طقوس وعادات كثيرة اضطر السودانيون إلى التخلي عنها خلال عيد الفطر بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. وأكثر ما يشعر به المواطنون هو الحزن. اعتاد عاطف عبد الله الذهاب مع أسرته الصغيرة إلى منطقة حوش عبد الله في ولاية الجزيرة لقضاء عطلة عيد الفطر مع والديه ومعايدة أصدقائه وأقربائه، قبل أن يعود مرة أخرى إلى الخرطوم لمعايدة جيرانه ومعارفه. هذا العام يشعر بالحزن لأنه لن يتمكن من السفر إلى منطقته بسبب منع التنقل بين الولايات في إطار التدابير الاحترازية التي اتخذتها الحكومة السودانية لمنع تفشي فيروس كورونا. يقول لـ”العربي الجديد” إنّ العيد سيكون بلا نكهة، لأنه سيحرمه لقاء والديه وجميع أفراد أسرته، موضحاً أن حزنه ليس أقلّ من حزن أطفاله الذين اعتادوا الاحتفال بالعيد مع أصدقائهم في الريف، والأمر مختلف في الخرطوم لأن التواصل بين الناس أقل.
عبد الله هو واحد من مئات الآلاف من السودانيين الذين سيقضون عطلة عيد الفطر بعيداً عن الأهل والعشيرة. أما خالد هاشم فيقول إنه فكر في الذهاب إلى أهله في منطقة النيل الأبيض من خلال استخدام وسائل أخرى كسيارة أجرة والحصول على إذن تحرّك من السلطات. لكن ذلك قد يكلفه نحو 20 ألف جنيه (نحو 400 دولار).
وليس منع التحرك بين الولايات والمدن الكبرى وحده الذي يؤثر على فرحة السودانيين، فإغلاق الأسواق حرم الأسر من توفير ملابس وألعاب جديدة للأطفال، تماماً كما حدث مع لمياء عبد الله. تقول لـ”العربي الجديد” إن عيد الفطر هذا العام مختلف في كل شيء، لأن الناس مسجونين داخل منازلهم ويخشون وباء كورونا. وتوضح أنها لم تقم بأي ترتيبات للعيد هذا العام، بما في ذلك عدم تحضير الحلويات، مشيرةً إلى أنه حتى لو كانت الأسواق مفتوحة، لم تكن تنوي الخروج من المنزل مع أطفالها خشية الإصابة بالمرض، في ظل تزايد عدد الإصابات والوفيات.
وكانت البلاد قد أغلقت معابرها الحدودية البرية والبحرية والجوية وفرضت حظر تجول شاملاً في عدد من المدن، أهمها العاصمة الخرطوم، وأُغلقت الجامعات والمدارس وغيرها من الإجراءات. ويخشي نادر أحمد عدم التمكن من أداء صلاة العيد في الساحات العامة والمساجد، وعدم القدرة على توزيع الصدقات على المساكين وزيارة المنازل القريبة لتبادل التهاني. ويتمنى في حديثه لـ”العربي الجديد” أن يعود الناس إلى حياتهم في عيد الأضحى.
أما هنادي (أم أحمد) فترى أن هذا العيد لن تكون فيه فرحة غير فرحة الصائم بيوم فطره، في ظل الإغلاق التام للبلاد وغلاء أسعار السلع الغذائية والإحساس العام بالخوف من المجهول. أما عبد الرحمن عبد الله المقيم في السعودية، فقد اعتاد كل عام العودة إلى السودان خلال إجازته السنوية منذ بداية رمضان وحتى ما بعد العيد. ويشعر بالحزن لعدم قدرته على لقاء أسرته نتيجة منع الرحلات الجوية والبحرية بين البلدين، وهو ما لم يحدث طوال 18 عاماً قضاها في الاغتراب، مشيراً إلى أنه لن تتاح له الفرصة إلا في العام المقبل، وموضحاً أنه سيحاول قدر الإمكان التواصل مع أسرته عبر الهاتف.
بشيء من التفاؤل ترى راحيل إبراهيم أن هناك مجالاً للفرح من خلال خلق برامج خاصة داخل المنازل وإخبار الأطفال بأن العيد هذا العام استثنائي، مشيرة في حديثها لـ”العربي الجديد” إلى أنه في إمكانها استخدام تقنية الفيديو المتاحة بشكل واسع للتواصل مع الأهل والأصدقاء وتبادل التهاني، والترفيه داخل المنزل من خلال مشاهدة التلفاز والاستماع إلى بعض الأغنيات وإعداد برامج خاصة يشترك فيها الجميع كباراً وصغاراً.
من جهته، يقول الاستشاري النفسي علي بلدو إن العيد هذا العام سيكون مختلفاً، وتغيب فيه طقوس المعايدة في المجتمعات الشرقية والسودانية على وجه التحديد، بسبب جائحة كورونا وتبعاتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، موضحاً أن الجميع سيفتقد التواصل الاجتماعي ولقاء الأهل والأصدقاء والأحباب والجيران في ظل التباعد الاجتماعي، وفي ظل حرمان الأطفال من اللعب والخروج إلى الساحات العامة، عدا عن غياب مظاهر الشراء، كالثياب والحلويات بسبب الحظر المفروض.
يضيف بلدو لـ”العربي الجديد” أن كل تلك المعطيات قد تخلق درجة عالية من الضغط النفسي على المواطن وأفراد الأسرة في ظل عدم الإحساس بفرحة العيد والشعور العام بالخوف والتوجس من المرض والتوتر بين أفراد الأسرة الذي قد يؤدي إلى مشاحنات بدلاً من الفرح والمودة.
وينصح بلدو بالتعامل مع العيد كحدث استثنائي هذا العام وأن يسعى أفراد الأسرة الواحدة إلى المشاركة في الأعمال المنزلية كالتنظيف والتزيين والاعتناء بالحدائق المنزلية، إضافة إلى المشاركة في إعداد الحلويات المنزلية وممارسة الرياضة الجماعية والاستماع إلى الموسيقى، ما يساعد على خلق جو أفضل. كما يجب إعطاء الأطفال فرصة للعب قرب المنزل مع الالتزام بالتدابير الاحترازية.
العربي الجديد