التطبيع مع إسرائيل من الرفض إلى الواقع.. ما هي خيارات قوى التغيير؟

منذ فبراير 2020 بدأت الأوضاع داخل السلطة الانتقالية المُضي نحو جعل التطبيع مع إسرائيل واقعًا على خلفية لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كمبالا برعاية الرئيس يوري موسفيني.

وتسابقت الأحزاب اليسارية وحزب الأمة داخل قوى التغيير آنذاك برفض التقارب بين الخرطوم وتل أبيب لكن يبدو أن تجاهل المكون المدني داخل مجلس السيادة لعكس موقف الأطراف الرافضة للتطبيع داخل قوى التغيير وقف حائلًا أمام بلورة الرفض رسميًا لجهة أن ممثلي المكون المدني في مجلس السيادة لم يظهروا رفضًا للتطبيع.

وفي الشهر الماضي خرج المتحدث بإسم المجلس محمد الفكي وأصدر بيانًا على خلفية الإرهاصات المتعلقة بالتطبيع بالتزامن مع زيارة بومبيو في نهاية أغسطس الماضي ألمح إلى أن الوثيقة الدستورية تنص في البحث عن المصالح العليا للدولة مع العالم الخارجي.

وعلى مايبدو أن قطاعا عريضًا في السلطة الانتقالية تعتقد أن “استماتة ” قوى التغيير ضد التطبيع تحلق حول الأيدلوجيات لن تحل مشاكل البلاد المستعصية بحسب ما أكد المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السفير حيدر بدوي لـ”التغيير الالكترونية” بوصف رافضي التطبيع بـ”اليسار المتزمت”.

مؤيدو التطبيع

ويستند مؤيدو التطبيع على إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب والحصول على مساعدات اقتصادية في ظل أزمة خانقة تكاد تعصف بالحكومة الانتقالية التي لم تتلقى مساعدات خارجية ملموسة منذ وصولها إلى السلطة سوى أموال شحيحة لاتتجاوز 1.8مليار دولار من مؤتمر برلين في يونيو الماضي.

منذ إعلان سفر البرهان إلى الإمارات برفقة وزير العدل تصر الدين عبد البارئ انتقل التطبيع من المساعي إلى مرحلة الواقعية التي قد تطرأ في أي وقت بينما لاتزال أحزاب رئيسية داخل الحاضنة السياسية ترفض التطبيع وتضع الحكومة الانتقالية بين خياري المضي نحو التطبيع أملًا في انقاذ الاقتصاد والإزالة من الإرهاب أو رفض التطبيع وارضاء الرافضين.

وتتعلق مهمة وزير العدل الذي غادر أمس الأحد إلى الإمارات بلقاء مباشر لمسؤولين من الإدارة الأميركية ومجلس الأمن الأمريكي للتفاوض حول رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وبالتالي من المرجح جدًا طرح التطبيع مقابلًا لإزالة السودان من قائمة الإرهاب وهو شرط ترى الحكومة الانتقالية انه لامفر منه مهما كانت مبررات المكونات السياسية الرافضة للتطبيع داخل قوى التغيير وفي نفس الوقت لا يمكن وصف مهمة وزير العدل إنها معزولة عن موافقة حمدوك .

وكان وزير الخارجية مايك بومبيو طرح التطبيع مقابل الإزالة من الإرهاب أمام الحكومة الانتقالية لكن حمدوك الذي كان قادمًا لتوه من اجتماع قوى التغيير رفض شروط بومبيو وأرجأ الأمر إلى الاستجابة الاميركية والمجتمع الدولي للشروط السودانية المتعلقة بالإزالة من الإرهاب وتقديم مساعدات مالية تنقذ البلاد.

ماهو موقف قوى التغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية بعد أن تحول التطبيع من مساع للسلطة الانتقالية إلى الاقتراب من مرحلة الواقعية الدبلوماسية والسياسية؟

ويتوقع محللون سياسيون أن يحدث التطبيع انقاسمًا داخل قوى التغيير برفض القوى الرافضة الاعتراف بالتطبيع وترك الحكومة الانتقالية معزولة عن الحاضنة السياسية ما لم تطرأ مستجدات في الثاني من أكتوبر بعد توقيع السلام النهائي بإعادة تشكيل الحكومة ودخول لاعبين جدد الى الساحة وهي الجبهة الثورية التي وقعت اتفاقًا بموجبه ستحصل على مقاعد في مجلس السيادة وخمسة وزارات حكومية.

