هل يخطف اليورو الأضواء من الدولار الأمريكي؟

تضاربت التوقعات بشأن استمرار ضعف الدولار الأميركي وتأثره بشكل بالغ خلال السنوات المقبلة مقابل بروز عملات أخرى على رأسها اليورو، بعد أن أحدثت أزمة كورونا تشوهات مالية سيستغرق العالم سنوات لعلاجها، لا سيما على صعيد ارتفاع الديون والسيولة في الأسواق.

وشهدت العملة الأوروبية الموحدة نشاطاً ملحوظاً أمام الدولار الأميركي خلال الأشهر الماضية، بعد أن اخترقت في وقت سابق مستوى 1.20 دولار للمرة الأولى منذ الثاني من مايو (أيار) 2018، لتتمكن من تعزيز مكانتها منافساً قوياً للدولار، بما قد يهدد زعامة العملة الأميركية على عرش العملات العالمية رغم أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا.

وكان اليورو في صعود والدولار في هبوط خلال الأسبوعين الماضيين، عندما أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي أنه سيتغاضى عن فترات من التضخم المرتفع، ويركز بدرجة أكبر على التوظيف مستقبلاً.

وفي هذا الشأن، قال محللون مختصون إن سياسة المتعاملين تغيرت إلى بيع الدولار، مراهنين على أن أسعار الفائدة الأميركية ستظل منخفضة فترة أطول، إضافة إلى ترقب نتائج الانتخابات الرئاسية، وبوادر اشتعال الأزمة بين واشنطن والصين من حين إلى آخر.

وهوى الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين مقابل اليورو في بداية سبتمبر (أيلول)، إذ انتاب القلق المستثمرين بشأن تعافي الاقتصاد الأميركي، وراهنوا على أن أسعار الفائدة الأميركية ستظل منخفضة فترة أطول، في الوقت الذي استحدث فيه صانعو السياسات صندوقاً كبيراً للتعافي في أوروبا.

لكن، العملة الأميركية استقرت في الجلسات القليلة الماضية، على الأخص بعد أن لامس اليورو فترة وجيزة مستوى 1.20 دولار، وأعقب ذلك عمليات بيع للعملة الموحدة. وبحلول الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش بجلسة أمس، ارتفع اليورو مقابل الدولار 0.25 في المئة إلى 1.181 دولار.

مزيد من الزخم

ومن جانبه، قال مازن سلهب، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ماس للاستشارات”، مقرها دبي، “لا أحد يريد عملة قوية حالياً. هذا مبدأ يعمل به الأميركيون والأوروبيون كذلك”. مضيفاً “بعد أن حقق اليورو مكاسب قوية 7.2 في المئة مقابل الدولار على أساس سنوي ليتداول حالياً عند أعلى مستوياته في أكثر من عامين عند 1.1817 دولار، بقي السؤال الأبرز ما الوقت الذي تعتبر الفائدة في منطقة اليورو عند صفر في المئة بينما الولايات المتحدة 0.25 في المئة؟”.

وحول إمكانية قيام الفيدرالي الأميركي بالتخفيض التدريجي لأسعار الفائدة، قال سلهب، “هذا التحرك أعطي مزيداً من الزخم في تراجع الدولار أكثر من سرعة تراجع اليورو، بالتالي تراجع العوائد الأميركية، لكن جزءاً مهماً تتجاهله الأسواق هو أن الجدل السياسي الديمقراطي – الجمهوري كان سبباً مهماً في انخفاض مستويات الثقة بالدولار”.

وتابع: “لا يُعتقد أن اليورو سيخطف الأضواء، لكن الأوروبيين أثبتوا قدرة مهمة في التعامل مع أزمة كورونا في وقت تخبط فيه الأميركيون”، متوقعاً “أن لا يحدث تغيير جذري في أسعار الفائدة بأي وقت قريب، لذا لا نتوقع مكاسب مستمرة لليورو على الرغم من ثقتنا به عملة للمدى البعيد”.

وأضاف: “باعتقادي أن المشكلة الأميركية سياسية بالدرجة الأولى، وسواء نجح بايدن أو بقي ترمب فإن التعافي الاقتصادي سيحدث، وسيكون تدريجياً وبطيئاً”، مشيراً إلى أن قدرة أميركا اقتصادياً تبدو حالياً “أكثر مرونة من أوروبا”.

وزاد المدير التنفيذي، “مؤشر الدولار الذي خسر 5.4 في المئة على أساس سنوي، ووصل إلى مستوى 90 نقطة أدنى مستوياته في عامين، يبدو قريباً من مستويات مهمة للغاية فنياً، لذلك لا أتوقع تراجعات سريعة قاسية له، إلا إذا ارتفعت حدة الجدل السياسي الأميركي، ودخل الحزبان في معركة للتشريعات الاقتصادية، ومزيد من الحرب التجارية التي لا نتوقع ارتفاع وتيرتها، خصوصاً في حال فوز بايدن”.

ولفت سلهب إلى أن “القضية الصينية ستبقى قائمة وبقوة، ولا بد من أن ندرك أن أميركا غير منزعجة من تراجع عملتها، بل على العكس هو نتيجة وهدف، خصوصاً إذا كان سيدعم الصادرات الأميركية لآسيا وأوروبا”، موضحاً أن الارتفاع السريع لليورو إلى مستويات 1.20 دولار قبل أسبوعين “أقلق صناع السياسة النقدية الأوروبية، لأن اليورو المرتفع مع الانكماش الحالي سيكون أسوأ سيناريو، لذلك لا نتوقع مكاسب قوية لليورو خلال المرحلة المقبلة، بل تدريجية من دون تحسن كبير في عوائد سنداته”. مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي لمنطقة اليورو كميزان تجاري “يبدو أفضل بكثير من أميركا. وهذا سيترك مزيداً من الثقة في اليورو للمديين المتوسط والبعيد”.

