أثار الإعلان المفاجئ عن إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفيروس كورونا، مخاوف المستثمرين وعزّز توجههم إلى أسواق الملاذات الآمنة وفي مقدمها الذهب.
وفي هذا الصدد، توقع متخصّصون، أن تتفاعل أسعار الذهب بقوة مع تطور الحالة الصحية للرئيس ترمب، نظراً لكون المعدن الأصفر ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات، لا سيما مع تسليط الضوء على مخاطر الموجة الثانية للوباء وانعكاس ذلك على أكبر اقتصاد عالمي.
وذكر المتخصّصون أن الزخم الشرائي لم يكن كبيراً على المعدن النفيس في ترقب لتطورات الحالة الصحية لترمب، التي ستتحدد معها التوجهات الشرائية، مما يساعد على اختبار مستويات مقاومة جديدة وتجاوزها.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن الرئيس الأميركي أن الفحوص أظهرت إصابته بكوفيد-19، ما دفع المستثمرين نحو اللجوء إلى أصول أكثر أماناً وأثار موجة بيع في سوق الأسهم.
وكانت أسعار الذهب قد سجلت ارتفاعاً على أساس أسبوعي بنسبة 2.2 في المئة أو 41.3 دولار خلال الأسبوع المنتهي في جلسة الجمعة الماضية، وخلال التعاملات الأخيرة، سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً بـ0.91 في المئة تعادل 17.3 دولار إلى 1915.62 دولار بالأوقية. يأتي ذلك في الوقت الذي ينتظر المستثمرون مستجدات بشأن صفقة التحفيز الأميركي، التي لا تزال قيد خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
من 1550 إلى 1950 دولاراً
قال محلل السلع العالمية ريمون نبيل، إن إصابة ترمب بفيروس كورونا أثارت بعض التخبط بالقرارات الاستثمارية حول العالم ما أدى إلى اتجاه الأنظار إلى الذهب كملآذ آمن تخوفاً من وجود موجه ثانية من كورونا بالاقتراب من فصل الشتاء من دون الوصول إلى لقاح بشكل نهائي ما ساعد المعدن الثمين في الاستقرار في أعلى مستوى 1880 دولاراً للأوقية (الأونصة) مرة أخرى.
ومنذ بداية أزمة كورونا سجل الذهب ارتفاعاً بـ 30 في المئة، حيث كان يتحرك في بداية الأزمة بالقرب من 1550 دولاراً كمتوسط سعر وانطلق صعوداً حتى الآن وإن كان السبب مباشرة هو اتجاه القوى الشرائية بشكل متسارع.
ويرى نبيل أن الذهب مازال يتحرك صعوداً على المدى الطويل والمتوسط في ظل المحافظة على الدعم المهم بالقرب من 1800 دولار للأوقية مع تحركه في اتجاه عرضي مائل للهبوط في الفترة الأخيرة أسفل مستوى المقاومة بالقرب من 1950 دولاراً إلى مستوى 1800 دولار.
وأشار محلل السلع، إلى أنه قد يستمر ذلك فترة مؤقتة حتى تعود القوة الشرائية إلى استعادة زمام الأمور في الاتجاه العام وقد يحقق الذهب في الربع الرابع من 2020 والربع الأول من 2021 قمة جديدة بشرط الحفاظ على أعلى 1800 دولار كمستوى إيقاف خسائر للمستثمر المتوسط المدى.
هذا هو المحرك الرئيس للأسعار
ويرى وائل حماد، المدير الإقليمي لدى شركة “آي سي ام كابيتال”، أن التركيز الأكبر للأسواق منذ يوم الجمعة كان على هذا الطارئ الخاص بإصابة الرئيس الأميركي مع تغاضي المستثمرين عن التركيز المعتاد على تقرير الوظائف الشهري في الولايات المتحدة.
وتوقع أن تبقى الأخبار المتوالية عن صحة الرئيس الأميركي هي المحرك الرئيس لأسعار الذهب على المديين القصير والمتوسط في حين من المرجح أن يظل النفور من المخاطرة مرتفعاً اعتماداً على كيفية تطور هذا الوضع خلال عطلة نهاية الأسبوع، لا سيما إذا تم تشخيص إصابة المزيد من أعضاء القيادة العليا للحكومة الأميركية، فقد يكون المعدن النفيس في طريقه للارتفاع على المدى الطويل.
