حرب عملات عالمية تلوح في الأفق ما الأسباب؟

لا شك أن الزلزال الاقتصادي الناتج عن أزمة كورونا خلف أضراراً بالغة بالسياسات النقدية والمالية على الصعيد العالمي، سيكون لها تأثير في تصعيد ملفات دولية شهدت نزاعاً في السنوات الأخيرة، أبرزها محاولة زعزعة مكانة الدولار الأميركي؛ عملة الاحتياط العالمية والأولى، والدخول في حرب عملات بين أكبر اقتصادات عالمية.

وفي هذا الصدد، قدر متخصصون في إفادات متفرقة لـ”اندبندنت عربية”، أن سياسيات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحالية، وتراجع قيمة الدولار تنذر باشتعال حرب عملات شاملة في العالم، الأمر الذي يشتت انتباه صناع السياسيات المالية والنقدية لأداء مهمتهم الأساسية في إنعاش الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا.

وكانت التأثيرات السلبية لسياسيات ترمب متوقعة منذ توليه الرئاسة الأميركية في يناير (كانون الثاني) 2017، عبر إعلانه مراراً خلال حملته الانتخابية مساعي تحرير الاقتصاد الأميركي من قبضة الصين، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تخسر أموالاً إذا توقفت أنشطة الأعمال بين البلدين، في ظل فائض تجاري كبير لصالح الصين.

ولا يهدأ ترمب حتى يطلق من حين إلى آخر تصريحات نارية، تؤكد استمرار الحرب التجارية بين البلدين بعد اندلاع الجائحة، حيث وجهت إدارة الرئيس الأميركي في مايو (أيار) الماضي صندوق التقاعد الفيدرالي لإلغاء خطة ضخ بأكثر من 4 مليارات دولار في استثمارات صينية، وهي خطوة تأتي في الوقت الذي يُلقي فيه ترمب باللوم على بكين بشكل شبه يومي، لعدم القيام بما يكفي لوقف انتشار فيروس كورونا حول العالم.

وعلى ذات الصعيد، توقع المتخصصون أن تصعيد الحرب التجارية هذه المرة لن ينتج عنه تبادل الرسوم الجمركية العدائية فقط إنما قد يتطور الأمر “حرب عملات” لاسيما بين الدولار الأميركي واليوان الصيني.

وخلال السنوات الأخيرة قبل تفشي الجائحة، وصفت الولايات المتحدة، “الصين بأنها متلاعبة بالعملة”، ورداً على ذلك قال تشين يوان، النائب السابق لمحافظ بنك الشعب الصيني في أغسطس (آب) 2019، إن وصف الولايات المتحدة للصين بأنها متلاعبة بالعملة، “يعني أن الحرب التجارية بينهما آخذة في التحول لتصبح حرباً مالية وحرب عملات”، وأنه يجب على صناع السياسات الاستعداد لنزاعات بعيدة المدى.

وأوضح تشين يوان، أن اتهام واشنطن لبكين بالتلاعب بالعملات هو جزء من استراتيجيتها في الحرب التجارية، وهذا الاتهام سيكون له تأثيره في الصين “بشكل أكثر عمقاً واتساعاً” مقارنة بالخلافات التجارية، مضيفاً، أنه بينما يجب على الصين أن تسعى لتجنب مزيد من توسيع النزاعات يتعين على صانعي السياسات أن يستعدوا لمنازعات بعيدة المدى مع الولايات المتحدة حول العملات.

سياسات حمائية

نادر حداد، المستشار المالي لدى البنك الفرنسي “سوسيتيه جنرال”، يرى أن ترمب منذ انتخابه تبنى سياسات اقتصادية حمائية، وهذا ما أعلنه خلال حملته الانتخابية عام 2016، مضيفاً أن الاقتصاد العالمي بالوقت الراهن لا يحتمل تهديدات ترمب الجديدة بقطع العلاقات التجارية مع الصين وفرض رسوم جديدة على البضائع الصينية ما سيدخل العالم في حرب عملات من خلال بيع السندات الأميركية التي تأتي الصين كثاني أكبر حائز لها. وتابع ، “تصاعد توترات الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديين عالميين ستؤثر في جاهزية العالم للخروج من أزمة الوباء الصحية التي تحولت لأزمة اقتصادية”.

تغيرات عنيفة

وعلى الصعيد ذاته، قال رئيس شركة “تارجت للاستثمار”، نور الدين محمد، إن ما يتم تطبيقه من سياسات اقتصادية ونقدية بالولايات المتحدة لتخفيف تداعيات فيروس كورونا من شأنه أن يحدث تغيرات عنيفة ومتتالية في سعر الدولار مقابل العملات الأخرى صعوداً وهبوطاً، وهو ما سيحدث تغيرات عنيفة في كافة الأسواق المالية وكذلك السلع، وبخاصة المعادن النفيسة والنفط.

وذكر محمد، “أن ما شهدته الأسواق خلال الأشهر خير دليل على ذلك، وبالتالي ستتحول كل دولة أو منطقة مشتركة إلى الدفاع عن عملتها بأي طريقة تراها مناسبة للحفاظ على معدلات التصدير وكذلك نمو الناتج المحلي”، مؤكداً أن العالم سيدخل معها حرب عملات قد تكون الأقوى على مر التاريخ الحديث.