قوة ضاغطة

وبدوره، قال طارق قاقيش، المحلل المالي، “الفترة الحالية نتيجة ضعف الاقتصادات العالمية بسبب كورونا تخفض غالبية البنوك المركزية بالعالم أسعار الصرف، لتكون مناسبة لعملية الاستيراد والتصدير، لذلك فإن المصارف المركزية تمثل قوة ضاغطة على العملة”. مؤكداً أنه “ليس لصالح أي دولة أن تكون عملتها مرتفعة بالنسبة لليورو. إننا نشهد حالياً تحسناً اقتصادياً، خصوصاً الاقتصادات الرئيسة مثل الاقتصاد الألماني، بالتالي يتجه بعض المستثمرين إلى الأسواق المالية، نتيجة أسعار الفائدة مقارنة بالاستثمار بالأسهم”.

وأوضح أن معدلات الفائدة “عامل رئيس في تحديد أسعار الصرف، إذ إن ذلك الاجتماع يأتي وسط وجود معدلات التضخم بالمنطقة السلبية، بالتالي توجد توقعات بخفض بالفائدة، ليكون قراراً مشابهاً للفيدرالي الأميركي، لتتناسب مع معدلات التضخم السالبة، وسيشكل هذا ضغطاً على أسعار اليورو الذي يحتل نحو 20 في المئة من إجمالي حجم التجارة العالمية، ويأتي في الترتيب العالمي بعد الدولار المتحكم الأكبر في حجم التجارة الدولية”، مضيفاً “يوجد بعد آخر سيؤثر سلباً في أسعار اليورو من الممكن أن يصيبها بالضعف، وهو تنفيذ (بريكست)”.

تراجعات متتالية

وعلى الصعيد ذاته، قال رامي أبو زيد، مدير إدارة بحوث الأسواق لدى شركة “أيه تي أف إكس” غلوبال ماركت، “خطف اليورو الأضواء من الدولار الأميركي كثيراً ما تردد في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع التراجعات المتتالية التي شهدتها الورقة الخضراء مقابل العملة الأوروبية الموحدة على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة، من مايو إلى أغسطس (آب)، ليسجل الدولار رابع أسوأ أداء خلال السنوات العشر الأخيرة مقابل اليورو بنسبة تراجع بلغ أقصاها 8.3 في المئة”.

وتابع: “ارتفاعات اليورو كانت مدعومة بموجة بيع قوية للدولار خلال تلك الفترة الماضية، وذلك بفعل السياسة التحفيزية الاستثنائية التي اتبعها الفيدرالي الأميركي، التي لا تزال مستخدمة حتى الآن”، مشيراً إلى أن الفيدرالي “لم يتردد منذ اندلاع أزمة الفيروسات التاجية في ضخ السيولة بمعدلات غير مسبوقة، لكي يقي الشركات والمؤسسات الأميركية من الكارثة”.

وواصل أبو زيد، “أن ذلك هو ما ضخم أسعار الأصول وبشكل خاص أسعار الأسهم، ودفع المستثمرين الأجانب من خارج الولايات المتحدة إلى التحوط ضد تراجعات الدولار الأميركي بفتح مراكز بيعية على الدولار في أسواق العقود الآجلة”، لافتا إلى أنه من الواضح كذلك “أن اليورو كان هو العملة المفضلة للمستثمرين خلال الأشهر الأخيرة، التي تظهر لنا بيانات لجنة تداول العقود الآجلة والسلع الأميركية، في تقريرها الأسبوعي لالتزامات المتداولين، أن كبار المضاربين راكموا صافي مراكز شرائية في اليورو وصلت إلى أكثر من 198 ألف عقد، موزعة بين العقود الآجلة وعقود الخيارات، وذلك وفق آخر البيانات المتاحة، والأمر الملفت هذا الكم من صافي المراكز الشرائية، وهو الأضخم تاريخياً منذ بدء نشر هذا التقرير الأسبوعي”.

وأوضح: “إضافة إلى العوامل السابقة يأتي لجوء الدول الأوروبية إلى استجابة أسرع وأكثر صرامة في مواجهة انتشار كورونا، ليعجل بعودة اقتصادات تلك الدول إلى الفتح التدريجي بشكل أسرع مما حدث في الولايات المتحدة، ولربما كان لذلك انعكاس إيجابي على اليورو”.

وحول التحركات المستقبلية للسوق، قال أبو زيد “يجب الانتباه إلى اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وما تشكله عادة من إقبال لدى المستثمرين على الاحتفاظ بالسيولة النقدية، تحديداً فإن تلك الانتخابات لا تبدو محسومة لصالح أحد المرشحين بشكل واضح، وذلك يزيد من احتمالية أن نشهد بعض التراجعات لليورو مقابل الدولار الأميركي ولو بشكل مؤقت”.

ويرى أن العملة الأوروبية الموحدة “ستظل بشكل عام أفضل أداءً هذا العام من الدولار الأميركي، إذا ما استمر التباين في قوة التحفيز النقدي المتبع من كلا البنكين المركزيين، مع الأخذ بالاعتبار أن رؤية الفيدرالي الأميركي تجاه الاقتصاد تبدو أكثر تشاؤماً وفقاً لتصريحات مسؤوليه، في الوقت الذي يحتفظ فيه المركزي الأوروبي بلهجة تبدو أكثر هدوءاً”.

إندبندنت

Exit mobile version