لا يزال الشارع السوداني يعيش النشوة التي حققها مؤتمر شركاء السودان بالعاصمة الألمانية والذي استطاع أن يوفر مبالغ تقدر بنحو 1.8 مليار دولار ويجذب أنظار العالم، مؤتمر برلين سبقته مفاوضات ماراثونية مع صندوق النقد الدولي بدأت مطلع الشهر الجاري حتى يطبق الأخير برنامجا للمراقبة يستطيع السودان على إثره الفك من رهان الديون الخارجية الجاثمه على صدره منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى استطاع بعد مفاوضات دامت لفترة أسبوعين الحصول على موافقة السودان والذي أعلن الأسبوع الماضي أنه توصل لاتفاق مع حكومة الخرطوم لتنفيذ إصلاحات هيكلية لاقتصاد السودان، الذي يواجه تحديات مالية ونقدية أثرت على أدائه الاقتصادي، والوضع المعيشي للسكان. وجاء في بيان للصندوق صدر الثلاثاء الماضي ، أن السلطات السودانية طلبت تنفيذ برنامج الإصلاح لمدة ال 12 شهرا المقبلة تحت رقابته، لدعم جهود استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، ووضع الأساس لنمو قوي وشامل ويهدف البرنامج كذلك إلى تعبئة التمويل الخارجي، وإحراز تقدم نحو تخفيف عبء الديون للدولة الفقيرة المثقلة بالديون (مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون)، وكذلك التعامل مع تأثير فيروس كورونا.
إلا أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وفي بيان لها صدر (الأحد) قالت إن التوصل إلى حلول جذرية للأزمات الاقتصادية العميقة التي تواجه الشعب السوداني هو الأولوية القصوى لحكومة السودان الانتقالية وبررت الأزمات الاقتصادية الهيكلية المزمنة بسوء حكم النظام البائد وإدارته الفاسدة للدولة، حيث أسفرت عن ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض دخل المواطنين وزيادة الفقر وجعلت الاقتصاد يعاني من عجز تجاري وضريبي هائل خاصة بعد جائحة كورونا التي جعلت الوضع أكثر سوءاً. وقد إنكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 2.5 % في عام 2019 ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 8 % بنهاية عام 2020 بسبب جائحة الكورونا. وقد أدى هذا إلى ارتفاع التضخم ليتجاوز 100 % . بالإضافة إلى ذلك فقد بلغ مستوى الدين الخارجي للسودان مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي حوالي 190 %، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم مما يمنع السودان من الانتفاع من التمويل الدولي للمشاريع الإنتاجية والتنموية.
وقال البيان إن علاج مثل هذه المشكلات المستفحلة في الاقتصاد السوداني سوف يكون صعباً للغاية خاصة في المرحلة الأولى ولكنه ضروري جداً لاستقرار الاقتصاد وتحقيق متطلبات ثورة ديسمبر المجيدة.
وأضاف: بالرغم من التحديات الكبيرة الماثلة وصعوبة المشوار في الفترة القادمة، شرعت حكومة السودان الانتقالية بالعمل بشكل عاجل على حل هذه الأزمات الاقتصادية لكي تضع السودان على الطريق الصحيح نحو تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي لكي يستفيد كافة الموطنين السودانيين بموارد السودان الوفيرة وينعموا بالعيش الكريم.
وأوضحت أن جهود الحكومة الانتقالية شملت إنجازات لجنة إزالة التمكين المستمرة لمكافحة الفساد وإعادة الأصول المنهوبة إلى الشعب السوداني، وإصلاح الأجور في القطاع العام، وإنشاء بورصة للذهب ومحفظة للسلع الاستراتيجية، وستواصل الحكومة جهودها في ترشيد المؤسسات المملوكة للدولة والتأكد من ولاية وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي على المال العام، وإنشاء وكالة التحول الرقمي لتقديم الخدمات الحكومية بكفاءة وشفافية ودعم النهضة الزراعية والصناعية في البلاد.