وأشار إلى أنه من هذا المنطلق لا بد من وضع حدود لعمليات التيسير الكمي وطبع العملات الجديدة للحد من تأثير هذه الأدوات في السياسات النقدية، وبالتالي تخفيف التأثير في أسعار العملات المختلفة في مقدمتها الدولار الأميركي.

دلائل واضحة

من جانبه، قال مدير التداول لدى شركة “ضمان للأوراق المالية” وائل مهدي، إن الرئيس الأميركي بدأ بالفعل الحرب التجارية العالمية، ولكن في الوقت الحالي توجد دلائل واضحة تشير إلى أنه ربما يستعد لدق طبول حرب العملات أيضاً.

وأوضح مهدي، على الرغم من أن الحديث الذي يشوبه الخوف والقلق بشأن إمكانية تحول الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب عملات، يبرز على ساحة النقاشات الدولية من حين إلى آخر، مخاوف حقيقية بأن هناك أرضية لإمكانية اندلاع هذه الحرب على نطاق واسع، وهو ما قد حدث أكثر من مرة قبل تفشي فيروس كورونا.

وأشار إلى أنه مع استجابة الاحتياطي الفيدرالي لمطالب ترمب وتماشياً مع الظروف الاقتصادية التي فرضتها تداعيات أزمة كورونا قد تكون التراجعات التي شهدتها العملة الأميركية منطقية، لكن هل سيستمر التراجع أم سنعود إلى سياسة الدولار القوي التي يقف ضدها ترمب تماماً من البداية، ويحمّل اقتصادات دول أخرى مسؤولية خفض عملاتها أمام الدولار، وبالتالي قد نعود إلى دق طبول حرب العملات من جديد.

خطوات سريعة

بدوره، أكد نائب رئيس الاستثمار لدى “إن أي كابيتال”، محمد الشربيني، أن الأزمة الحالية فرضت على معظم البلدان أن تقوم البنوك المركزية بخطوات شديدة وسريعة فيما يخص أسعار الفائدة على عملاتها، وكذلك سياسة التيسير الكمي التي تنفذها تلك البنوك في البلدان المختلفة، وذلك حتى تتمكن اقتصاداتها من تجاوز الأزمة كما أن الوضع داخل الاتحاد الأوروبي لم يكن في أفضل أحواله حتى قبل جائحة كورونا.

وتابع الشربيني، “في البداية قبل الحديث عن حرب عملات نتيجة لسياسات ترمب يجب النظر إلى الاقتصاد العالمي بوجه عام ومدى التباطؤ الشديد المعرض له نتيجة للأحداث الجارية، وكذلك معدلات البطالة المتزايدة والانخفاض الحاد في حركة التجارة حتى قبل الآثار الناتجة عن فيروس كورونا، إضافة إلى أن هناك حرباً تجارية بين قطبي الاقتصاد العالمي ما زالت مستمرة”.

وأشار إلى أن السياسات الأميركية يجب ألا يتم وضعها من فرد حتى وإن كان الرئيس، وخصوصاً فيما يخص سياسة البنك المركزي الفيدرالي، حيث يتم اتخاذ القرار بواسطة مجلس بنك الاحتياط الفيدرالي بناء على أسس اقتصادية، وكذلك لتحقيق سياسة نقدية محددة تلائم الوضع الخاص في هذه الفترة. وكذلك معظم البنوك المركزية خاصة في الاقتصادات الكبرى.

وأوضح الشربيني، أن المقصود هنا أن ما يتم اتخاذه من قرارات بشأنه هو لمعالجة آثار الاقتصادية القاسية وليس للدخول في حرب عملات. وباستثناء روسيا والصين كاقتصادات كبرى ترحب جميع دول العالم باستخدام الدولار في تعاملاتها وارتفاع أو انخفاض الدولار قد يسبب العديد من المشكلات لدول العالم حسب طبيعة كل دولة؛ مثلا إذا كانت مصدرة أو مستوردة للبترول، وكذلك وضع عجز الميزان التجاري لها، لافتاً إلى أنه بالنهاية فإن كل رئيس يعمل ليحقق مصالح دولته ولكننا في توقيت نحتاج فيه التكاتف معاً من أجل البشرية.

مبادئ التجارة الحرة

أما الكاتب والمحلل المالي خالد إسماعيل، رئيس مجموعة “كي إتش للاستشارات”، يرى أن النزاع التجاري الأميركي الصيني أفقد دور الولايات المتحدة لمبادئ التجارة الحرة والمبادئ الديمقراطية في الاقتصاد العالمي، وهذا ما ظهر من سياسات الرئيس ترمب وتصريحاته المثيرة للجدل ضد الصين وقيامه بشن حرب تجارية سواء بفرض أو رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، أيضاً بتعامله مع البنك المركزي الأوروبي واتهامه له بالتسبب في خفض قيمة اليورو، الأمر الذي أدى إلى نشوب بوادر حرب العملات بين أكبر الاقتصادات العالمية.

وقال إسماعيل، إن السياسات الأميركية في سبيل تحقيق أهدافها الاقتصادية مع تصاعد حدتها قد تقود في النهاية إلى حرب عملات قد تلحق الضرر بالعديد من الدول في إطار صراع الكبار للحفاظ على القوة الاقتصادية.

وأفاد بأن حرب العملات بما تمثله من اعتماد دولة على قوتها الاقتصادية للتأثير في قوة اقتصادية لدولة أخرى من خلال خفض قيمة العملة الوطنية لدعم صادراتها.

إندبندنت

Exit mobile version