طريقة وفاة شابة تلخص انهيار الخدمات الصحية بالولاية الشمالية

“الحميات القاتلة” بمروي والدبة شمالي السودان..

تستقبل عيادة ميدانية تعاقدت معها جمعية خيرية بقرية “قوشابي” الواقعة جنوب محلية الدبة نحو(80)حالة إصابة بالحميات المجهولة يوميًا بينما تؤكد إحصائيات رسمية وفاة (56) شخصًا منذ ظهور الحميات بمنطقتي مروي والدبة الواقعتين بالولاية الشمالية.

شعرت الشابة البالغة من العمر (35) عامًا بالحمى والصداع والنزيف عبر الأنف والفم، صُنفت على أنها حمى نزفية وتوفيت بعد ساعات من دخولها مستشفى الدبة والذي لم يتمكن من تقديم الخدمات الطبية لقلة الإمكانيات وعدم وجود أطباء مختصين! كان أقصى أمنيات عائلتها أن تُدرك المريضة مستشفى دنقلا الواقع على بعد 100 كيلومتر من القرية أملًا في حياة جديدة لكنها لن تعود إلى الحياة مرة أخرى.

كان خيار عائلة الفتاة اللجوء إلى مستشفى الدبة مع تدهور حالتها الصحية وانعدام الإسعافات الأولية لقرية بالكاد توفر وحدة صحية لاتزال تحت التشييد بجهود من المواطنين.

يدفع الناس في تلك المناطق والقرى المحيطة بها حياتهم ثمنًا جراء غياب السلطات الصحية الفعالة وشح الأدوية وعدم اهتمام الأنظمة الحكومية بإنشاء مستشفيات.

ويُنقل عضو لجنة الطوارئ الصحية ولجنة العمل الميداني في محلية الدبة عبد الملك عكاشة لـ(التغيير الالكترونية) صورة سيئة عن الوضع الصحي من بطء تحركات محلية الدبة لمكافحة الوباء بقرية قوشابي ومحلية الدبة ومروي، مشيرًا إلى أن لجان هذه المناطق أخطروا محليتي الدبة ومروي فور انحسار الفيضانات بظهور توالد البعوض لكن المحليتين تحججتا بعدم وجود عمال لتنفيذ حملة رش ونظافة إلى جانب انعدام معينات العمل.

محليات بلا مهام

لكن بالتزامن مع زيارة وفد من مجلس السيادة برئاسة صديق تاور لاحظ سكان محليتي الدبة ومروي تحركات مسؤولي المحليتين غير أن الوقت كان قد انتهى تماما لأن جيوش البعوض توالدت وانتشرت واصابت العشرات بالحميات والملاريا والتيفوئيد.

ويُعرب عبد الملك عكاشة عن قلقه من عزوف المحليتين عن تقديم خدمات استباقية لمكافحة البعوض رغم سهولة الحصول على المعينات مثل زيت مستخلص من ماكينات السيارات من الورش والمصانع القريبة “زيت أسود”.

ويُؤكد عكاشة أن جميع التدخلات الطبية والصحية والميدانية نُفذت بواسطة جمعيات خيرية ومنظمات مجتمع مدني بينما كان مساعدات الحكومة المحلية والاتحادية شحيحة للغاية.

حتى على صعيد الاحصائيات يقدر عكاشة عدد المصابين بأكثر من التقارير التي نشرتها وزارة الصحة الاتحادية والولائية.

و لوضع حد للحميات التي تفتك بالمواطنين بقرية قوشابي تعاقدت جمعية خيرية كونها أبناء المنطقة بالخرطوم مع عيادة ميدانية تضُم أطباء لاستقبال الحالات اليومية .

وتقدر الإحصائيات الصادرة عن هذه العيادة المترددين يوميًا بـ(80 إلى 85) إصابة بالحميات والملاريا والتيفوئيد بجانب الحميات الفيروسية الخطيرة حيث يكون النزيف ملحوظًا على المصاب عبر الفم والأنف ودرجة الحرارة المرتفعة والصداع الحاد، ويصُنف الأطباء هذه الأعراض على أنها حمى نزفية.

وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة صنف الحميات التي انتشرت في 7 ولايات سودانية بينها الولاية الشمالية على أنها حمى نزفية وحُمى الشكونغونغيا.

وفي شهر سبتمبر الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية عبر مكتبها في السودان من أن عدم التعامل مع انحسار بالاهتمام قد تنجم عنه حميات ووبائيات لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية لعبت دورًا في التباطؤ الحكومي.

