كشفت الأحداث الأخيرة بين السودان وإثيوبيا، وبعد سقوط قتلى وجرحى في المنطقة الحدودية من القوات المسلحة السودانية، أن تطور الأمور إلى سيناريو الحرب الشاملة قد لا يكون مستبعدا.
مشكلة التعدي على الأراضي السودانية كما يقول مراقبون قديمة ويتجاوز عمرها نصف قرن، وكانت الأنظمة السياسية المتعاقبة تتغاضى عن الأمر بدوافع واعتبارات سياسية، بل وتقوم بالتستر على الأمر، أما الآن وبعد أن تغيرت الأمور فإن التصريحات الرسمية السودانية الأخيرة فيما يتعلق بهذا الأمر، ما هي إلا تحذير وتنبيه للرأي العام الإقليمي والدولي بعد أن شعرت الخرطوم للمرة الأولى أن أديس أبابا قد خدعتها فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة.
ترسيم الحدود
قال الفريق جلال تاور الخبير العسكري والاستراتيجي العراقي، إن “ما حدث من اشتباكات على الحدود السودانية الإثيوبية هو محاولة مزارعين إثيوبيين زراعة أراضي سودانية حدودية كما اعتادوا سابقا، الجديد في الأمر أن الحدود بين البلدين تم ترسيمها هذا العام 2020 باتفاق الدولتين، وأصبح هناك تواجد لقوات عسكرية لحراسة المنطقة”.
وأضاف الخبير الاستراتيجي لـ”سبوتنيك”، “حاول المزارعون الإثيوبيين خلال الأيام الماضية الاستعانة بمليشيا لفرض الأمر الواقع، مما تسبب في الأحداث الأخيرة، وتم التواصل بين سلطات الدولتين دبلوماسيا والأمور الآن هادئة ولا يتوقع انفجارها مرة أخرى”.
ونفى تاور أن يكون هناك أي ارتباط بين تلك الأحداث والمواقف السودانية الأخيرة بشأن سد النهضة قائلا، “هذا التوتر مرتبط بموسم هطول الأمطار والبحث عن أراضي زراعية تعتمد على موسم الأمطار”.
من جانبه قال الدكتور محمد مصطفى رئيس المركز العربي الإفريقي لثقافة السلام والديمقراطية، إن “السبب الرئيس في تجدد المواجهات وزيادة حدة التوترات في الأيام القليلة الماضية، يكمن في توغل مليشيا إثيوبية مسنودة بقوة عسكرية قوامها سرية إلى داخل الأراضي السودانية والهجوم على المزارعين والمواطنين العزل وترويعهم في منطقة بركة نوريت وقرية الفرسان”.
الحرب الشاملة
وأضاف مصطفى لـ”سبوتنيك”، “تواصلت الاعتداءات في المشاريع الزراعية لتشتبك القوة بالقوة العسكرية السودانية بمعسكر منطقة بركة نوريت وأسفر ذلك عن مقتل قائد القوة ضابط برتبة نقيب وطفل وجرح ستة من الجنود من بينهم ضابط برتبة ملازم أول وثلاثة مواطنين”.
وأشار رئيس المركز العربي إلى أن “هناك أكثر من 1700 مزارع إثيوبي يزرعون داخل الأراضي السودانية منذ سنوات، وكانت حكومة البشير تغض الطرف عنهم ولم تستطع التحرك لإنهاء هذا الوضع وحسم الأمر خوفا من تحريك إثيوبيا ملف محاولة اغتيال رئيس جمهورية مصر العربية الأسبق محمد حسني مبارك”.
وأوضح مصطفى، “الحكومة الانتقالية الحالية رغم تعقيدات أزمتها الإدارية والاقتصادية الناتجة عن تركة حكومة الإنقاذ الثقيلة فهي تسعي بكل جهدا لحسم هذا الملف”.
ولفت رئيس المركز العربي إلى أن “مفاوضات تجري بين الخرطوم وأديس أبابا من أجل إنهاء ملف ترسيم الحدود بين الجانبين، وعليه سوف تظل القوات المسلحة السودانية صابرة رغم جاهزيتها حتى نهاية الربع الأول من العام القادم 2021 موعد انتهاء الحوار حول ترسيم الحدود بين البلدين، ثم بعد ذلك لا عاصم لنا من اختبار وطنيتنا”.
