في مقال نشره موقع “إنترستنغ إنجينيرينغ” (interesting engineering) الأميركي، قال الكاتب كريستوفر ماكفادين إن التنقيب عن الذهب ممارسة قديمة وواسعة الانتشار في جميع أنحاء العالم، وقد أصبحت في العصر الحالي نشاطا تجاريا عالميا يمارَس في كل القارات، باستثناء القارة القطبية الجنوبية ولأسباب مختلفة.
كما باتت عملية استخراج الذهب تكتسي طابعا أكثر تنوعا على المستوى الجغرافي، مقارنة بما كانت عليه حتى قبل بضعة عقود.
في الماضي، كان معظم العرض العالمي من الذهب قادما من جنوب أفريقيا. وفي عام 2016، كانت الصين أكبر منتج عالمي للذهب بحوالي 14% من إجمالي العرض العالمي. مع ذلك، لا أحد يهيمن على العرض، ولا تستأثر آسيا سوى بـ23% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي اليوم.
تنتج أميركا الوسطى والجنوبية حوالي 17%، مقابل 16% لأميركا الشمالية، و19% لأفريقيا، و14% من رابطة الدول المستقلة.
ومعظم رواسب الذهب المعروفة والمناجم مملوكة للقطاع الخاص، لذلك فإن من غير القانوني محاولة استخراج الذهب بنفسك دون أخذ إذن مسبق من المالك.
لكن في بعض الدول مثل الولايات المتحدة، يسمح بالتنقيب عن الذهب مقابل دفع بعض الرسوم في بعض المواقع، مثل منجم ريد للذهب في كارولينا الشمالية، وجيمس تاون في كاليفورنيا، ودالونيغا في ولاية جورجيا.
كم تستغرق عملية استخراج الذهب؟
أشار الكاتب إلى أن عملية التنقيب عن الذهب لا تتعلق باستخراج خام الذهب من باطن الأرض فحسب، بل تتطلب قدرا كبيرا من التخطيط والدراسة قبل بدأ عمليات التنقيب.
فعلى سبيل المثال، ينبغي البدء بعملية الاستكشاف والتطوير لتحديد حجم رواسب الذهب الموجودة وكيف يمكن استخراجها بأمان. وعادة ما تستغرق هذه المرحلة ما بين 10 أعوام و20 عاما، وبمجرد التأكد من حجم رواسب الذهب يمكن أن تبدأ مرحلة التنقيب عنه.
يتأثر عمر منجم الذهب بشكل مباشر بعوامل خارجية وداخلية، مثل سعر الذهب والتكاليف التشغيلية لعملية التنقيب، وتؤثر هذه العوامل بدورها على أي خطط للتنقيب عن بعض الرواسب.
ففي حال كانت أسعار الذهب مرتفعة نسبيا، فقد يصبح استخراج الخام المنخفض الجودة أمرا مربحا من الناحية الاقتصادية، لأن زيادة تكلفة استخراج هذا الخام وتكريره ستكون مربحة. أما عندما تنخفض أسعار الذهب بشكل كبير، فمن المرجح أن تُعطى الأولوية لاستخراج الخامات ذات الجودة العالية.
واعتمادا على عوامل مثل سعر الذهب وحجم الرواسب، تستغرق عمليات التنقيب عن الذهب عادة ما بين 10 إلى 30 عاما، وبعد توقف عمليات التنقيب، عادة ما يتم وقف تشغيل المنجم، وهذا يستغرق في أي مكان بين عام و5 أعوام.
بعد ذلك، تقوم شركات التنقيب بإعادة تأهيل الأرض التي كان يقع فيها المنجم في السابق. وعادة ما يُطلب من الشركات إدارة الأرض لفترة تتراوح بين 5 و10 أعوام بعد إغلاق المنجم. وتبعا لذلك، يتراوح العمر الافتراضي لمنجم الذهب بين 25 و65 عاما.
معظم مناجم الذهب لا يتم الاستغناء عنها تماما، وفي كثير من الأحيان يعاد فتح بعضها عندما يرتفع سعر الذهب. وهذا ما حدث في منجم الذهب الذي يعرف باسم ساكدريسي كاتشاغياني، الذي أضحى يصنف من بين المواقع الأثرية المحمية.
ويعد موقع ساكدريسي أحد أقدم مناجم الذهب المعروفة في العالم، وبحسب تقديرات بعض العلماء، فقد انطلقت عمليات التنقيب في هذا الموقع في الألفية الثالثة أو الرابعة قبل الميلاد.
