كيف كان عيد الأضحى وكيف صار في اليمن وسوريا والسودان؟

عدّلت لوليا (29 عاما) بعض تقاليد العيد التي كانت تعيشها في مدينتها عدن، بعد أن انتقلت إلى لندن: إذ استبدلت كعك العيد بالبراونيز، واخترعت طبخة كتف خروف تعدّها مثل طبق الديك الرومي الذي يقدم في عيدالميلاد بدلا من الزربيان اليمني، كما أصبحت تحضّر الهدايا لبناتها وتغلفها بدلا من العيدية.

لكن عادات مثل إشعال البخور والاستماع إلى أغنية “أهلا بالعيد” بصوت صفاء أبو السعود، واستقبال الضيوف وشراء ثياب العيد ومعايدة الأهل لا تزال من بين طقوسها أيام العيد في بيتها وسط لندن.

“حتى السرير والستائر تعيّد”

مع فساتين العيد لهذا العام، اشترت لوليا لبناتها الثلاث كمامات ملوّنة لارتدائها في المواصلات العامة وفي مسجد الحي الذي يعيشون فيه وسط لندن، إذا أعيد افتتاحه.

وهذا ثاني عيد يمر على العائلة اليمنية-البريطانية أثناء وباء كورونا، لكن على عكس الحال في عيد الفطر، خُففت حاليا إجراءات الحظر في لندن.

تهتم لوليا أحمد عبدالله، ذات الـ29 عاما، بما سترتيده هي وبناتها صبيحة العيد ولا سيما أنها أصبحت معتادة على نشر صور عائلية على صفحتها على إنستغرام وعلى مجموعات العائلة على تطبيقات الموبايل، إذ هاجر كل أفراد عائلتها مع بداية عام 2011 إلى أكثر من بلد.

أما لوليا فكانت قد غادرت مدينتها عدن عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، ولا تزال تتذكر جيدا أيام العيد في حيهم المسمّى بالـ”بساتين” المتنوع ثقافيا؛ فإلى جانب اليمنيين عاشت هناك عائلات صومالية، من بينها أهل أم لوليا.

“كان الناس يصلّون بالملعب؛ الرجال يرتدون الأبيض أما النساء فيرتدين ثوبا يسمّى باتي – وكان يُصنع دائما من قماش ملوّن.. أصفر وأخضر وبرتقالي. أبحث أحيانا على الإنترنت لكنني لم أعد أرى مثل ذلك المنظر.. كنتُ أراقبهم وأنا صغيرة .. أختي كانت في العشرين وكانت تضحك وتقول إن ذاك التجمّع كان فرصة للقاء الفتيات والشباب.. على الأقل تبادل النظرات”.

أما الأكلات الأساسية في عيد الأضحى – أو عيد الأكل كما تسميه لوليا – فكان “الزربيان” المكوّن من رز ولحمة كطبق البرياني والكرشة وغريبات العيد للتحلية.

لا تزال زوجة أخيها تعيش مع أولادها في عدن. تحدثها في اتصالاتهما الهاتفية كيف أصبح سعر كل شيء غال في البلد، وكيف أنها تخاف من فيروس كورونا حاليا، لكنها مع ذلك بدأت بالتحضّر للعيد من أجل الأولاد؛ فبدأت بدهن البيت وبغسل الستائر، واشترت ثياب الأولاد قبل فترة كي تتجنب ارتفاع أسعارها قبيل العيد.

أسألها عن تقرير أخير حذّر من خطر المجاعة في كل من اليمن وسوريا وليبيا. “طبعا الفقير ما حيقدر ياكل.. ولا يعيّد الناس الفقيرة تتعفف ولا تقول ما عندي شي آكله. طبعا هناك من يساعد الفقراء، خاصة بالعيد. لكني أيضا أسمع عن سرقات تحدث باسمهم”.

أوكسفام تنذر بمجاعة عالمية تشمل ثلاث دول عربية

قبل أن تصبح لوليا أما، كانت تذهب إلى بيت خالتها في لندن أو خالة أمها “بحثا عن العيد في بيتهم”، لكن الآن وقد أصبحت أما لبنات أكبرهن بعمر التاسعة، فقد أصبحت تحاول أن يصبح العيد عندها – أن تصبح هي “العيلة”.

