الرحلة من الخرطوم إلى ولاية جنوب كردفان تبدو أكثر إثارة من غيرها بدءاً من المشاهد الطبيعية والنشاط الزراعي والرعوي على امتداد مساحات شاسعة تتخللها الوديان والجبال المخضرة ولا تكاد تغيب تلك المناظر لحظة مع سرعة البص رغم رداءة الطريق ومنعرجاته وكثرة الحفر وبمسافات متقاربة، بما يشكل خطورة على مستخدمي هذا الطريق الحيوي خاصة المسافة بين مدينتي الدلنج وكادوقلي ثمة ملاحظة اخرى ان الرعاة اتخذوا الطريق كمسار امن اذ ان القطيع من الماشية يمتد لمسافة ما يقارب نصف الكليو مشياً على الاسفلت يجد معها السائق صعوبة في التخطي ولهذا استغرقت الرحلة اكثر من 12 ساعة عندها بدت حاضرة الولاية وقد توشحت بالخضرة والجمال ليكون مهرها السلام الاخير علها تودع الحرب الى غير رجعة.
على غير العادة
بدت كادوقلي خالية من مظاهر الانتشار الامني عبر سيارات رباعية الدفع مدججة بالاسلحة كما كان حتى الى وقت قريب الا من بعض عربات التأمين في عدد من المواقع ظلت في واجهة الأحداث منذ اندلاع الحرب بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال في يونيو من العام 2011م.
من داخل السوق
برغم سير عجلة الحياة في الولاية بشكل طبيعي مع ازياد واضح لحركة الناس بالسوق وتوافد المواطنين من المناطق القريبة من المدينة بل حتى مناطق الحركة وهم محملين بالمنتجات المحلية من خضروات والبان ومنتجات غابية وغيرها من خيرات الخريف المتوفرة هذه الايام من الواضح ان التوقيع على السلام انعكس ايجاباً على هذا النحو بل ان هجرة عكسية بدأت تنتظم الولاية بعد الاستقرار الذي شهدته حاضرتها ولكن تبقى ذكرى احداث رمضان الماضي داخل سوق كادوقلي والتي راح ضحيتها عدد من المواطنين تبقى حاضرة ويجترها كثير من شاهدها لبشاعتها مع مخاوف من تكرارها وما يجدر ذكره خلو السوق واطراف المدينة من مظاهر الصفوف المتواجدة غير القليل منها وكشفت جولة لـ( الانتباهة) داخل السوق موجة غلاء في المواد الاستهلاكية في مقابل انخفاض بعض السلع مقارنة مع بعض المدن الاخرى حيث بلغ سعر رطل اللبن 40 جنيهاً و480 لكليو اللحم العجالي .
الكل ينشد السلام
قيادات الولاية من الادارات الاهلية بالولاية بدت اكثر استعداداً لاستقبال مرحلة ما بعد الحرب والعمل على التبشير بالسلم حيث يقول امير امارة الشوابنة الامير عبد الله محمود مراد في حديثه للصحيفة : الان باتت الولاية مهيأة تماماً لانفاذ الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً بجوبا واضاف انتهى عهد القطيعة والاحتراب وجميعنا ابناء وطن واحد يجب ان يسعنا جميعاً وثمن الجهود التي قامت بها منظمة ابو كرشولا وهي تقوم بتقديم دعم عيني لعدد من الايتام والارامل الى جانب تبنيها لعميلات ختان جماعي لاكثر من 350 طفلاً من الايتام مشيراً الى ان الوقت مناسب الان امام كافة المنظمات الطوعية انزالاً لعملية السلام على ارض الواقع ومساعدة النازحين في تسهيل سبل الحياة.
فاقد تربوي
من جانبه يقول عمدة بواوقة اولاد رحمة العمدة محمداني ابراهيم ان الحرب خلفت اوضاعاً مأساوية انعكست على المواطنين الابرياء لدينا عدد كبير من الايتام واضاف ان ولاية جنوب كردفان ظلت تعاني من ويلات الحرب منذ العام 1987 وخلفت هذه الحرب ضحايا بين قتيل وجريح ومشرد ونازح ولم نجن من الحرب غير الدمار والخراب والقطيعة وناشد العمدة محمداني قائد الحركة الشعبية قطاع الشمال عبدالعزيز الحلو بتحكيم صوت العقل والانضمام الى مسيرة السلام واضاف ان المواطن داخل الولاية وخارجها ظل يعاني من ويلات الحرب وتداعياتها وقطع بان السلام هو الطريق الوحيد للاستقرار والتنمية وليست الحرب وقال نأمل ان يرق قلب الحلو لحال هؤلاء الاطفال والذين من بينهم فاقد تربوي والاف الايتام والارامل اضافة الى حالة الفقر التي عمت سكان الولاية وعلى الاخص المناطق التي تأثرت بالحرب بصورة مباشرة .