أكبر مناجم الذهب في العالم
من أبرز وأكبر مناجم الذهب التي لا تزال قيد العمل: منجم مورونتاو للذهب في أوزبكستان، ومنجم ساوث ديب للذهب في جنوب أفريقيا، ومنجم غراسبرغ في إندونيسيا، ومنجم أوليمبيادا في روسيا، ومنجم ليهير في بابوا غينيا الجديدة، ومنجم نورتي أبيرتو في تشيلي، ومنجم كارلين تريند وكورتيز في الولايات المتحدة الأميركية، وبودينغتون في غرب أستراليا، ومنجم مابوننغ في جنوب أفريقيا، وبويبلو فيغو في جمهورية الدومينيكان.
ما الآثار البيئية للتنقيب عن الذهب؟
على غرار معظم عمليات التنقيب في جميع أنحاء العالم، قد يكون للتنقيب عن الذهب جملة من الآثار الخطيرة على النظام البيئي المحلي وصحة عمال المناجم، وكثيرا ما يؤدي إلى تلويث إمدادات المياه وتشويه المناظر الطبيعية، ويمكن أن تسهم في تدمير النظم الإيكولوجية (البيئية) المحلية الحيوية.
ويمكن لعمليات التنقيب أن تتسبب في إطلاق مواد سامة في البيئة، مثل السيانيد والزئبق اللذين يلوثان الأرض والماء على حد سواء لعقود أو أكثر إن لم يعالجا بشكل مناسب.
ويمكن أن تولد ممارسات مثل التعدين السطحي والاستخلاص التكتلي التقليدي باستخدام السيانيد إلى خلق 20 طنا من النفايات السامة لكل 0.333 أوقية (9.44 غرامات) من الذهب المستخرج.
ويكون هذا النوع من النفايات -والذي غالبا ما يظهر على شكل حمأة سائلة رمادية- مليئا بالسيانيد والمعادن الثقيلة الأخرى. وللأسف، تقوم العديد من المناجم ببساطة بإلقاء هذه النفايات مباشرة في الأنهار والبحيرات والمحيطات.
فعلى سبيل المثال يلقي منجم ليهير للذهب في بابوا غينيا الجديدة أكثر من 5 ملايين طن من النفايات السامة مباشرة في المحيط الهادئ كل عام، مما يدمر الشعاب المرجانية المحلية والحياة البحرية. وحسب بعض التقديرات، يلقى نحو 180 مليون طن من هذه النفايات في الأنهار والبحيرات والمحيطات كل عام في كامل أرجاء العالم.
وتبني معظم المناجم سدودا لتخزين النفايات السامة بشكل مؤقت، ولكن لا تكون هذه السدود فعالة بشكل كامل، وغالبا ما تتسرب النفايات إلى التربة والمياه الجوفية المحيطة. وتم رصد مثل هذه الكوارث في بلدان مثل رومانيا والصين وغانا وروسيا وبيرو وجنوب أفريقيا وكندا.
وأشار الكاتب إلى أن 6.6 مليارات غالون (أي ما يعادل 25 مليون متر مكعب) من النفايات الغنية بالسيانيد تلقى فى الأنهار والبحيرات القريبة، وقد دمر هذا التسرب النظام البيئي مما أسفر عن قتل الأسماك وإلحاق الضرر بالسياحة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشكل عملية تصريف حمض المناجم مشكلة خطيرة جدا.
ويمكن أن تؤدي ممارسات التنقيب السيئة إلى ظهور أسطح صخرية مكشوفة تتفاعل مع الهواء، مما يتسبب بدوره في تكوين حمض الكبريتيك الذي من المحتمل أن يختلط مع مياه التصريف ويقتل أي كائن حي يتلامس معه. ويمكن لهذه المياه الحمضية أن تتسرب من معادن ثقيلة سامة أخرى مثل الكادميوم والزرنيخ والرصاص والحديد، مما يزيد من تفاقم الضرر الذي يلحق بالنظم الإيكولوجية المحلية.
وذكر الكاتب أن التلوث الناتج عن الزئبق من الآثار البيئية الناجمة عن عمليات التنقيب عن الذهب، وغالبا ما يستخدم هذا المعدن السائل في مناجم الذهب لاستخراج الذهب من الصخور والرواسب. ويصنف الزئبق ضمن المواد الشديد السمية التي يمكن أن تلحق ضررا كبيرا بصحة عمال المناجم والنباتات المحلية والحياة البرية.
ووفق بعض التقديرات، فإن كل غرام من الذهب المستخرج يُطلق غرامين من الزئبق في البيئة.
الجزيرة