حمدوك (الفرصة الثانية)!

بقلم ضياء الدين بلال

-١-
أكاد أجزم، لا تُوجد دولة يتم فيها اهتمامٌ ومُتابعةٌ كبيرةٌ بتشكيل الحكومات واختيار الوزراء وإقالتهم مثل ما يحدث في السودان.
طريقة قديمة وبائسة وغير مُجدية، تكرّرت بوضوح في السنوات الأخيرة للنظام السابق.
كلما اشتدّت الأزمات وحدث اختناقٌ في الشارع العام، لجأ مُتّخذ القرار لحيلةٍ عاجزةٍ بإحداث تغيير وزاري (تنفيسي).
ينشغل الشارع بالتغييرات الوزارية، مَن ذهب ومَن أتى، يفرح البعض ويشمت الآخرون.
تتغيّر الوجوه والأسماء ويظل الحال على ما هو عليه، بل يمضي مُسرعاً إلى الأسوأ، حينها يزول أثر المُخدِّر المُؤقّت لتعود الأوجاع والآلام من جديد!
-٢-
أبرز ملمح في التعديلات الوزارية الجارية الآن والطريقة التي تتم بها حالياً، أنّ دكتور عبد الله حمدوك بدأ في التُحرُّر من قبضة حاضنته السياسية.
ربما كان خيار حمدوك لا الخروج الكامل من سيطرة قِوى الحرية والتغيير في اختيار الوزراء، ولكن أن تكون كلمته العليا في تحديد مَن يُغادر ومَن يستمر ومَن يكون هو البديل؟!
رغم أنّ رئيس الوزراء فَقَدَ قدراً – غير قليلٍ – من جماهيرته الواسعة، بسبب ضعف أداء وزرائه، إلا أنّ ما تبقى لديه من رصيدٍ وفيرٍ يُمكنه من الإمساك بالخيوط من جديد وتحريك المشهد في الاتجاه الصحيح.
-٣-
سند حمدوك الحقيقي ليس قُوى الحرية والتغيير، ولكن الشارع الشبابي العريض غير المُسيّس.
لم يجد قيادي سياسي معاصر، جماهيرية واسعة مثل ما حُظي بها دكتور عبد الله حمدوك.
ولكن هذه الجماهيرية ليست ذات عصمة صمدية، بل قابلة للتبديد والتلاشي، إذا ظلّ الوضع وأحوال الناس تمضي إلى الأسوأ.
-٤-
أخطأت قُوى الحرية والتغيير، حينما لم تترك أمر تعيين الوزراء في بادئ الأمر لحمدوك، حتى تؤول إليه كامل المسؤولية على ما يترتّب من نتائج.
كان الأوفق، طالما أنّ قُوى التغيير تدعي زهداً في المناصب ورفضاً للمُحاصصة وتعتمد معايير الكفاءة والتأهيل، أن تترك لحمدوك حق الاختيار كاملاً، وتحتفظ لنفسها بحق ( الفيتو) على اختياراته.
أما أن تضع له خيارات محدودة ومحصورة، وتلزمه بعدم الخروج عنها، في ذلك تعسفٌ مُضرٌ، ظهرت نتائجه السالبة خلال الأشهر الماضية، فشلاً ذريعاً في كل المجالات.
والأسوأ من ذلك أن تدعي أحزاب قُوى الحرية أمام الجماهير رفضها للمُحاصصة الحزبية، وتفعل ذلك سراً في ظهر الغيب.
ثم تنأى بنفسها جانباً، جالسة على مقاعد المعارضة وبذلك تكسب مغانم الحكم وتُحافظ على الزخم الثوري، في ذلك انتهازية بغيضة وخُبثٌ ماكرٌ وخداعٌ للجماهير.
الآن الفرصة مُتاحة للدكتور عبد الله حمدوك أن يُصحِّح مسار حكومته وينجز ما فشل في تحقيقه في ما سبق.
نجاح عبد الله حمدوك في الفرصة الجديدة مُهمٌ وضروريٌّ لمصلحة جميع الأطراف الحاكمة والمُعارضة، فانهيار الفترة الانتقالية سيجعل السقف يسقط على رأس الجميع.
والاستمرار على النهج الراهن، سيسلم البلاد للفوضى واقتتال الشوارع.
-٥-
الطريقة التي يتم بها اختيار الوزراء منذ العهد السابق، هي التي تحرمنا من النجاحات الكبيرة والإنجازات المُفرحة.
حتى ما يتحقَّقُ من نجاحٍ يتم بتكلفة عالية جداً، كان يُمكن تقليلها أو تلافيها بحُسن التدبير وكفاءة الأداء وعُمق النظر ووضوح الرؤية.
ظللنا منذ الاستقلال إلى اليوم، في حاجة لوزراء رقميين، يتحدّثون بالأرقام، ويُجادلون بها، نحكم عليهم بقيمة عُملتنا ويُسْر معاشنا، لا بحُسن بيانهم وجمال هندامهم.
لا ساسة يُجيدون العزف على أوتار العواطف والتغنِّي بألحان الأمجاد.
على الدكتور حمدوك إدراك: الاقتصاد،