الأبواب موصدة عدا التطبيع

ويقول المحلل السياسي عمر عبد المجيد : “الأزمة الاقتصادية الخانقة وشح الأموال وصعوبة سداد الأجور وسداد مستحقات مطاحن الغلال جميعها انفجرت في وجه الحكومة الانتقالية والتي لاترى مخرجًا سوى ملياري دولار ربما تحصل عليهما من المساعدات الدولية حال إتمام صفقة التطبيع بالإمارات وفي نفس الوقت عندما تلجأ الى الحاضنة السياسية لن تجد سوى الخطاب القديم الذي لا يوفر خبزًا”.

ويضيف : “هناك سيناريوهات متوقعة عقب التطبيع بين السودان وإسرائيل إما بإنقسام عميق داخل قوى التغيير أو الإنحناء للعاصفة التي لن تهدأ لأن الضمانات التي توفرها السلطة الانتقالية لديمومة التطبيع لن تنتهي قريبًا هذا إذا لم تتطور إلى عملية تغيير سياسي كبير قد تطيح بالحكومة الانتقالية نفسها بمساعدة المجتمع الدولي لطالما يرى في الأحزاب معرقلةً للخطط خاصة القوى اليسارية”.

وسألت “التغيير الإلكترونية” عضوًا بالمجلس المركزي حول موقف قوى التغيير من التطبيع أجاب مشترطًا إخفاء هويته : “ماقبل التطبيع لن يكون كما بعده داخل قوى التغيير”.

وأضاف : “الحاضنة السياسية لن تظل كما هي لسبين لأن اتفاق السلام غير التركيبة الحكومية إضافة لرفض أحزاب قوى التغيير الموازنة والتطبيع جعلتها غير مرغوبة لدى الحكومة الانتقالية لأنها تعتقد أن هذه القوى تعرقل جميع خططها دون أن تقدم حلول عملية وواقعية”.

وأجرت “التغيير الالكترونية” اتصالًا بأعضاء من المجلس المركزي رفضوا التعليق على التطبيع وتطورات العلاقة بين السودان وإسرائيل برعاية الامارات.

فيما يضيف المحلل السياسي عمر عبد المجيد : “الطريق الذي يؤدي الى حصول الحكومة الانتقالية على مساعدات يمر عن طريق التطبيع لأن إزالة السودان من الإرهاب مرتبط بهذا الملف وهو موقف أمريكي رغم أنه فج وسافر إلا أنه واقع في السياسة الخارجية التي لاتعرف العواطف بقدر معرفتها بالمصالح المشتركة”.

منذ قمة عنتيبي أصبح رسميًا

ويقول القيادي في قوى التغيير محمد فاروق أن السودان التقى رسميًا في عنتبي في مطلع هذا العام مع اسرائيل وعلى مستوى أعلى شخصيتين رسميتين في الدولتين ومن الأفضل ادارة هذه العلاقة بشكل شفاف ومن خلال مؤسسات وأجهزة الدولة ووفق المرجعية التي اشرت اليها بدلا عن هذه الطريقة التي لن تكون غير مزيد من الريبة في علاقة ظلت تاريخيا مضطربة.

وأوضح فاروق لـ”التغيير الإلكترونية” على المستوى الشعبي بالتأكيد هناك انقسام كبير فهناك من يؤيد عملية التطبيع هذه دون أي مرجعيات وهناك من يعتقد انها قد تكون فتح لدعم الاقتصاد السوداني وبكل سذاجة.

ويتابع : “هذا الانقسام برأيي هو تعبير عن حالة اللا موضوعية في هذا الصراع لدرجة تجعل دولة تركيا تقيم علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع اسرائيل تستنكر هذا على غيرها وتجعل الفلسطينيين أنفسهم والذين اصبحوا جزء من حل سياسي يعترف بوجود دولة اسرائيل منذ اتفاق أوسلو ويستنكر بعضهم اعتراف دول أخرى بهذا”.

وأردف : “لتجاوز حالة اللاموضوعية لا يجب أن ننظر الى الموقف مع اسرائيل من خلال موقف ضد حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولتهم المستقلة”.

التغيير نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.