على وقع تداعيات أزمة كورونا وتهاوي أسعار النفط، بدا لكثير من المراقبين أن دول الخليج، استغلت الأزمة لإحياء وتنفيذ خطط قديمة، بتصفية واسعة النطاق للعمالة الأجنبية في البلاد، أو ما يصطلح على تسميتها هناك، بالعمالة “الوافدة”.
ملايين من العمال البسطاء، من دول آسيوية ودول عربية أيضا، تم تسريحهم وسلموا أوامر بمغادرة البلاد، في عملية تراها منظمات عمالية وحقوقية دولية، مخالفة لقوانين العمل، في وقت ترى فيه دول الخليج، أن اقتصاداتها لم تعد قادرة على توظيف عمالة أجنبية، في وقت تتمدد فيه طوابير مواطنيها العاطلين عن العمل.
ولايبدو ما حدث مقتصرا،على القطاع الحكومي في تلك الدول، إذ تقول مصادر، إن حكومات هذه الدول، أعطت ضوءا أخضر، لشركات القطاع الخاص، للقيام بعمليات تصفية واسعة النطاق، للعمالة الأجنبية أو “الوافدة”، وكذلك القيام بتخفيضات كبيرة في الرواتب، دون مراعاة لظروف أسر هؤلاء، التي تعتمد كثيرا على تحويلاتهم المالية.
خطوات متشابهة
وكانت الأنباء قد تحدثت، عن تظاهرة لعشرات العمال الأجانب، يوم الجمعة الماضي في العاصمة القطرية الدوحة، احتجاجا على عدم حصولهم على أجورهم، وأشارت الأنباء إلى أن المتظاهرين أغلقوا طريقا رئيسيا، بمنطقة مشيرب بالعاصمة، وصفقوا ورددوا شعارات أمام أفراد الشرطة.
ونقلت الأنباء عن بيان لوزارة العمل القطرية، ردا على تلك الاحتجاجات، إن الوزارة “تباشر بفتح تحقيق فوري لحادثة تجمهر عدد من العمالة الوافدة في منطقة مشيرب، نظرا للتأخر في دفع أجورهم”، مضيفة أنها “تهيب بجميع أصحاب العمل والشركات ضرورة اتباع تعليمات الوزارة بشأن التزاماتهم القانونية خلال أزمة تفشي فيروس كورونا”.
أما المملكة العربية السعودية، فكانت قد أصدرت في وقت سابق، قرارا يتيح خفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40%، مع إمكانية إنهاء عقود العمل، بحجة مواجهة التبعات الاقتصادية للفيروس، في وقت سرحت فيه عدة شركات كبرى مئات الآلاف من العمال الوافدين.
ومضت الكويت أيضا على نفس الطريق، فضمن خطة للاستغناء عن العمالة “الوافدة”، أصدر وزير البلدية الكويتي “وليد الجاسم” قرارا ، بإنهاء خدمات حوالي 50% من موظفي البلدية الوافدين، بعد عطلة عيد الفطر، وأشارت مصادر في الكويت إلى أن الوزير أكد على أن “إنهاء خدمات نصف أعداد الموظفين يعتبر مرحلة أولى إلى حين الوصول إلى الصفر”.
كما ذكرت المصادر أن “إنهاء الخدمات يشمل كافة الوظائف بما فيها المهندسون والقانونيون والسكرتارية والمندوبون كما يشمل كافة القطاعات بدون استثناء بما فيها المجلس البلدي”، وكان النائب الكويتي “عبدالكريم الكندري”، قد تقدم باقتراح قانون تكويت جميع الوظائف العامة، خلال سنة من إصدار هذا القانون.
استغلال لخطاب تمييزي
غير أن الأخطر، الذي رصدته وسائل إعلام، ومنظمات حقوقية دولية، خلال تعامل دول الخليج مع هذه الأزمة، هو الترويج لخطاب عنصري، يظهر العمال الأجانب، مرة على أنهم السبب الرئيسي في انتشار الفيروس في البلاد، ومرة أخرى على أنهم أكلوا من خيرات البلاد بما يكفي، وأنهم ليس لهم ولاء لهذا البلدان، وفي كل الحالات كانت السلطات تسعى إلى تملق مواطنيها، والذين تميزهم دوما عن العمال القادمين من الخارج، الذين تطلق عليهم اسم “الوافدين”.
