عقدت المحكمة الجنائية الدولية أولى جلساتها، يوم الاثنين، لمحاكمة على كوشيب، المتهم في الكثير من جرائم الإبادة في السودان، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصير الرئيس السابق عمر البشير والمطلوبين الآخرين؟.
ويرى مراقبون أن القبض على كوشيب أو تسليم نفسه للمحكمة قد يكون جرى وفق صفقة لم تعلن تفاصيلها، معللين ذلك بتصريحات المدعية العامة بالمحكمة بإمكانية محاكمة باقي المتهمين في السودان، الأمر الذي يعد بادرة قد ترفع الحرج عن مجلس السيادة والحكومة، وتشير إلى أن الأمور تسير في السودان وفق موائمات سياسية ومصالح اقتصادية.
صفقة غير معلنة
قال الدكتور أحمد المفتي، الخبير السوداني في القانون الدولي، إن “القبض على كوشيب وتسليمه للجنائية الدولية قد يتبعه الكثير من الخطوات في سبيل حل المشاكل العالقة بين المحكمة والسودان، وبدا ذلك واضحا في تصريح مدعية المحكمة الجنائية الدولية بأنه يمكن عبر الحوار مع الحكومة السودانية، محاكمة باقي الأشخاص الذين تطلبهم، بما فيهم البشير، داخل السودان، وبذلك تكون قد رفعت الحرج عن المكون العسكري لمجلس السيادة”.
وأضاف خبير القانون الدولي لـ”سبوتنيك”: “مثول كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية يبدو أنها صفقة لم تعلن تفاصيلها بعد، حيث لم تعلن المحكمة من قبل نقل جلساتها إلى بلد المطلوبين، وتلك هى المرة الأولى التي تعلن فيها مدعية المحكمة استعدادها لذلك، فهى تجربة جديدة على المحكمة”.
المطلوبون الآخرون
وأشار المفتي إلى أن “المطلوبين حاليا من السودانيين بعد كوشيب هم أربعة أشخاص، ولا أعتقد أن تجربة كوشيب سوف تكون مقنعة لأسر الضحايا، لأن العدالة الانتقالية أفضل لهم، ولأن العادات والتقاليد في السودان، لا تسمح على سبيل المثال بتقديم أدلة عن الاغتصاب للمحكمة، لأن في ذلك تشهير بالأسرة، كما أن أدلة إثبات الجرائم صعبة لأن الشك يفسر لصالح المتهم، وذلك أمر لا تقبل به أسر الضحايا”.
ميثاق روما
وحول عدم توقيع السودان على ميثاق روما للجنائية الدولية قال خبير القانون الدولي: “الأمر في تلك الحالة لا يتعلق بالتوقيع من عدمه لأن موضوع أسماء المتهمين أحيل لها بموجب سلطات مجلس الأمن في المادة “13 ب” من ميثاق روما، وفي العام 1993 عندما عرض موضوع إنشاء المحكمة أمام المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا في النمسا”.
أحمد المفتي، الخبير السوداني في القانون الدولي: “كنت أمثل السودان واعترضت مع آخرين من خبراء القانون الدولي، على علاقة مجلس الأمن بالمحكمة وتم قبول الاعتراض آنذاك، لأن مجلس الأمن جهاز سياسي والمحكمة الجنائية الدولية جهاز قضائي”.
وتابع: “مجلس الأمن لا يملك الحق في الإحالة إلى محكمة العدل الدولية، التي هي الجهاز القضائي للأمم المتحدة، بل إن نظامها الأساسي جزء من ميثاق الأمم المتحدة”.
مجلس الأمن والمحكمة وأفريقيا الوسطى
وأوضح المفتي: “إضافة إلي ذلك فإن القانون الدولي لا يلزم الدول بالاتفاقيات التي ليست هي طرف فيها “اتفاقية فينا لقانون المعاهدات” ومجلس الأمن فعل ذلك، على الرغم من أن السودان سحب توقيعه من نظام روما”، مضيفا: “مجلس الأمن ملزم بالقانون الدولي، لكنه انتهكه، وذلك الأمر يثأر أمام مؤتمر الدول الأعضاء في ميثاق روما لإلغاء المادة (13 ب) من ميثاق روما، أو أمام محكمة العدل الدولية وليس أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
ويقول خليل أحمد دود الرجال، رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان: “نحن نثمن الدور الذي قامت به دولة أفريقيا الوسطى في القبض على المتهم علي كوشيب، وهذا يؤكد فهمها المقصد الذي من أجله قامت محكمة الجنايات الدولية والمتمثل في الحفاظ على الأمن والسلم والدوليين، وفهمها كذلك بأن الجرائم الخطيرة المنصوص عليها في المواد 5 و6 و7 و8 من نظام روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية لا يتأذى منها فقط إقليم أو دولة مسرح الجريمة فحسب، بل العالم بأسره”.
