مرضي الفشل الكلوي .. تفاصيل زيارة مفاجئة

 

رغم ظروف الحظر و (بعبع) الكورونا سجلت زيارة لمركز غسيل الكلى بالمستشفى الأكاديمي و الالتقاء والتقيت بعدد مقدر من مرضى الفشل الكلوي الذين يجلسون تحت رحمة ماكينات الغسيل و الابتسامة لا تفارقهم و الأمنيات بان يمن الله عليهم بعاجل الشفاء .

 

(١)
لم تكن الرحلة عادية بل كانت مليئة بالدروس و العبر التي أكدت لي أن الإنسان السوداني ما زال بخير بالرغم من الأوضاع الصعبة التي تمر بالبلاد إلا أن معدنه اصيل لم تؤثر فيه تلك الظروف بل جعلته أكثر يقينا و إنسانية.

 

(٢)
جاءت فكرة الزيارة بسبب جار يقطن بذات الحي الذي نسكن فيه يعاني من مشاكل في الكلى فكان أن قرر له الأطباء جلسات غسيل و هي احدى الحلول الطبية لما يعانيه،ذات صباح ارتدي شقيقي الأصغر (يوسف) ملابسه مسرعا و اخرج السيارة من المنزل و بدأ في تدويرها على غير العادة لانه في اجازة بسبب ظروف الحظر، هرولت نحوه و سألته (ماشي وين؟) فكانت الاجابة التي هزتني (ماشي لي فلان عشان عندو جلسة غسيل و عربيتهم متعطلة و بعدها سناخذ معانا واحد من آخر الشارع و واحد من جبرة لأنهم التلاتة عندهم جلسة غسيل).

(٣)
قررت الذهاب معه الجلسة المقبلة لنقل ما يحدث داخل مركز الغسيل و نقل المعاناة و ذلك بعد أن اخبر من يرافقه للغسيل بمهمتي ،و بالفعل هذا ما حدث في اليوم المحدد ارتديت الكمامة و القفازات صباح يوم الثلاثاء و توجهنا ناحية جارنا فوجدناه في انتظارنا مرتديا كمامته القى علينا التحية دون مصافحة طبعا و كان الاعياء باديا عليه ، رحب بي و تحركت السيارة و بدأ حديثه معي عن معاناته مع الضمور الذي أصاب كليتيه و عن إرهاق الغسيل و أنه يحاول زرع كلية لتريحه من ذلك العناء، فجأة اوقف اخي العربة جانبا وقتها اقترب منا شاب نحيل الجسم يرتدي كمامة يحمل في احدى يديه (كيسا) مليئا بالأدوية علمت أنه المريض الثاني الذي سيرافقنا للغسيل بالفعل صعد في المقعد الخلفي بجوار رفيقه في الغسيل،فيما تقدم الثالث أمامنا الى المركز.

(٤)
تعرفت على الشاب و تحدث الي:( اسمي ضرغام محمد علي اعمل موظفا بجامعة امدرمان ظللت اغسل كليتي منذ سبع سنوات حتى الآن،اشتريت كلية من مصر و زرعت مرتين الأولى استمرت سبع سنوات و الثانية ثماني سنوات،اغسل مرتين في الأسبوع و لكني محتاج لجلسة غسيل ثالثة لانني اعاني من وجود ماء في الجسم و السموم،رغم العناء متفائل بان اتعافى و أعود لممارسة حياتي الطبيعية.)

