مصر تتحسس “سترة النجاة” بعد غرق السودان بمياه النيل

أودت الفيضانات في السودان بحياة أكثر من مئة شخص، وتحولت بعض المدن في 16 ولاية سودانية من أصل 18 بجميع أنحاء البلاد إلى ما يشبه المدن العائمة، يعاني بها أكثر من نصف مليون منكوب هذا الطوفان الموسمي المدمر، ما دفع مجلس الأمن والدفاع السوداني إلى إعلان حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، واعتبار البلاد منطقة كوارث طبيعية، وهو ما أثار القلق في مصر الجارة الشمالية للسودان التي لا بد من أن يصلها مياه فيضان النيل، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ مئة عام.

ووسط تحذيرات خبراء وبرلمانيين من تأثر مصر بالفيضان، طمأنت الحكومة المصريين بأن لديهم “سترة النجاة” من أي فيضان مدمر، وهي السد العالي ومفيض توشكى، فضلاً عن جاهزية شبكة الري لاستيعاب المياه الزائدة بسلاسة، لكنها أكدت تأثرها بالفيضان زيادة أو نقصاناً في كل الأحوال، محذرة المواطنين من أن المخالفات الزراعية والإنشائية على مجرى النهر يمكن أن تخاطر بحدوث “اختناقات” في سريان المياه، ما قد يؤدي إلى تكرار صورة مصغرة من الفيضان السوداني.

البرلمان المصري يقرع جرس الإنذار

وبينما وصلت هواجس فيضان النيل المدمر إلى مصر قبل وصول مياهه التي تستغرق رحلتها نحو شهر للوصول من منبعها إلى بحيرة السد العالي في أقصى جنوب مصر وشمال السودان، قدم عبد الحميد كمال عضو مجلس النواب المصري، بياناً عاجلاً إلى المجلس بشأن مدى جاهزية الحكومة لمواجهة مخاطر الفيضانات المحتملة في ضوء ما حدث بالسودان.

وقال النائب، في البيان الذي تلقت “اندبندنت عربية” نسخة منه، “نظراً إلى مخاطر السيول والفيضانات التي أصابت السودان الشقيق، وما نتج عنها من الخسائر في الأرواح والممتلكات في عديد من المدن والقرى وجزء من العاصمة الخرطوم. أتوجه لرئيس الوزراء باتخاذ كل الإجراءات الحمائية والوقائية والاحترازية، لمواجهة احتمالات أي مخاطر من الفيضانات على بلادنا، وذلك حماية للمصريين وأرواحهم، خصوصاً أن هناك تحذيرات من بعض العلماء والمتخصصين”.

وطالب البرلماني المصري بعقد اجتماع طارئ للحكومة ومجلس الدفاع الوطني، وذلك لدراسة الأوضاع والسيناريوهات المحتملة، تفادياً للأزمة قبل حدوثها.

وذكر كمال، في تصريح خاص إلى “اندبندنت عربية”، أن “مصر شهدت فيضانات عديدة مدمرة منذ سنوات، خصوصاً قبل إنشاء السد العالي، وتوجد تحذيرات وجهها بعض العلماء من تأثر مصر بالفيضان الراهن، ولا يضر القاهرة أن تتخذ إجراءات احترازية حول هذه الأزمة، وتضمن استيعاب السد العالي الفيضانات الكبيرة، فالتأثر المباشر بزيادة الإيراد المائي لهذا العام لم تتضح، والمياه تستغرق عدة أسابيع لكي تصل إلى مصر، لكن الوضع ماثل الآن أمامنا في السودان، وقد سارعت مصر إلى مساعدة السودان إغاثياً، ويجب أيضاً أن نتعاون معاً لدرء المخاطر، وأن نتحرك بشكل استباقي”.

ومن جانبه، قال عبد الفتاح مطاوع، رئيس قطاع الموارد المائية بوزارة الري المصرية سابقاً، “مصر عليها الاستعداد من خلال تفريغ جزء من مياه بحيرة ناصر الممتلئة حالياً إلى مفيض توشكى وتهيئة فرعي نهر النيل، دمياط ورشيد، فضلاً عن التأكد من كفاءة محطات الصرف الزراعي، لتجنب غرقها عند صرف المياه في مجرى النهر إلى المتوسط، كما أن الأمر يمتد إلى متابعة السلطات المحلية بالمحافظات، والتأكد من كفاءة وسائل النقل النهري، في ضوء ما يمكن أن تتعرض له من تيارات مياه عالية في النهر، والأهم من كل ذلك الاستفادة اقتصادياً من المياه الزائدة، لجلبها كميات كبيرة من الطمي خلف السد العالي”.

السد العالي “حائط صد”

وعلى الرغم من كثرة السدود وغيرها من الخزانات والمنشآت المائية السودانية التي لم تتمكن من كبح الفيضان الذي أدى إلى تدمير مئة ألف منزل في 16 ولاية سودانية، مقارنة بامتلاك مصر السد العالي فقط، فإن طبيعة الطبوغرافيا السودانية وارتفاع معدلات الأمطار كانا التفسير الذي قدمه معظم الخبراء والمسؤولين لآثار الفيضان في السودان هذا العام، ما يستبعد معه نظرياً احتمالية غرق بعض المدن المصرية، نتيجة ارتفاع الفيضان عن المتوسط الطبيعي.