وأضاف رئيس المفوضية: “أكدت تلك الجهود التي بذلتها دولة أفريقيا الوسطى أن النسيج الرفيع الذي يخاف شعوب الأرض من انهياره في الحفظ والصون”.
وأشار دود الرجال لـ”سبوتنيك” إلى أن “مفوضية العدالة انتابها نوع من الارتياح لتلك الخطوة قام بها المتهم كوشيب بتسليم نفسه، وينبع ارتياحها من الراحة النفسية التي بدت على وجوه السودانيين الذين لمسته المفوضية من خلال مسيرتها بالشارع السوداني ودول المهجر، وبوسائل التواصل الاجتماعي وفي مقدمتهم ذوو الضحايا”.
أحمد دود الرجال، رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان: الإفلات من العقاب بات أمرا شبه مستحيل مما يبدد القلق والخوف حول مستقبل الأجيال القادمة، وأن العالم بات على أعتاب التلويح بالوداع لتلك الجرائم الخطيرة التي دفع ثمنها ملايين الأطفال والعجزة والنساء”.
وأضاف: “حتى أهل الجاني كانوا قد شاطروهم تلك الفرحة، مما يؤكد إمكانية سموا وسيادة العدالة يوما ما بتلك البقاع التي مزقتها الحروب، إذ أن فلسفة المفوضية ليست فقط في إرجاع الحقوق لأهلها فحسب، بل تتعداها إلى إصلاح كل الآثار النفسية الناجمة عن الأفعال الإجرامية، ومع هذا الارتياح فثمة قلق وخوف ينتاب المفوضية جراء تتابع التصريحات والبيانات التي صدرت بهذا الشأن من ساسة وأحزاب وفصائل، حاولت تبني عملية تسليم المتهم كوشيب في أقبح مظاهر التكسب السياسي الرخيص”.
بيان هزيل
وأشار رئيس المفوضية إلى أن الحكومة السودانية أصدرت بيان هزيل حول تلك العملية يحمل عبارات إيمائية مبهمة، أكد عدم جديته في التعاون مع المحكمة في تسليم بقية المتهمين الموقوفين لديه في جرائم اختلاس أموال، وكيديات نخبوية بين حكام الأمس واليوم، حيث أظهر هذا البيان توجهات غير عادلة فيما يتعلق بالمتهمين المطلوبين للمحكمة.
وناشد خليل أحمد دود الرجال، الأمم المتحدة “للضغط على حكومة عبد الله حمدوك للإسراع بتسليم المتهمين المحتجزين لديها باسرع وقت ممكن”، مضيفا: “كيف لا، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو صاحب القرار 1953 الذي أحيل بموجبه الملف لمحكمة الجنايات الدولية، حيث أن المتهم كوشيب سوف يكشف كل الوقائع الموضوعية والظرفية للجرائم، مما سيوسع قائمة المتهمين الذين أصدرت المحكمة أمرا بتوقيف خمسة منهم فقط”.
وتابع: “الواقع يؤكد أن تلك الجرائم التي ارتكبت على نطاق واسع في دارفور يقف وراءها المئات من القادة بوصفهم فاعلين أصليين يتوجب القبض عليهم وإنزال العقوبات الرادعة بهم، ابتغاء في إشاعة السلام والطمأنينة في قلوب الناس وبالتالي إشاعة السلام والاستقرار والرفاه”.
ووصفت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، في تعليقها على مثول علي كوشيب، أحد المتهمين الرئيسيين في جرائم الحرب التي قام بها نظام عمر البشير، في إقليم دارفور غرب السودان ما حدث اليوم أمام المحكمة الجنائية الدولية “إنجاز كبير”.
واندلع النزاع في دارفور عام 2003 بين ميليشيات موالية للحكومة ومتمردين يطالبون بوضع حد “للتهميش الاقتصادي” لمنطقتهم وتقاسم السلطة مع حكومة الخرطوم، وخلف النزاع نحو 300 ألف قتيل، وحوالي 2.7 مليون نازح بحسب الأمم المتحدة.