وأشار إلى أن “خيار الحرب الشاملة غير وارد في الوقت الراهن إلا إذا تكررت الاعتداءات وخرجت الأمور عن السيطرة تماما، حينها قد تنزلق البلدين إلى أتون حرب شعواء”.
موقف حاسم
وقال الدكتور أحمد المفتي الخبير السوداني في القانون الدولي، إن “مثل تلك الحوادث تتكرر بصفة دائمة على طول الحدود بين البلدين، وهناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تحت الاحتلال الإثيوبي حاليا ومنذ سنوات، وقد شكا المزارعون السودانيون مر الشكوى مرات عديدة، ولكن دون أي جدوى”.
وأضاف المفتي “الغريب في الأمر أن وزارة الري السودانية، أصدرت بيانا حول الموضوع وفق ما تناولته وسائل الإعلام، لا يعد دعما للجيش السوداني، بقدر ما هو دعما لإثيوبيا، عندما قامت بالتذكير بالدور الإثيوبي لإحداث التوافق بين قوى الثورة السودانية، ولم يكن ذلك مستغربا، لأننا نتابع دور وزارة الري في مفاوضات سد النهضة منذ العام 2011، وحتى اليوم”.
وأوضح المفتي، “لا نطالب بشن الحرب على إثيوبيا، وإن كنا نتوقع أن تشعلها إثيوبيا طال الزمن أم قصر، طمعا في حصة السودان من المياه واراضيه، ولكننا نؤكد طلبنا السابق، بعدم دخول السودان في جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، إلا بعد إيقاف إثيوبيا تشييد السد وملئه”.
وطالب الخبير السوداني، “بالتعامل مع حادثة الاعتداء الأخيرة على نهر عطبرة بشكل دبلوماسي، عن طريق مطالبة إثيوبيا بالاعتذار الفوري ودفع تعويضات عاجلة عن الخسائر، والالتزام بعدم تكرار تلك الاعتداءات مرة أخري في تلك المنطقة أو أي منطقة أخرى، واسترجاع فوري لكل الأراضي السودانية التي تقع تحت الاحتلال الإثيوبي، وتعويض المزارعين السودانيين أصحاب تلك الأراضي عن استغلالها طوال السنوات السابقة”.
احتجاج رسمي
أعلنت وزارة الخارجية السودانية، استدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي في الخرطوم، بعد “اعتداء” مسلحين مدعومين من الجيش الإثيوبي على القوات المسلحة السودانية داخل الأراضي السودانية.
وقالت وزارة الخارجية في بيان، اليوم السبت “استدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي، للاحتجاج على توغل مليشيات إثيوبية مدعومة من الجيش الأثيوبي واعتدائها على المواطنين والقوات المسلحة السودانية داخل الأراضي السودانية، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من ضباط وأفراد القوات المسلحة ومواطنين سودانيين من بينهم أطفال”.
وأضافت “نقل مدير إدارة دول الجوار بالوزارة للقائم بالأعمال الأثيوبي إدانة ورفض الحكومة السودانية لهذا الاعتداء، وطالب باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف مثل هذه الاعتداءات”.
واخترقت ميليشيات إثيوبية الحدود السودانية الإثيوبية في ولاية القضارف، صباح الخميس الماضي، حيث توغلت واعتدت على المشاريع الزراعية بمنطقة بركة نوريت وقرية الفرسان، كما اشتبكت مع قوة عسكرية سودانية في معسكر بركة نورين، ونتيجة للهجوم، قُتل قائد القوة السودانية، النقيب كرم الدين، مصرعه، وجُرح عدد من العسكريين والمدنيين.
في السياق ذاته، أعلن الجيش السوداني، عودة الهدوء إلى المنطقة الحدودية المشتركة مع إثيوبيا، مؤكدا في الوقت ذاته أن القوات السودانية الموجودة على الحدود متمركزة في مواقعها، بانتظار أي تعليمات قد تصدر من القيادة العليا.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد عامر محمد الحسن، في تصريحات مع صحيفة “الشرق الأوسط”، إن “الأوضاع هادئة على حدود البلدين لليوم الثاني”، موضحا أن “هناك اتصالات قديمة بين قادة القوات الميدانية التابعة للبلدين، أفلحت في تهدئة الأوضاع على جانبي الحدود، وأن هذه الاتصالات قديمة، الغرض منها حفظ الحدود وأمنها”.
سبوتنيك