عام ونصف عام، والسودانيون يعانون من أزمة خبز طاحنة، تفاقمت في الشهور الماضية. وقد أصبح الخبز نادراً ومصدر قلق لكثيرين.
مئات المواطنين يومياً يجلسون على الطرق ويصطفون أمام المخابز ساعات طويلة، منذ الفجر وحتى حلول الظهيرة، وربما بعد كل هذا الانتظار لا يحصلون حتى على قطعة واحدة لانتهاء الكمية.
أسباب الأزمة
هناك نقص في مادة الدقيق الذي انخفض توزيعه في ولاية الخرطوم، وهناك شح في الوقود الذي تعتمد عليه عملية توزيع الدقيق، ما فاقم الأزمة. ويصل الاستهلاك اليومي للدقيق إلى أكثر من 50 ألف شوال، في الوقت الذي يتم توزيع 47 ألف شوال، بفارق أكثر من 5 آلاف.
ويتوقّع المفوض باستلام وتوزيع الدقيق أسعد حسن، “تفاقم الأزمة، إذ لا إشارات وأدلة على أن الأزمة ستفرج قريباً”، كاشفاً لـ”اندبندنت عربية” أن “النقص الحاد في توزيع حصص الدقيق اليومية خلق أزمة حادة. وهناك ثلاث مطاحن للدقيق من أصل خمس توقفت عن العمل، وحتى التي تعمل هي بإيقاع أقل من أن يلبي احتياجات البلاد، مع تملص وزارة المالية من دفع القيمة المالية المقررة لشراء القمح”.
إقالة الوزير
وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني يتلقى انتقادات واسعة، ويُطالب بالخروج لشرح أسباب الأزمة وتحديد زمن انتهائها، ومع الضغوط المستمرة خرج الوزير قبل نحو أسبوعين وقال إن حل الأزمة يحتاج إلى يومين فقط، ولكن الأزمة تفاقمت، ما أدى إلى ارتفاع صوت المحتجين وطالبوا بإقالته. وكانت أغلبية المداخلات في المؤتمر الاقتصادي تتمحور حول أداء مدني، وطُرحت أسئلة على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك عن الأسباب التي تجعله متمسكاً بوزير الصناعة والتجارة على الرغم من فشله في حل الأزمة.
يقول الناشط السياسي محمد الفاضل لـ”اندبندنت عربية”، إن “وزير الصناعة والتجارة فشل في إدارة الأزمات منذ توليه المنصب، فبدلاً من انتهائها تفاقمت. وتمت إقالة وزير الصحة أكرم التوم بعد اتهامه بالفشل في إدارة أزمة كورونا، على الرغم من أنه كان أكثر الأشخاص اجتهاداً في إدارة الملفات التي تخص وزارته، والآن مدني أثبت عدم قدرته على حل أي مشكلة متعلقة بوزارته، فالمواطنون بالطوابير أمام المخابز ومحطات الوقود، وأسعار السلع غير ثابتة وفي زيادة يومية، وهذا دليل على أن لا رقابة في الأسواق”.
وفي السياق ذاته، يقول الفاضل “على الحكومات أن تخاف عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش، لأن الشعب قام بإسقاط حكومة عمر البشير عندما شعر بأن وجودها يعني الجوع والمرض، وحالياً يعاني المواطن من الجوع والمرض بعد عام ونصف عام من سقوط البشير الذي سُميت حكومته في هتافات الثورة بحكومة الجوع”.
تهديد الأمن
وتسببت أزمة الخبز بأجواء مشحونة بالغضب، إذ توقف في الخرطوم نحو ألفي مخبز من أصل 4500، ما جعل الناس يحصلون على الخبز من المخابز المتبقية فقط حيث تحتشد أعداد كبيرة من المواطنين ما أدى إلى نشوب عراكات وتجاوزات أمنية متكررة وفي أسبوع واحد هناك سبع حالات قتل أمامها في الخرطوم.
ويعزو عضو أصحاب المخابز صابر السر “الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمة” إلى “تسليم ملفها لوزارة الصناعة، مع تجاهل رئيس الوزراء لها والتي يجب أن يهتم بها ويتابعها مع وزير التجارة والصناعة، ما دفع أصحاب المخابز إلى تحرير سعر الخبز، لأن الدقيق المدعوم غير كافٍ”.
الحل الأنسب
الدقيق المدعوم غير موجود، وهذا الأمر بحسب المتخصصين أدى إلى تفاقم الأزمة، والحلول المطروحة هي توفير الخبز ولكن بسعر أعلى. وقد وصل سعر الرغيف إلى 7 جنيهات زنة 90 غراماً، في الوقت الذي يراوح سعر المدعوم من جنيه إلى جنيهين.
ويروي خيري محمد، صاحب مخبز في أم درمان، لـ”اندبندنت عربية”، أن “مخبزنا يعمل 3 ساعات في اليوم فقط، في هذه الفترة يتجمع قرابة 700 شخص ولا يمكننا أن نوفر ما يكفي إلا 300 شخص فقط، ومع ذلك ينتظر الناس من الواحدة ليلاً حتى العاشرة صباحاً. ونتلقى توبيخاً وتهديداً مستمرين منهم وهم لا يعلمون أن الأمر خارج قدرتنا، وإذا كانوا يريدون خبزاً غير مدعوم بسعر عالِ يمكننا توفيره لهم، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة تحول دون شراء كيس من الخبز بأكثر من 200 جنيه لوجبة واحدة”.
سميرة طيفور، في العقد الثالث من عمرها، تقف في طابور الخبز من الخامسة صباحاً تقول لـ”اندبندنت عربية”، إن “بعض الأشخاص يستنكرون وقوفنا ساعات طويلة للحصول على الرغيف ويطلبون منا صنعه في المنزل، وهم لا يعلمون أن سعر كيس الدقيق يساوى 200 جنيه ويصنع 10 أرغفة فقط، لا تكفي حتى وجبة واحدة، في الوقت الذي يمكن أن نشتري 100 رغيف مدعوم بالسعر نفسه.”
بين الحين والآخر يخرج وزير الصناعة والتجارة ويحدد زمناً بسيطاً لحل الأزمة المتفاقمة من دون تقديم حلول مجدية.
إندبندنت