وأكد محمد السباعي، متحدث وزارة الموارد المائية المصرية، لـ”اندبندنت عربية”، أن مشروع السد العالي يمثل “حائط صد” ضد فيضانات النيل، موضحاً أنه قادر على حماية مصر من الفيضان، إذ لا تزال المياه المخزنة في بحيرة ناصر في الحدود الآمنة، مضيفاً “وزارة الري على أهبة الاستعداد خلال السنة المائية التي تبدأ في الأول أغسطس (آب) وتستمر ثلاثة أشهر، إذ يجري التنبؤ بالفيضان والأمطار منذ سقوطها على منابع النيل، إلى أن تصل إلى بحيرة ناصر والسد العالي، ويجري استيعاب المياه، فضلاً عن تجهيز وتطهير المجاري المائية مثل الترع وغيرها، وحتى هذه اللحظة يمكن القول إن الفيضان مبشر وفوق المتوسط، لكن لا يمكن تحديد كميته إلا بنهاية الشهر الحالي”.

وتابع، “السد العالي لديه قدرات معينة لاستيعاب المياه. وحتى الآن الكميات في الحدود الآمنة، لكن يمكن فتح مفيض توشكى في حالة تجاوز الفيضان تلك الحدود، والنقطة الأهم هي إزالة التعديات على مجرى النهر، إذ يمكن أن تؤدي الزراعات أو المباني المخالفة إلى اختناقات تحد من قدرة المجرى المائي على استيعاب تصريف كميات زائدة من المياه، وهنا تتعرض تلك المناطق لمخاطر، ولذلك ما نقوم به من حملة مكثفة لإزالة التعديات منذ خمس سنوات هدفه حماية أرواح المواطنين”.

وبدورها، أكدت إيمان السيد، مدير مركز التنبؤ بالفيضان بوزارة الري المصرية، أن لدى مصر كل الاستعدادات للتعامل مع المياه سواء كان الفيضان منخفضاً أو مرتفعاً، و”هذه الاستعدادات تشمل تطهير شبكات الترع والمصارف، والتأكد من جاهزية شبكة الري عبر إزالة التعديات، وإجراء الصيانات اللازمة بالسد العالي، وتجهيز مفيض توشكى للعمل، والتأكد من قدرة الشبكة على استيعاب أي كميات مياه من الفيضان مهما كان حجمه، فضلاً عن إمكانية تشغيل محطات الطوارئ، والاستفادة من منشآت التحكم وصيانتها”، موضحة أن تلك الاستعدادات “تجري قبل موسم الفيضان بثلاثة أشهر، من خلال وضع سيناريوهات للتعامل مع كل الفيضانات”.

السد المصري بريء

ورغم تعرض السودان سنوياً للسيول والفيضانات وإن كان بصورة أقل وطأة من العام الحالي، فإن أكثر الأمور إثارة للجدل في هذا الشأن، اتهام بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في السودان سد النهضة الإثيوبي والسد العالي المصري بالتسبب في ارتفاع منسوب مياه النيل، وزيادة تأثر المدن السودانية بموسم الفيضان الذي يبلغ ذروته هذه الأيام.

وتعليقاً على الأمر، قال وزير الري السوداني ياسر عباس، “السد العالي كبقية السدود لديه قدرة محدودة على حجز وتصريف المياه بصورة آمنة، لكنه يقوم بتصريف المياه على مدار الساعة بما يتلاءم مع الاحتياجات المائية للبلاد التي تعتمد على 97 في المئة من استخداماتها من تلك المياه العابرة الحدود”، مؤكداً أن هناك تنسيقاً على مدار الساعة وبعثات متبادلة بين مصر والسودان في إطار من التعاون المتبادل وتبادل البيانات والمعلومات وإجراء القياسات المشتركة في بعض محطات القياس، “لا سيما خلال الفيضان الحالي، ومع ارتفاع معدلات سقوط الأمطار في السودان بشكل غير مسبوق، وارتفاع منسوب المياه بالمجرى المائي”.

وشددت رئيس مركز التنبؤ بالفيضان أن “الخوف من ارتفاع المنسوب وغرق أي قرى أو مدن على ضفاف النيل كما حدث بالسودان أمر غير وارد في ظل اختلاف طبيعة التضاريس في كل من مصر والسودان، فطبيعة الفيضان وشبكة الري وتضاريس الأراضي مختلفة في البلدين، والمشكلة في السودان متكررة كل عام، لكنها فاقت التوقعات هذا العام”، مؤكدة أن “اتهام مصر بالتسبب في ارتفاع منسوب مياه النيل أو الفيضان في السودان كلام غير منطقي وغير علمي، وليس له أي أساس من الصحة”.

بدوره، قال النائب عبد الحميد كمال، إن ما يقال حول علاقة السد العالي بالفيضان في السودان “كلام غير معقول، لأن السد العالي ومعظم مساحة بحيرة ناصر موجودة بالأراضي المصرية، ويوجد ارتفاع في الأراضي السودانية الغارقة عن سطح البحر أعلى بكثير، فالمياه تأتي من الجنوب إلى الشمال لا العكس، ونحن في الاتجاه الشمالي ولم يبن السد إلى الجنوب من السودان مثلاً، بل السد الوحيد المبني قبل الحدود السودانية مباشرة هو سد النهضة، والسودان لم يتهمه رسمياً بالتسبب في الفيضان، بل ذكر كثيراً إن عند اكتماله ووجود اتفاق حوله سيسهم في التقليل من مخاطر الفيضان، كما أسهم السد العالي في تحسين إدارة الموارد المائية في البلدين، وقلل كمية المياه التي كانت تضيع في البحر المتوسط سنوياً”.

إندبندنت

Exit mobile version