“كأني صرت أنا الجدة والكل يزورني في بيتي ويشتري الهدايا لبناتي .. وطبعا أخرج الستائر المخبأة والشراشف الخطيرة.. يعني حتى السراير تعيّد. أغير ترتيب الأثاث وقد أبدل الموكيت .. ولا أزال أضع أغنية أهلا بالعيد.. أبحث عنها على الإنترنت لأنها تذكرني بأمي.. لكن أمي تضحك وتقول لي إنني دقة قديمة وهي نفسها توقفت عن هذا”.

تقول إنها تحب العيد في لندن، التي يسمح فيها بيوم عطلة للطلاب المسلمين ليحتفلوا، لكنها اضطرت إلى تغيير طريقة الاحتفال – بعد حديث مع ابنتها الصغرى.

“كانت ابنتي صغيرة وقالت لي يوما ‘هل يمكن أن نغير ديننا؟ الكريسماس أحلى! ‘ فقررت أن أغير طريقة الاحتفال: صرت أزين البيت وأغلف الهدايا ليجدنها في صباح العيد، وصرت أشتري لهن بيجامات العيد”.

تقول لوليا: “عاجبني هالجيل بشكل كبير.. متصالح ما حاله. لما كنا صغار كنا نخجل من لهجة أمهاتنا (أثناء التحدث بالإنكليزية) في اجتماع المدرسة من الأهل .. كثير من البنات من يلي أعرفهم كانوا يخجلوا شوي من العيد في لندن.. لأنه كان يظهر أننا مختلفون. اليوم صار الأمر عادي.. صار المختلف هو موضة.. وصار الأولاد يتحدثون عن كل هذه الأمور على السوشال ميديا”.

في عيد الأضحى الماضي، كانت ذكرى الأحداث التي وقعت في عيد الفطر في الخرطوم يوم 3 يونيو/حزيران، لا تزال حاضرة.

هل يجهز فض اعتصام القيادة العامة على الحراك السوداني أم يزيده اشتعالا؟

لذلك لم يحتفل السودانيون بعيد الأضحى كما اعتادوا. تقول هديل عماد الدين ذات الـ23 عاما: “لم أر أبشع مما حدث وقتها.. أحسسنا بوجع كبير وقت العيد. كنت طالبة ماجستير وكنا قد بدأنا الإجازة، فصحينا على الخبر.. ما قدرنا نفرش أي شي جديد”.

تقول هديل إن مظاهر عيد الأضحى في الشوارع كانت تستمر نحو أسبوع عندما كانت صغيرة، الآن، في ولاية الخرطوم – لكن الآن تغير الوضع.

“الأسر ممتدة في السودان؛ نبدأ بزيارة بيت الشخص الأكبر في العائلة والذي يبدأ بذبح أضحيته.. ثم نذهب لزيارة جدتي لأمي، ونكمل تنقلنا. قبل العيد بأيام نجهز ‘خبيزنا’ من كعك وغريبة. قبل العيد تمشي وفي الجو روائح الخبز”.

أشهر أكلات الأعياد في السودان هي “الشيّة” السودانية وهي عبارة عن لحم مشوي على الفحم المجمّع في باحة الدار.

لكن يبدو أن وباء كورونا سيعّكر أجواء الاحتفالات هذه السنة.

كثيرا ما تمر هديل من السوق العربي في الخرطوم – لكنها الآن متفاجئة بعض الشيء.

“حركة السوق غريبة.. أقل مما هو معتاد في هذا الوقت من السنة.. أي قبل العيد. السوق هو دائما مزدحم صباحا وظهرا لأنه قرب موقف الحافلات. يبدو أن جائحة كورونا أثرت على حركة السوق حاليا”.

تشرح هديل، وهي خريجة كلية الإعلام في جامعة إفريقيا العالمية، أن التجار رفعوا الأسعار بحجة أن أسعار الاستيراد قد ارتفعت أيضا.