بارقة أمل
وحث امير قبيلة الرواوة اولاد نوبة الريف الشرقي الامير بلال عثمان حامد وفد التفاوض على تحقيق السلام مشيراً الى انه يمثل نقطة البداية لانطلاقة التنمية بولاية جنوب كردفان وقال هذا حلم ظللنا ننتظره طوال الفترات الماضية واعتبر بلال ان ما قامت به منظمة ابو كرشولا من دعم للنازحين وغيرهم يمثل بارقة امل لعودة الولاية لسيرتها الاولى وقال ان الولاية في حاجة الى احلال السلام والتعايش السلمي واضاف مطلوب من الادارة الاهلية التبشير بالسلام والعمل على طي الخلافات بين مكونات الولاية المختلفة غير انه اكد ان عملية السلام ما زالت منقوصة في غياب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو وناشد الحلو بان يضع حداً للاحتراب والنزول الى رغبة المواطنين الذين ينشدون السلام وعزا بلال الصراع بين الرعاة والمزارعين لضيق الرقعة الامنية مع تطور الزراعة وتكاثر عدد الثروة الحيوانية غير انه اكد على ان الصراع سينتهي باحلال السلام وفتح المسارات والتوافق عليها كما كان في السابق وقال عملنا على وقف العدائيات لمدة 3 شهور مع كل المكونات وتم التوقيع من قبل كافة القبائل الموجودة بعدها سيتم انعقاد مؤتمر عام للتصالح .
عاجل.. إلى الحلو
جلستْ بعيداً وتحمل بين احضانها طفلاً صغيراً وربما لا يتجاوز عمرها العقد الثاني بدأت (ضحية عملية الامين) من منطقة انقولو حديثها بمطالبتها للقائد عبد العزيز الحلو بالتوقيع على السلام وقالت كفاية حرب فقد (متنا موت الجراد ولا نريد حرب) نريد ان نسافر من كادوقلي الى انقولو ونعود في نفس اليوم دون ان تعترضنا اي مشاكل واشارت ضحية الى انهم نزحوا بهذه المنطقة جراء الصراع الاخير قبل نحو ثلاثة اشهر بعد ان تم حرق المنازل واضافت نطالب الحلو ان يعود الى اهله بكادوقلي يجلس وسطهم ونؤكد له اننا من خلفه دعم وسند له ونعمل من الان على اعداد احتفال كبير بمناسبة حضوره الينا في كادوقلي وقراها واضافت نريد ان يشاهدنا ونحن نعيش في هذه الظروف القاسية وقالت ضحية، المرأة اكثر تأثراً بالحرب فقد صارت ارملة تعاني من تربية الابناء وتحمل مسؤولية البيت مع اوضاع معيشية صعبة واردفت (تاني ما دايرين حرب كفاية حرب فقدنا التعليم وتشرد التلاميذ وكثيرون منهم ذهبوا للبحث عن اعمال حرة وما عندنا موية صالحة للشرب ونأمل ان يأتي الحلو ويطالب لنا بحقوقنا من الداخل ويعرف حجم مشكلاتنا. وتتفق معها النازحة فايزة البطري وتقول بسبب الصراع الاخير نزحنا الى هذه المنطقة وفقدنا كل ممتلكاتنا والان نفترش الارض ونعيش اوضاعاً مأساوية واشارت الى ظهور بعض الامراض وسط الاطفال وكبار السن وناشدت منظمات المجتمع المدني بتقديم مزيد من المساعدات .
قتل وحرق
أمير امارة كرنقو انقولو محلية البرام البطري كواليب كافي يقول كنا في منطقة تلو بمحلية البرام قبل ان تتعرض لهجوم من قبل معتدين بسبب عمليات سرقة بهائم نتج عنها مقتل بعض المواطنين بعدها وقعت الاحداث بالمنطقة وتم نهب جميع ممتلكاتنا وقتل بعضنا وما بقي منها تم حرقه واضاف انه تم فتح بلاغات ولكن حتى الان لم يتم تحريكها ولكن مدير تنفيذي محلية كادوقلي اكد انه سيتابع الملف وحضرنا الى مجمع تفاري غربي كادوقلي قبل اربعة اشهر وتم انشاء منازل مؤقتة واشار الى انه تم الاتفاق على انشاء سوق في منطقة كولو يكون نقطة لقاء بين الطرفين للتواصل الاجتماعي ولقضاء الحاجات .