وتُباع أدوية الملاريا في قرى قوشابي ومحلية مروي بسعر (500) جنيهًا في الصيدليات الواقعة خارج المستشفى بينما تنعدم في المراكز الصحية والمستشفى الحكومي بحسب عبد الملك عكاشة عضو لجنة الطوارئ الصحية بمحلية الدبة.

وشهدت قرية “العفاض” الواقعة جنوب مدينة الدبة نفوقًا كبيرًا للحيوانات جراء الحميات المجهولة ويشكو سكانها من صعوبة التعامل مع حميات الماشية لجهة عدم توفر مراكز بيطرية في الولاية والمنطقة.

نفوق الحيوانات

الحيوانات النافقة تُلقى في العراء دون اتخاذ إجراءات لحماية البيئة وسط عجز بائن للسلطات المحلية بالولاية والتي تخطر من يلجأون إليها طلبًا للتدخل بعدم وجود الإمكانيات.

ويقول أحمد عبد الرحيم وهو من مواطني مروي لـ(التغيير الالكترونية) نحن هنا نُقاتل الحميات دون مساعدة تذكر من وزارة الصحة الولائية والاتحادية ، فتدخلت الوزارة خجولة وغير ناجعة! لقد أبلغناهم منذ فترة كافية للتحرك واستباق توالد البعوض عقب انحسار الفيضانات لكنهم لن يشعروا بالمعاناة إلا بعد أن تتحرك الأرض تحت أقدامهم.

يحمل مواطنو مروي والدبة وقراها التي تمتد على طول الشريط النيلي الحكومة المحلية مسؤولية التقاعس عن محاربة البعوض بسبب رداءة الخدمة المدنية بالولاية كونها تعج بعناصر النظام البائد إلى جانب عدم فاعلية الوالية التي عينت مؤخرا وشح التمويل للصرف على القطاع الصحي.

ويُشير عبد الرحيم إلى أن جميع المنازل في مروي والدبة والقرى المحيطة بها لاتخلو من المرضى والحميات والملاريا ويلجأون إلى تناول علاج الملاريا بتشخيص عشوائي لا يمر عبر المعامل! رغم أن العلاج الخاطئ أحد أسباب وفاة بعض المصابين.

تحركت الحميات من أقصى جنوب الولاية من مدينة مروي إلى محلية الدبة ما يعني أنها في طريقها نحو مدينة دنقلا عاصمة الولاية وربما لن تتوقف مالم تتخذ السلطات الصحية إجراءات طارئة بمكافحة البعوض في محليتي الدبة ومروي بحسب عبد الملك عكاشة ناشط في القطاع الصحي والعمل الميداني لـ(التغيير الالكترونية).

غياب الرعاية الصحية

تنتشر الحميات بمحليتي مروي والدبة نتيجة غياب الرعاية الصحية الأولية وتراجع صحة البيئة والتي فقدتها البلاد جراء الصرف المتزايد على الأمن والدفاع بحسب ما تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية أي أن الصرف على الصحة أقل من 3% لكن وزيرة المالية هبة أحمد علي أشارت السبت الماضي إلى أن الصرف على الصحة ارتفع إلى خمسة أضعاف ماكان عليه في عهد النظام البائد لكنها لم توضح أن تزايد الصرف ارتفع لتدهور قيمة العملة وفقًا لمراقبين.

تعزو مديرة الوبائيات بمحلية الدبة نهاد حاج نور في حديث لـ(التغيير الالكترونية) بطء الموقف الحكومي بمحلية الدبة إلى قلة الإمكانيات مشيرة إلى أن إدارة مكافحة الوبائيات بالمحلية واجهت صعوبة في توفير معينات الرش ونقص العمالة.

وتقدر مدير ادارة الوبائيات بمحلية الدبة نهاد حاج نور عدد الحالات التراكمية بالحميات في محلية الدبة بـ(1540)إصابة و(25)حالة وفاة حتى مساء أمس الاثنين.

وتشكو نهاد حاج نور من تعدد مواقع توالد البعوض إلى جانب توسع رقعة المناطق الرطبة قرب النيل ويطلقون عليها شعبيًا (النزز) مشيرة إلى أن جميع هذه المواقع تحتاج إلى حملات كبيرة لكن جميع الامكانيات ترسل إلى مروي رغم كثافة التوالد في محلية الدبة.

وتضيف نهاد :”حاليًا الوضع مستقر منذ أربعة أيام لم نسجل أي حالة وفاة سوى حالة واحدة مساء الاثنين لكننا ناشدنا المنظمات بتقديم المساعدات لمكافحة نواقل الحميات”.

التغيير نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.