وبعد مثول كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية، يعاد فتح واحد من أخطر الملفات في تاريخ السودان، ويعود الأمل لضحايا دارفور في التطلع إلى العدل المفتقد منذ سنوات.
من هو علي كوشيب الذي حرك المياه الراكدة في قضية دارفور؟.
علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب) كما هو معروف في السودان، هو أحد الزعماء القبليين في محلية وادي صالح في غرب دارفور، مولود عام 1957، وأول متهم يسلم نفسه إلى المحكمة، وترتيبه الرابع في قائمة المطلوبين للجنائية الدولية بعد الرئيس السوداني السابق عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين ووزير الداخلية حينذاك أحمد هارون، وبعده في القائمة يأتي عبد الله بندا أبكر نورين (بندا).
وأعلنت الجنائية الدولية في 9 يونيو/ حزيران الجاري أن كوشيب سلم نفسه إلى الجنائية الدولية.
وجاء في بيان للمحكمة: “علي كوشيب موقوف لدى المحكمة الجنائية الدولية بعدما سلّم نفسه طوعا في جمهورية أفريقيا الوسطى بناء على مذكرة توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه في 2007″.
وفي 27 أبريل/ نيسان 2007، أصدرت الدائرة الابتدائية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية أمرين بالقبض على علي كوشيب وأحمد هارون وزير الداخلية السابق، الذي مازال محتجزا لدى الحكومة السودانية.
وتتهم المذكرة الصادرة بحق كوشيب، بارتكاب جرائم حرب على خلفية دوره في النزاع الدامي في إقليم دارفور بغرب السودان.
ونفى كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية، الاتهامات المذكورة في أمر اعتقاله ووصفها بالـ”باطلة”.
وتقول المحكمة الدولية إن كوشيب كان “حلقة الوصل في تجنيد عناصر من قبيلة المسيرية وقبائل عربية أخرى في الميليشيات التي تدعمها الحكومة السودانية في دارفور، ويزعم أنه قام بتجنيد محاربين، وتسليح وتمويل وتأمين المؤن والذخائر لميليشيا الجنجويد تحت قيادته”.
وتضيف المحكمة أنه بعد تأسيس قوات الدفاع الشعبي، “بات عضوا فعالا في هذه القوات، كما يزعم بأنه كان قائدا لآلاف من أعضاء ميليشيا الجنجويد في الفترة من أغسطس/ آب 2003 إلى مارس/ أذار 2004 على وجه التقريب”.
وينسب لكوشيب دورا كبيرا في هذا النزاع، وأنه “شارك شخصيا في هجمات ضد السكان المدنيين في بلدات كودوم وبنديسي ومكجر وأروالا بين أغسطس 2003 وومارس 2004”.
وبحسب المحكمة الدولية “شهدت هذه البلدات جرائم قتل للمدنيين واغتصاب واعتداء على كرامة النساء والفتيات، واضطهاد، ونقل قسري، وسجن أو حرمان شديد من الحرية، وشن الهجمات المتعمدة ضد المدنيين المذكورين”.
وتشمل لائحة الاتهام ضد كوشيب خمسين تهمة، يعتقد بأنه يتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عنها، وتتوزع التهم في محورين؛ اثنين وعشرين تهمة تتعلق بجرائم ضد الإنسانية؛ “القتل، النقل القسري، الاغتصاب، الاضطهاد، التعذيب، فرض السجن أو الحرمان الشديد من الحرية، وارتكاب أفعال لا إنسانية ما يسبب معاناة شديدة أو أذى خطيراً”، وثمان وعشرون تهمة تتعلق بجرائم حرب؛ “القتل، شن الهجمات على السكان المدنيين، الاغتصاب، الاعتداء على كرامة الأشخاص، والنهب وتدمير الممتلكات”.
وتأمل المحكمة الجنائية الدولية أن يكون تسليم كوشيب، المقرب سابقا من الرئيس السوداني المخلوع إلى المحكمة، تمهيدا إلى محاكمات المطلوبين الآخرين للمحكمة وعلى رأسهم عمر البشير، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال عام 2009 تتهمه المحكمة فيها بالمسؤولية عن إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها القوات الموالية للحكومة في دارفور.
سبوتنيك