ودخل الإعلام الخليجي الرسمي على الخط، في سعي لشيطنة العمالة الأجنبية في البلاد، في سعي على مايبدو لإيجاد مبرر لتسريحها، ففي برنامج حواري شهير على قناة (إس.بي.سي) السعودية المملوكة للدولة، يقدمه الإعلامي خالد العقيلي، توجه مقدم البرنامج إلى الشركات السعودية، التي تُبقي على الوافدين، قائلا إنهم “ما يخجلون من أنفسهم ولا يعرفون معنى الوفاء للوطن”. وتابع قائلا “يجب أن نتوقف عن جعل الموظف السعودي هو كبش فداء مع كل أزمة، اجعلوا العمالة الوافدة… هم الأولى بالاستغناء وليس ابن الوطن”.
وفي الكويت أيضا، كان لافتا ذلك الجدل، الذي صاحب تسريح الآلاف من العمال المصريين في البلاد، ومطالبتهم بالمغادرة، وظهور عدة أصوات كويتية،عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تطالب بترحيلهم والتخلص من العمالة المصرية نهائيا، وهو ما جعل العلاقات بين مصر والكويت، على شفا أزمة، في ظل ما قالته السلطات الكويتية عن تقاعس السلطات المصرية، عن إجلاء عمالها المخالفين.
دفاع عن القرار
غير أنه وفي ظل الانتقادات التي تواجهها دول الخليج، بسبب إقدامها على تسريح الآلاف من العمال الأجانب، فإن هذه الدول تدافع عن قراراتها، بأن أوضاعها الاقتصادية لم تعد تتحمل، توظيف هذا العدد الكبير من العمل الأجانب، في وقت توقع فيه صندوق النقد الدولي، تراجعاً حاداً لاقتصاديات الشرق الأوسط، بسبب ضربة مزدوجة، جراء إجراءات العزل العام، المفروضة لمكافحة فيروس كورونا، والتراجع القياسي في أسعار النفط.
وتشير تلك الدول، إلى أنها وفي الوقت الذي توظف فيه الملايين من العمال الأجانب، فإن لديها طابورا يتمدد من العاطلين عن العمل من مواطنيها، والذين تعتبرهم الأولى بالتوظيف.
لم يكونوا شرا كاملا
ويعتبر كثير من المراقبين، أن العمال الأجانب في دول الخليج، والذين تقدر مصادر عددهم بـ 35 مليون شخص، لم يكونوا شرا كاملا كما صورتهم وسائل إعلام خليجية، فعلى مدار سنوات طويلة، أسهم هؤلاء العمال، في بناء اقتصادات دول الخليج والنهوض بها.
ويعتبر المراقبون أن هؤلاء العمال، باتوا مكوِّناً أساسياً، في سوق العمل والحياة التجارية، في دول مجلس التعاون الخليجي؛ عبر الإسهام في المسيرة التنموية، من خلال المشاركة في أعمال البناء وتكوين مؤسسات تجارية أخرى، والمساهمة في ديمومة العديد من القطاعات الاقتصادية مثل قطاع النقل.
وبجانب ذلك يشكك كثير من الاقتصاديين، في إمكانية أن تستغني دول الخليج بشكل كامل عن العمالة الأجنبية لديها، ويعتبر هؤلاء أن رحيل الوافدين، قد يقلص من إيرادات الحكومات الخليجية، من الرسوم وضرائب القيمة المضافة، كما أنه قد يبطئ من جهود الإصلاح، بما في ذلك خفض الانفاق العام على الرواتب والدعم
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن طارق فضل الله من مؤسسة (نومورا) لإدارة الأصول-الشرق الأوسط، قوله بأن “تراجع عدد الوافدين سيقلص الطلب على كل شيء من البيتزا إلى الفيلات، والخطر هو أن يؤدي هذا إلى تأثير انكماشي متتال وفقدان للوظائف الثانوية”.
BBC Arabic