انقلاب ضد عقار.. الطعنات الشاكة في جسد “الرجل” هل تضع حداً لطموحه

انشقاق جديد في صفوف الحركة الشعبية – قطاع شمال- بقيادة القائد الميداني يونس أبكر. وتقول العادة إن أي انشقاق تستتبعه بالضرورة تنحية وترقيات، سيجد رئيس الحركة الفريق مالك عقار بموجبها نفسه معزولاً، فيما يتاح المجال لقائد الانشقاق لتسنم المرتبة الرفيعة.

محاولة فهم القوة والقوى التي يملكها يونس، وما إذا كان لخروجه أثر أما سيكون كظل (دخل القش وما قال كش)، ووضع ذلك الخروج في سفر مكتظ بـ “الخروجات” على قائد الشعبية وانعاكسه على عملية السلام؛ كله طي الصفحة أدناه.

لم يعرف عنه إلّا مساهمته في الحرب، ولكن القائد الميداني بالحركة الشعبية – قطاع الشمال، العميد يونس أبكر، وقع سهمه أخيراً في كنانة المتحاورين بقاعة الصداقة بدعوة من الرئيس عمر البشير ليكون جزءاً من حوار (الوثبة) وبمقتضى ذلكم اتفقت المراصد الصحفية أخيراً بأن يونس يتأهب للوثوب إلى قاعة الصداقة بحيث يلتقي الساسة سبعة فسبعة.

وفي وثبته، أو قل انتباذته الشرقية، باع القائد الميداني بأقصى مع آخرين عقاراً، إذ أعلن يونس بفم تفصله فقط “إنشات” عن ثلاثة نجوم وصقر استقرت بكتفه، أن المدينة لا تحتمل فتاوى مالك، ثم قال إنه يتأهب للطيران إلى الخرطوم، وداخلاً من باب السلام.

سياسة وتاريخ

عزل عقار من قيادة الحركة لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير في صفوف حركة مسلحة، الطموح من ضمن أشياء أخرى يبقى على السبابة ملتفة على الزناد. الجديد في الأمر أن إعلان عزل عقار أتى على بعد زماني قريب جداً من أحاديث عن عزله من قمة الجبهة الثورية التي تقاتل الحكومة حتى قبيل أن ينكفئ الجنوب على نفسه في العام 2011م.

وبالتالي وفقاً لروتين إعلامي معتاد، خرج الأمين العام للشعبية بالنيل الأزرق، عبد الله إبراهيم عباس (أوجلان)، ليقول إن يونساً “ساعة خروج من الحركة” لم يتبعه إلا فئة ناشزة قليلة الأفراد، ضعيفة التأثير.

ومن ثم دق (أوجلان)، إسفيناً بين الراكبين لسفينة يونس وأولئك الذين تراودهم أنفسهم بالقفز إلى السفينة التي تركت وراءها الحرب، وانسربت مع مياه بحر أزرق. أما الأسفين فلم يكن سوى اتهام يونس بالتخابر لصالح الخرطوم.

وإن كان هذا جانباً من رسالة أوجلان الشعبية، فإن الجانب الآخر المكتوب بالحبر السري يكشف عن تهديد مبطن يقطع بأن الحركة تعتبر كل من يتبع يونس خائناً وعميلاً، أما عقوبة الخيانة في الحركات المسلحة وأيان الحروب فتجدها ضمن باب الفتك بالخصوم على يد الطغاة والمستبدين.

دفعوه أم اندفع

لنعُد إلى يونس الذي وضع سلاحه، وجملة اشتراطات لمحاورة الحكومة، ولنقف عند إعلانه وقفاً شاملاً لإطلاق النار مدته ستة أشهر، وجاهزية لدخول الحوار الوطني في حال تم تمزيق الأحكام الصادرة بحق بعض من قادة الشعبية المودعين في سجون الحكومة بتهمة الخروج على النظام.

تلك الشروط التي وضعها يونس ورفاقه تحوي تأكيدات بأنهم ما باعوا القضية وإن باعوا عقاراً، وبالتالي تعطي فرصةً لخروج آخرين من بيت يحرسه مالك إلى دوح الخرطوم التي يقول شاعرها إنها جنة (رضوان).

تسريع الوتيرة

بخلط موقف الشعبية وموقف يونس، نجد أن أوجلان سرع فقط من وتائر انضمام يونس ومجموعته لحوارات الخرطوم حيث لم يعد لهم في الغابة موطن، اللهم إلّا أن أرادوا مصادمة عقار، وإلحاق أذى متبادل بالحركة التي تنتظرها فصول حسم تقودها الحكومة سنوياً على أمل الانتهاء من التمرد جملة وتفصيلا وفي أحسن الفروض إعطاء كروت رابحة لوفود الخرطوم المتوجهة تلقاء اثيوبيا حد أن تنتقل نجمات “راديسون” من بطاقات الفندق إلى أعين قادة الحركة في قائظة النهار.

تبريرات

مؤكد أن يونس لا ينفك عن القول إن قومه آمنوا بنبذ الحرب، فما أكثر الجنرالات المحاضرين حالياً في معاهد السلم. وتململ العسكر من تطاول آماد الحرب أمر مفهوم قد يدفع في النهايات إلى ركوب الرأس بالتعبير السودانوي وإن كان الثمن المقصلة، أو بالعلو فوق الجراحات والانحياز للسلم بالتعبير السلمي مع الركون للعزلة أو الكتابة وكلاهما وجه لعملة واحدة، أو باختيار التفاوض وهو تعبير سياسي يعني التفاوض والتسويات.

وإن كان يونس مصداقاً حياً لبيانه الشاكي من بؤس الحال في الميدان، فإن حسابات البيدر وحقول الألغام– معاً- ربما تدفع بعض أصحاب الطموح العسكري ممن تأكد احتجاب المناصب والمال عن أعينهم إلى القفز بالزانة فوق الساسة المستأثرين عادة بالضوء والمتغطين بالقول فيما البيان بالعمل متروك لمن هو متروك يحارب كل شيء: عدوه، وطموحاته، وأحياناً طواحين الهواء.

تؤيد هذه الرؤية الأحاديث القادمة من عاصمة البن الافريقية بأن أمزجة الحكومة والحركة باتت أخيراً على ذات الموجة ولذا يتوقع أن يبث الطرفان إعلاناً عن نهاية الحرب، وفتح قريب.

(اللي ما يصيب يدوش).

لنقُل إن يونس لا يلتحف إلَّا بوريقات يقطين هن بعض رفاقه الخارجين مما ملك عقار، ولنقل إنه عاجز عن زعزعة والي النيل الأزرق السابق ضخم الجثة، ولكن لنقُل كذلك إن كثرة الطعنات الشاكة لجسد الرجل قد تصيب من يراه بغباش يستحيل تصحيحه، لكن لنأمل أن تدفع ململة أركان حربه في الغابة ووفود سلمه في المفاوضات، إلى تعجل السلام، حتى ولو رأى مالك أن يونساً ومن معه الأرذلون.

صحيفة الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.