الطاهر ساتي : تمويلُ المَأْوَى..!!

:: إن كان تعريف الأزمة بأنها مخاطر متوقعة تهدّد المجتمع، كما كوارث فيضانات وسيول هذا العام،  فإن تعريف إدارة الأزمة هو المحافظة على المجتمع بحمايته من تلك المخاطر أو تخفيف آثارها في حال عدم التمكن من الحماية الكاملة.. وللأسف هذا ما ينقص أحزابنا ونخبنا السياسية منذ الاستقلال، ولذلك كثيراً ما نغرق في (شبر موية)، كما يحدث حالياً.. فالحكومة عاجزة عن فعل أي شئ، فقط تستقبل طائرات الاغاثة.. دائماً هناك حلول، والمسؤول الحصيف يختلف عن عامة الناس بالبحث عن الحلول بحكمة وذكاء، وليس بالتهريج أو أحلام اليقظة.. !!

 

:: أكثر من نصف مليون أسرة بلا مأوى، أفرادها يتوسّدون الثرى ويلتحفون السماء، والقليل منهم لجأ إلى خيم منظمات الإغاثة أو بيوت أهلهم.. والأزمة الكبرى لهذه الأسر المنكوبة ليست هي الأكل والشراب، فالمواطن في مجتمع بلادي لا يجوع، بل أزمة المأوى.. فالظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وهم يمرون بأسوأ منها، تحول بينهم وتشييد منازلهم في الوقت القريب.. وناهيكم عن مواد البناء الثابت والمسلح، بل حتى البناء بالمواد المحلية لم يعد في استطاعة الجميع.. فما الحل؟؟

 

:: فالحل بيد الحكومة، في حال أن تكون مسؤولة (فعلاً)، وجادة في احتواء مآسي هؤلاء المنكوبين.. يجب الشروع فوراً في  إبعادهم عن المخاطر، وذلك بتخطيط قُراهم في مواقع جديدة، بحيث تكون بعيدة عن مجاري السيول والشواطئ المهدّدة بالفيضان، ثم مد المواقع الجديدة بخدمتي المياه والكهرباء سريعاً، ثم الخدمات الأخرى لاحقاً.. ومع تفعيل دور منظمات المجتمع المدني وحثها على مواصلة الدعم، يجب إلزام البنوك بتمويلهم – بشروط مُيسّرة – حتى يتمكنوا من تشييد منازلهم..!!

 

:: والمؤسف أن حظر البنوك عن التمويل العقاري لا يزال سارياً مع استثناء تمويل الإسكان الفئوي بواسطة الصندوق القومي للإسكان، وهذا من محظورات النظام المخلوع.. والفئات المستهدفة بالإسكان الفئوي- وتمويله المصرفي – هي المغتربين وأساتذة الجامعات، بشرط أن يتولى صندوق الإسكان أمر تشييد منازلهم، وهذا خطأ.. فالأنظمة الراشدة لا تبني البيوت لمواطنها، بل ترفع يدها عن سوق البناء لتتحرك الشركات والمصارف وتنشط وتبني وتُملِّك المواطن المنزل المناسب بالتمويل المناسب، أي حسب استطاعه ودخله الشهري..!!

 

:: ولكن هنا، حيث دولة السياسات المتخلفة، تتاجر الحكومة والتجار والسماسرة في الأراضي حتى أصبح سعر المتر المربع في الشقيلاب مساوياً لسعر المتر المربع في شيكاغو.. وبعد ذلك، تنتقل الحكومة إلى (مواد البناء) وتُثقلها بالرسوم والجمارك والضرائب والأتاوات، حتى يعجز المواطن عن التشييد، ثم تحظر البنوك عن التمويل.. وفي عهد النظام المخلوع، عندما حظر بنك السودان التمويل العقاري، استبشر البعض  رغم تأثُّر قطاع المقاولات بالحظر، وذلك على أمل أن توجه المصارف أموالها لتمويل الزراعة والصناعة.. !!

 

:: ولكن، بعد سنوات من الحظر، هل درس بنك السودان آثار القرار؟ وما فيها من فوائد وخسائر؟، وهل ارتفعت نسبة التمويل الزراعي والصناعي؟، وما هي مخاطر قرار الحظر على قطاع المقاولات والشباب؟، وكيف يجب مكافحة المخاطر؟..  للأسف، منذ عهد النظام المخلوع، وحتى يومنا هذا، لم تبادر أية جهة اقتصادية بدراسة آثار قرار حظر التمويل العقاري.. لم تتم دراسة آثار قرار الحظر، لا قبل التنفيذ ولا بعده.. وليس في عدم الدراسة عجب، إذ..

نَحْنُ قوْمٌ لَا دِرَاسَةَ بَيْنَنا.. لَنَا الْمنْعُ دُونَ العَالَمينَ أوْ الْحَظْرُ ..!!

 

الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.