وكما قلنا من قبل :
الإقتصاد هو الجنرال الذي أطاح بالبشير، وهو كذلك قادرٌ على الإطاحة بغيره، إذا ضاق الرزق وصَعُب العيش الكريم!
-أخيراً-
نحن في حاجةٍ مُلحّةٍ لإعادة تعريف السياسي، وتغيير أساليب العمل في السياسة.
حتى تُصبح السياسة، فنّ التباري في خدمة الجماهير وحل مشكلاتهم عبر وزراء من أهل الكفاءة، يُقدِّمون الحلول ولا يستثمرون في الأزمات، ولا يزرعون الألغام حينما يُغادرون.
وزراء يُضيئون الطرقات ولا يكتفون بلعن الظلام.
حتى نضمن استمرار وجود بلادنا على الخارطة، واستمرارها مُتماسكةً ومُوحّدةً.
لنختلف ونتنافس على أرضٍ صلبةٍ، لا في رمالٍ مُتحرِّكةٍ، تبتلع المُنتصر قبل المهزوم.
العين الثالثة || ضياء الدين بلال

شارك نشر الخبر
اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)
ضياء الدين بلال
By Alsudani On 12 يوليو, 2020 2:49 م – 0

-١-
أكاد أجزم، لا تُوجد دولة يتم فيها اهتمامٌ ومُتابعةٌ كبيرةٌ بتشكيل الحكومات واختيار الوزراء وإقالتهم مثل ما يحدث في السودان.
طريقة قديمة وبائسة وغير مُجدية، تكرّرت بوضوح في السنوات الأخيرة للنظام السابق.
كلما اشتدّت الأزمات وحدث اختناقٌ في الشارع العام، لجأ مُتّخذ القرار لحيلةٍ عاجزةٍ بإحداث تغيير وزاري (تنفيسي).
ينشغل الشارع بالتغييرات الوزارية، مَن ذهب ومَن أتى، يفرح البعض ويشمت الآخرون.
تتغيّر الوجوه والأسماء ويظل الحال على ما هو عليه، بل يمضي مُسرعاً إلى الأسوأ، حينها يزول أثر المُخدِّر المُؤقّت لتعود الأوجاع والآلام من جديد!
-٢-
أبرز ملمح في التعديلات الوزارية الجارية الآن والطريقة التي تتم بها حالياً، أنّ دكتور عبد الله حمدوك بدأ في التُحرُّر من قبضة حاضنته السياسية.
ربما كان خيار حمدوك لا الخروج الكامل من سيطرة قِوى الحرية والتغيير في اختيار الوزراء، ولكن أن تكون كلمته العليا في تحديد مَن يُغادر ومَن يستمر ومَن يكون هو البديل؟!
رغم أنّ رئيس الوزراء فَقَدَ قدراً – غير قليلٍ – من جماهيرته الواسعة، بسبب ضعف أداء وزرائه، إلا أنّ ما تبقى لديه من رصيدٍ وفيرٍ يُمكنه من الإمساك بالخيوط من جديد وتحريك المشهد في الاتجاه الصحيح.
-٣-
سند حمدوك الحقيقي ليس قُوى الحرية والتغيير، ولكن الشارع الشبابي العريض غير المُسيّس.
لم يجد قيادي سياسي معاصر، جماهيرية واسعة مثل ما حُظي بها دكتور عبد الله حمدوك.
ولكن هذه الجماهيرية ليست ذات عصمة صمدية، بل قابلة للتبديد والتلاشي، إذا ظلّ الوضع وأحوال الناس تمضي إلى الأسوأ.
-٤-