وكشفت عن توصل الحكومة الانتقالية لبرنامج اقتصادي لمعالجة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد السوداني بطريقة جذرية. وتحقيقاً لهذا الهدف أعلنت حكومة السودان الانتقالية أن السلطات السودانية وصندوق النقد الدولي قد توصلا إلى اتفاق بشأن برنامج مشترك سيستغرق مدة 12 شهرا. وبمجرد اكتماله، سيفتح البرنامج الأبواب أمام التمويل والاستثمار الدوليين في القطاعات الإنتاجية، والبنى التحتية، وخلق فرص العمل للمواطنين خاصة الشباب ، وتعزيز جهود مكافحة الفساد والحكم الرشيد. بالإضافة إلى ذلك، سوف يمهد هذا البرنامج الطريق لتسوية متأخرات السودان لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وأيضاَََ إعفاء الديون في نهاية المطاف من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (المعروفة بالهبيك).
وأوضحت إن البرنامج المتفق عليه بين الحكومة الانتقالية وصندوق النقد الدولي مدعوم بميزانية جديدة ستركز على زيادة الإنفاق على الخدمات العامة، واستعادة مهنية الخدمة المدنية، ورفع جودة المؤسسات الحكومية، والاستثمار في مشاريع بناء السلام وخاصة في الولايات المهملة والمهمشة. وسيدعم هذا البرنامج جهود الحكومة لإعادة الإنفاق الحكومي للقطاعات المهمة وذات الطابع الاجتماعي كالصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية بدلاً عن طريقة إنفاق النظام البائد التي كانت غير مستدامة وغير مرشّدة وأدت إلى زيادة معدلات التضخم وتهريب السلع الاستراتيجية. كما سيدعم البرنامج جهود الحكومة الانتقالية لتثبيت الأسعار الأساسية بما فيها سعر الصرف بطريقة تدريجية لخلق حوافز للتحويلات من الخارج لتتدفق عبر القنوات الرسمية بدلاً من السوق الموازي والذي سيؤدي إلى تغذية بنك السودان المركزي بالعملات الصعبة واستقرار الجنيه السوداني في نهاية المطاف.
وأشارت إلى أن جهود الحكومة الانتقالية ستكون لمكافحة الفساد وزيادة الشفافية أساسية في برنامجها الإصلاحي. كما أن حكومة السودان الانتقالية ستقوم بتمرير قانون مكافحة الفساد وإنشاء لجنة دائمة وفعالة لمكافحة الفساد وإصلاح البيئة للاستثمار والأعمال التجارية المحلية والدولية. وستقوم الحكومة الانتقالية بإعداد ونشر قوائم حصر لجميع الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك تلك التي تشرف عليها وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والوزارات الأخرى والأجهزة الأمنية والنظامية. على المدى القصير (في غضون 6 أشهر) ستصدر حكومة السودان الانتقالية مراسيم تضمن الملكية والرقابة الكاملة والشفافية على جميع المؤسسات المملوكة للدولة. وهذا سيضمن أن الإنفاق الحكومي سيتجنب التدخل السياسي وتضارب المصالح في إدارة ومراقبة الشركات المملوكة للدولة. وسيشمل برنامج الحكومة الانتقالية المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي في الفترة المقبلة تعديل قانون بنك السودان المركزي لتكريس استقلاليته ، مع تعزيز قدرة البنك المركزي على التركيز على استقرار الأسعار والتأسيس لوضع نظام مصرفي فعال متماشي مع أولويات الدولة ومصلحة المواطنين برأسمال متكامل.
وبالإضافة إلى ذلك، سوف تشرع الحكومة في برنامج لدعم الأسر السودانية أثناء المرحلة الانتقالية، وهو برنامج تحويل نقدي مباشر يمر بمرحلته التجريبية حالياً، وسيتم توسيعه ليشمل 80 % من الأسر بحلول أوائل عام 2021.
وقالت إن الاتفاق على هذا البرنامج جاء بعد أسبوعين من المباحثات بين حكومة السودان الانتقالية وصندوق النقد الدولي. وقد شارك في المباحثات كل من بنك السودان المركزي، ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزارة الطاقة والتعدين، ووزارة العدل، وديوان الضرائب، وهيئة الجمارك السودانية ، والجهاز المركزي للإحصاء وبعض الوزارات الاخرى ذات الاختصاص. ومن جانبه، سيعرض صندوق النقد الدولي هذا البرنامج على مجلس إدارته.
اليوم التالي