“السلع التموينية البسيطة أصبحت غالية. البيضة كانت بجنيهين.. الآن البيضة بعشرين جنيها.. أسعار المواصلات كذلك. كان المشوار من أم درمان إلى الخرطوم الذي يستغرق نصف ساعة يكلف 40 جنيها سودانيا على الأكثر في الباص، أما الآن فوصلت التكلفة إلى 100 جنيه”.

الأسعار الغالية حديث الناس في السودان، لكن الناس تجد دائما “بدائل” لتقديم الأضحية “فمن الضروري للناس أن تضحّي.. من باب ديني”، كما تقول.

“كلنا بالهوا سوا”

رشا في الثلاثين من عمرها اليوم وتعمل في مجال العمل الإنساني في دمشق.. صورة قديمة لها مع خالتها
لم يعد العيد يعني شيئا لرشا منذ زمن بعيد، باستثناء كونه فرصة لزيارة خالتها غادة – أكبر أفراد عائلتها في دمشق.

“فكرة العيد كانت مرتبطة بالحصول على شيء جديد.. طبعا بعد أن كبرنا لم نعد بحاجة لمناسبة لنفعل ما نريد أو لنشتري ما نريد.. بالنسبة لي أصبح العيد هو زيارة خالتي غادة، التي تعيش وحدها في بيت جدي. فنحن بمثابة أولاد لها”.

لكن رشا لن تتمكن هذا العيد من زيارتها بسبب بدء انتشار فيروس كورونا في المدينة، ولأن خالتها السبعينية تعاني بعض المشاكل الصحيّة.

في عيد الفطر الماضي أغلقت مطاعم المدينة ومقاهيها ومنعت تجمعات العيد في الأماكن العامة، وكان على الناس العودة إلى بيوتهم السادسة مساء. الحركة عادت إلى المدينة الآن، لكن بدأ يتزايد تسجيل الإصابات بالفيروس في العاصمة، وبدأ الناس بارتداء الكمامات – كما بدأت حالة الذعر، كما تقول رشا.

“زمان لما كنا صغار ما كان في كل هالهموم والأزمات العالمية.. لكن اليوم – ولأول مرة منذ 10 سنوات – أشعر أنه بسبب كوفيد19 لست أنا فقط التعيسة.. بل هناك شعور مشترك عالمي.. كلنا بالهوا سوا”.

في العيد يزداد طبعا الوضع صعوبة بالنسبة العائلات الأفقر، وكلما زاد عدد الأولاد.

“خلال السنوات الماضية لم تكن الظروف الاقتصادية سهلة أبدا.. لكن الوضع الآن أصعب بكثير على الجميع. صحيح عاد النازحون إلى بيوتهم التي حاولوا إعادة بنائها وإصلاحها، وعاد الأطفال إلى المدارس.. الكل كان يحاول العودة إلى الحياة الطبيعية نوعا ما خاصة بالنسبة للأطفال.. لكن فجأة تعطّلت الحياة مجددا بسبب اتخاذ اجراءات حماية بسبب الفيروس، فأغلقت المدارس.. وقلت معظم أنشطة الجمعيات العاملة لدعم الأطفال”.

تقول رشا إن الفواكه، مثلا، أصبحت رفاهية لكثير من العائلات، والثياب الجديدة – طبع
“أحد الأشخاص الذين أعرفهم أراد شراء حذاء من نوع مقبول.. لكنه عدل عن قراره بعد أن وجد واحدا سعره يعادل ثلاثة أرباع راتبه”.

أما بالنسبة للثياب، فإذا أراد الأهل من طبقة متوسطة شراء ثياب جديدة لأولادهم، فليس لهم سوى سوق الثياب المستعملة (البالة) التي انتشرت في المدينة.

تقول رشا “زعلانة على وضع الأولاد.. أتذكر حماسنا ونحن صغار للعيد.. كنت أعرف دائما أنني سأحصل على شيء جديد أو عيديّة على الأقل في كل عيد”.

BBC Arabic

Exit mobile version