ولفت إلى أن أداء الذهب كان ضعيفاً في الشهرين الماضيين ولكن مع الارتفاع المطرد لحالات المصابين بكورونا حول العالم وغياب اللقاح المنتظر ومخاوف تصاعد النزاع الصيني الأميركي واقتراب الاستحقاق الأهم في تاريخ السياسة الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) أتى أكتوبر (تشرين الأول) حاملاً معه مزيداً من عدم اليقين للأسواق، الأمر الذي شجع الذهب مرة أخرى على زيارة مستويات 1900 دولار للأونصة.
وأوضح أن الأسوق كانت تحاول أن توازن بين مجموعة البيانات الاقتصادية المختلطة ومزيج العوامل السابقة بحذر شديد وكان مبرراً قوياً للتمسك بالملاذات الآمنة كوسيلة للتحوط من المخاطر حيث عكست أسعار الذهب مسارها في جلسة الجمعة الماضية نحو الارتفاع وواصلت الصعود في جلسة أمس الاثنين.
توقعات إيجابية لمستقبل الذهب
قال أولي هانسن، رئيس إستراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، إنه “ما زالت التوقعات إيجابية بالنسبة لمستقبل الذهب. وفيما لا نرى أي تطورات مهمة قد تؤثر في العائدات الحقيقية والتضخم على المدى القريب، إلا أن حالة الشكوك قبل انتخابات الرئاسة الأميركية ستكون كافية لإثناء أي شخص عن جني الأرباح قبل أن تتحقق توقعاتنا بارتفاع الأسعار في عام 2021 مع ضعف الدولار وانخفاض العائدات الحقيقية”.
وأضاف، “الذهب عاد نحو منطقة الأمان النسبية، وتجاوزت قيمة أونصته 1900 دولار أميركي، بعد التصحيح الأخير الذي كان ضعيفاً نسبياً، من منظور فني، ضمن الاتجاه الصاعد القائم. وبالنسبة للمستثمرين الذين يستخدمون صناديق متداولة في البورصة المدعومة بالسبائك، فقد حافظوا على مرونتهم منذ بلغ الذهب ذروته في أغسطس (آب)، وعلى الرغم من التصحيح الشامل الذي شهده بقيمة 226 دولاراً، فإن إجمالي الحيازات لم يتعرض لأي انتكاسات. ووصلت الموجودات الإجمالية الحالية إلى 110.9 مليون أونصة، ليلامس الرقم القياسي الأخير”.
كيف تؤثر المخاطرة في الملاذات الآمنة؟
يرى الحسن علي بكر، المدير التنفيذي لشركة “بيج إنفست” للاستشارات، أن مشاعر المخاطرة ستلعب دوراً كبيراً في تحديد اتجاه الملاذات الآمنة وعملات الأمان إذ إن أي تطورات سلبية في صحة الرئيس الأميركي ستنعكس بشكل سلبي على المخاطرة.
وأضاف، “قد نشهد موجة قوية من النفور من المخاطرة وأن أي تطور سلبي في صحة ترمب تعني تغيرات قوية على المدى الطويل حيث سيكون على الاقتصاد الأميركي التعامل مع ضرورة تأجيل الانتخابات حتى ترشيح بديل عن ترمب لمواجهة بايدن في الانتخابات المقبلة”.
وقال بكر، إن توقيت الإصابة حرج للغاية في ظل اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، وهو ما يجعل الترقب لتطور حالة ترمب أمراً يحمل أهمية كبيرة لمستقبل السياسة الأميركية، كما أنه في حال تطورت حالته قد تؤدي إلى فترة من حالة عدم اليقين حول مستقبل السياسة الأميركية، وبالتالي ستشكل ضغوطاً كبيرة على الأسواق خلال الأسابيع المقبلة.
تابع، “سنشهد تفاعلاً قوياً في الأسواق مع أي تصريحات حول حالته الصحية التي انعكست بالسلب فعلياً على أداء الأسهم الأميركية التي هبطت بقوة في تعاملات أمس الاثنين، وقد تشعل موجة قوية من التحول نحو الملاذات الآمنة المتمثلة في الذهب”.
إندبندنت