(٥)
بعدها وصلنا لمركز الغسيل وهو يقع في الجزء الجنوبي للمستشفي الأكاديمي ، لا توجد حركة أمام البوابة سوى رجال أمن المستشفى و لا حركة للمرضى أو مرافقيهم ،الهدوء يحف المكان حتى دخولنا لمركز الغسيل و هو عبارة عن صالة طويلة مكيفة يتمدد على أسرتها بعض المرضى ، فيما فارقني رفقائي بأن تمدد كل منهم على سريره المخصص و بجوارهم ماكينة الغسيل التي لا تصمد بالنظر اليها طويلا و الدم القاني يجري داخل(سيور) رفيعة موصلة في اياديهم التي على ما يبدو انهكها تركيب جهاز الغسيل.
(٦)
تركتهم يستعدون للغسيل و بدأت جولتي في الصالة الطويلة الضيقة و اقتربت من أحدهم و هو يغسل كان هادئا و مبتسما كما الغالبية،عرفته بنفسي ثم تحدثت معه عن بداية مرضه و تجربته مع الغسيل فقال:( اسمي امير عيسى عبد الرحمن كنت اعمل في ورشة ميكانيكي سيارات إلا أنني توقفت عن العمل بعد أن بدأت الغسيل منذ ثلاث سنوات و بداية مرضي ضمور في الكلى و لا يوجد حل آخر غير الزراعة فكان أن تبرع لي شقيقي و أتممت الإجراءات كلها من تطابق الأنسجة و غيرها لكن حتي الآن لم تجر لي العملية، لكن يبدو لدي هناك مشكلة اخرى، وقال (لكنني متفائل بأنني سأزرعها و اشفى، انا مبسوط وسط اخوتي المرضى و الخدمة الطبية التي اجدها في المركز .)

(٧)
اتجهت صوب السيدة التي تقابله.. كانت عيناها تشعان بالامل و التفاؤل رغم ما تعانيه من الم ،تحدثت الي بصوت حنين  اسمي كوثر عبدالكريم كنت اعمل موظفة اعاني من ضمور في الكليتين بدأت الغسيل منذ العام ٢٠١٦ في حاجة لزراعة كلى و لكن لم اجد المتبرع. امنياتي أن أجده و اشفى لامارس حياتي الطبيعية،كما لدي مشكلة نصحني الأطباء بعمل موجات صوتية لليد حتى تجرى لي عملية وريد صناعي لتسهيل عملية الغسيل.)

(٨)
اتجهت بعدها صوب رجل كان يجلس على الكرسي اعتقدت أنه مراقب لماكينات الغسيل إلا أنني تفاجأت بأنه ينتظر دوره في الغسيل،تحدث الي :(اسمي بابكر ابوالعاص اعاني من ضمور في الكلية منذ العام ٢٠٠٥ زرعت كلية في العام ٢٠٠٨ و لكن في العام ٢٠١٨ حصل فشل و الآن مواصلا في الغسيل حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا.)

 

(٩)
والتقيت داخل المركز بأحد المسؤولين الذي فضل حجب اسمه و قال أنه يحب العمل في صمت من أجل راحة المرضى الذين يكنون لهم كل احترام و تقدير و قال إن الادوية متوفرة و الكمامات و المعقمات و المحاليل و الادوية المصاحبة للغسيل متوفرة في المركز ، لكن مشكلتهم في ضيق المكان الذي يحتاج لتوسعة لتقديم خدمة اكبر ،واحيانا تحدث اعطال في ماكينات الغسيل لكنها عادية و يتم إصلاحها سريعا ولا تستمر أكثر من وردية،كما تم الترتيب لتطعيم المرضى ضد مرض الكبد الوبائي فيما وفر لهم المركز القومي للامدادات كل احتياجاتهم حتى اذا انقطع الدواء يوجد لديهم احتياطي،كما وفرت البصات للمرضى و العاملين بالمركز بجانب تأجير سيارتين بجانب استخراج تصاريح لكل مريض لديه سيارة و منحه الوقود للحاق بالجلسة ،مضيفا (المركز لا يتوقف إلا يوم الجمعة لتعقيمه تعقيما كاملا كما يتم تعقيمها في الأيام العادية بصورة يومية،بالنسبة للكورونا ظهرت حالة واحدة و تم عزلها و تعالجت الحمد الله و عاودت جلسات الغسيل مرة اخرى، نحن في المركز أسرة واحدة تم توفير الماء و وجبة الافطار في شهر رمضان المنصرم وكان هناك افطار جماعي و رحلات ترفيهية للمرضى الذين يتمتعون بروح معنوية عالية و روح مرحة ، وأضاف (عانينا في الفترة الماضية من اصحاب الاجندة الخفية و لكن الآن الحمد لله الوضع أفضل نعمل في صمت لمدة احدي عشر عاما و نحن عبارة عن أسرة واحدة نضحي و بقية الاصطاف من أجل راحة المرضي.).

 

 

السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.