أخطأت قُوى الحرية والتغيير، حينما لم تترك أمر تعيين الوزراء في بادئ الأمر لحمدوك، حتى تؤول إليه كامل المسؤولية على ما يترتّب من نتائج.
كان الأوفق، طالما أنّ قُوى التغيير تدعي زهداً في المناصب ورفضاً للمُحاصصة وتعتمد معايير الكفاءة والتأهيل، أن تترك لحمدوك حق الاختيار كاملاً، وتحتفظ لنفسها بحق ( الفيتو) على اختياراته.
أما أن تضع له خيارات محدودة ومحصورة، وتلزمه بعدم الخروج عنها، في ذلك تعسفٌ مُضرٌ، ظهرت نتائجه السالبة خلال الأشهر الماضية، فشلاً ذريعاً في كل المجالات.
والأسوأ من ذلك أن تدعي أحزاب قُوى الحرية أمام الجماهير رفضها للمُحاصصة الحزبية، وتفعل ذلك سراً في ظهر الغيب.
ثم تنأى بنفسها جانباً، جالسة على مقاعد المعارضة وبذلك تكسب مغانم الحكم وتُحافظ على الزخم الثوري، في ذلك انتهازية بغيضة وخُبثٌ ماكرٌ وخداعٌ للجماهير.
الآن الفرصة مُتاحة للدكتور عبد الله حمدوك أن يُصحِّح مسار حكومته وينجز ما فشل في تحقيقه في ما سبق.
نجاح عبد الله حمدوك في الفرصة الجديدة مُهمٌ وضروريٌّ لمصلحة جميع الأطراف الحاكمة والمُعارضة، فانهيار الفترة الانتقالية سيجعل السقف يسقط على رأس الجميع.
والاستمرار على النهج الراهن، سيسلم البلاد للفوضى واقتتال الشوارع.
-٥-
الطريقة التي يتم بها اختيار الوزراء منذ العهد السابق، هي التي تحرمنا من النجاحات الكبيرة والإنجازات المُفرحة.
حتى ما يتحقَّقُ من نجاحٍ يتم بتكلفة عالية جداً، كان يُمكن تقليلها أو تلافيها بحُسن التدبير وكفاءة الأداء وعُمق النظر ووضوح الرؤية.
ظللنا منذ الاستقلال إلى اليوم، في حاجة لوزراء رقميين، يتحدّثون بالأرقام، ويُجادلون بها، نحكم عليهم بقيمة عُملتنا ويُسْر معاشنا، لا بحُسن بيانهم وجمال هندامهم.
لا ساسة يُجيدون العزف على أوتار العواطف والتغنِّي بألحان الأمجاد.
على الدكتور حمدوك إدراك: الاقتصاد،

وكما قلنا من قبل :
الإقتصاد هو الجنرال الذي أطاح بالبشير، وهو كذلك قادرٌ على الإطاحة بغيره، إذا ضاق الرزق وصَعُب العيش الكريم!
-أخيراً-
نحن في حاجةٍ مُلحّةٍ لإعادة تعريف السياسي، وتغيير أساليب العمل في السياسة.
حتى تُصبح السياسة، فنّ التباري في خدمة الجماهير وحل مشكلاتهم عبر وزراء من أهل الكفاءة، يُقدِّمون الحلول ولا يستثمرون في الأزمات، ولا يزرعون الألغام حينما يُغادرون.
وزراء يُضيئون الطرقات ولا يكتفون بلعن الظلام.
حتى نضمن استمرار وجود بلادنا على الخارطة، واستمرارها مُتماسكةً ومُوحّدةً.
لنختلف ونتنافس على أرضٍ صلبةٍ، لا في رمالٍ مُتحرِّكةٍ، تبتلع المُنتصر قبل المهزوم.

صحيفة السوداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.