حيدر المكاشفي : حوادث المرور.. القاتل الأكبر

ليس هناك ألم يعتصر القلب ويهد كيان الإنسان ويفقده توازنه واتزانه، أكبر ولا أعظم من فقدان الإنسان لعزيز لديه وخصوصاً اذا كان ذلك الفقد قد حدث فجأة ومن دون مقدمات تجعلك تستقبل خبر وفاته بينما كنت قبل لحظات تحادثه وهو في كامل عنفوانه وعافيته..

 

هكذا كان حال إحدى زميلاتنا بالصحيفة عندما تلقت مكالمة هاتفية وهي منهمكة في أداء عملها تخبرها بوفاة شقيقة لها في حادث حركة اليم، وبدءاً لابد من تقديم تعزية حارة لأسرة الزميلة الخلوقة المهذبة ولكل معارف الفقيدة التي راحت مبكياً على شبابها في حادث الحركة المفجع الذي وقع على طريق ام درمان بارا على تخوم منطقة جبرة الشيخ يوم أمس الأربعاء،.

 

ونسأل الله أن يتولى الفقيدة برحمته وأن يتقبلها قبولاً حسناً، وينزلها منزلاً حسناً في فردوسه الأعلى ويحشرها مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يلهم أهلها الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ونحمد الله على سلامة طفلي الفقيدة اللذين كتب الله لهما النجاة، وتعيد هذه الحادثة المأساوية للمشهد كل الصور الكارثية المحزنة التي وقعت بسبب حوادث المرور، وتعتبر حوادث المرور القاتل الأكبر في كل العالم بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية التي تؤكد ان القاتل الأكبر ليس هو الحروب أو تفشي الأمراض وانما هو حوادث المرور..

 

وأما عندنا هنا في السودان فأذكر بهذه المناسبة الأليمة أن شرطة المرور ظلت باستمرار تحمل ما نسبته(80%) من حوادث المرور للحافلات ووسائل المواصلات الأخرى التي بات يقودها الكثير من السائقين برعونة واستهتار ودون التزام بقواعد المرور، وكانوا بذلك سبباً في ازهاق الكثير من الأرواح والحاق الأذى الجسيم بكثيرين..

 

وكيف لا تكون حوادث المرور هي القاتل الأول والأكبر من بين كل أسباب الوفاة والموت الأخرى، طالما الشوارع التي تسير عليها المركبات بكل هذا السوء والضيق وكثرة الحفر والمطبات، وبعض وسائل المواصلات المرخصة غير مؤهلة للسير في الطرقات، كما أن بعض السائقين المرخصين غير مؤهلين ليس فنياً فقط بل وأخلاقياً، وغير مسؤولين حتى يمنحوا اجازة قيادة مركبة عامة تحمل في جوفها عدداً من الأنفس، وغالباً ما تحدث هذه الحوادث القاتلة بسبب السرعة الزائدة أو التخطي الخاطئ..

 

وعطفاً على افادة شرطة المرور حول حوادث الحركة التي تتسبب في النسبة الأكبر منها الحافلات ووسائل المواصلات الأخرى وسائقيها المتهورين، نقول كيف لا يؤدي هؤلاء المستهترين من السائقين دور ملك الموت في الشوارع اذا كان شعارهم هو (الرزق في الأبنص والأبنص حبل غسال)، وتعرفون أيضاً سباقات الفورميلا التي يخوضونها في الشوارع وهذا يعني تزايد الحوادث التي تتسبب في هذا الكم الكبير من الأموات والاعاقات، وأصل المشكلة هنا هو هذا النظام الذي تعمل به وسائل المواصلات العامة المملوكة للأفراد والذي يجعل عين السائق على الايراد أكثر من الشارع، ولسان حاله يردد (الرزق يحب الخفة).

 

رغم أن هذه الخفة في طلب الرزق قد تقتلهم قبل أن ينالوه، والحل في نظام نقل عام محكم يسد هذه الثغرة القاتلة، وخلاصة قولنا هنا، صحيح أن بعض ما تشتكي منه ادارة المرور خارج ارادتها، ولكن الصحيح أيضا أن بعضه في يدها..والقيادة فن وذوق وأدب .

 

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.