلما واحدا، ولم نخرج على الدنيا ببطل واحد لأن ابطالنا للأسف يموتون دائما قبل بداية العرض

حسين خوجلي

صحيفة الانتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.