دمار للمؤسسات
هناك تدن كبير في الخدمات وتعرضت كثير من المؤسسات للتخريب خاصة المدارس حيث تم نهب الابواب والشبابيك وحذر من حدوث مجاعة وسط المواطنين هناك، وقال نحن اكثر حاجة للسلام والمواطن تعبان ولو تحقق السلام سنعود الى مواقعنا حيث الزراعة وغيرها من الحرف وتساءل ما هي الاسباب التي تجعل الحلو يرفض السلام وقال لو قدر له ان يشاهد الاوضاع المأساوية التي يعاني منها المواطن لما تأخر يوماً عن التوقيع والانخراط مع الحكومة ومتابعة قضايا انسان الولاية ونحن كادارة اهلية اشد حاجة للسلام ونريد ان نتعايش مثلما كان اهلنا في السابق ولم يكن هناك فرق بين النوبة والعرب وكل مكمل للاخر ولا يستطيع احد ان ينعزل عن بقية المكونات.
إعلاء قيمة السلام
البحث عن السلام وانزاله على ارض الواقع اصبح امراً تنادي به جميع المكونات بالولاية وصولاً الى التعايش السلمي حيث دعا وزير الشؤون الدينية والاوقاف نصر الدين مفرح الجميع للاتفاق على مشروع وطني موحد والاعتراف بالآخر، مبيناً أن السودان يسع الجميع ويجب بناؤه بالمنهجية العلمية والتكاتف والتعاون والإعلاء من قيمة الحرية والعدالة والسلام الاجتماعي وأكد مفرح أن وزارته وضعت استراتيجية قومية تهدف إلى الاعتراف بالتنوع الديني والإثني والثقافي الموجود في السودان، مشيراً إلى ان هذا التنوع لا بد من إدارته بطرق صحيحه، بجانب مبدأ المساواة والحرية والعدالة وهو الأساس الذي يجب الانطلاق منه، مشدداً على ضرورة إحقاق الحق وإبطال الباطل في مبدأ العدل والمساواة والسلام كونها قيم أساسية والتي ينبغي ان تسود المجتمع، مناشداً نظار القبائل وشراتيها وسلاطينها والأئمة والدعاة والمرشدين والمطارنة والقساوسة للعمل على إعلاء قيمة الإنسانية والابتعاد عن القبلية.
من جانبه عبر حامد البشير إبراهيم والي جنوب كردفان عن شكره وامتنانه للوفد على اختيارهم جنوب كردفان ضمن وجهاتهم الولائية في ترسيخ التعايش السلمي وأكد دعم جهود بناء السلام المجتمعي وإعلاء قيمة الإنسانية، فضلاً عن التوفيق في اختيار شريحة رجال الدين بمختلف مشاربهم لتقديم النصح والإرشاد تحقيقاً للتوازن الداخلي للمجتمع، وقال كل الأديان السماوية تلتقي في أساسيات الأخلاق، مناشداً كل الوزارات والمؤسسات الاتحادية للمشاركة والمساهمة في رتق النسيج الاجتماعي بجنوب كردفان.
سفير في كادوقلي
على ذات الصعيد حيّا سفير المملكة العربية السعودية لدى السودان علي بن حسن جعفر، شعب جنوب كردفان وفريق التفاوض بمنبر جوبا واعضاء الجبهة الثورية وكل الشعب السوداني على توقيع اتفاق السلام، مشيداً بموقف عبدالعزيز الحلو على قبوله مبدأ التفاوض، لافتاً إلى أن السودانيين جديرون بتحقيق السلام، وقال إن الغاية من اختلاف الناس والشعوب للتعايش لا للاقتتال، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية تولي السودان اهتماماً خاصاً لإعلاء قيم التسامح والتعايش والإخاء وقبول الآخر.
انتشار السلاح
من جانب اخر نظمت وزارة الشؤون الدينية والاوقاف بالتعاون مع منظمة ابو كرشولا للسلام والتنمية ورشة حملت عنوان ( التسامح الديني وأثره في بناء السلام ) وتناولت عدد من الاوراق المقدمة حجم المعاناة التي لحقت بمواطني ولاية جنوب كردفان جراء الصراع الممتد لاكثر من ثلاثين عاماً مع ضرورة الاهتمام بدور منظمات المجتمع المدني لتكون محوراً للتعايش السلمي وهو ذات العنوان لورقة قدمها د. القديل النيل القديل والذي كشف خلالها جملة من الانعكاسات السالبة لنتائج الحرب من ضمنها توقف عمليات التنمية وانهيار البنى التحتية وانحسار الرقعة الزراعية والرعوية مع زيادة الفقر المدقع وانتشار العطالة الامر الذي ادى بدوره الى بروز الجريمة باشكالها المتنوعة واشار القديل ان انتشار السلاح واستخدامه في حسم القضايا الخلافية ادى كذلك الى زيادة القتل العمد وممارسة النهب وسرقة المواشي وقطع الطرق.
أرقام مخيفة
واشار القديل الى ظاهرة التفكك الاجتماعي وزيادة التوتر وانقسام المجتمع بين عربي ونوبي وتفجر القضية العنصرية بالولاية من جانب اخر اشار القديل الى التدهور الذي لحق بالبيئة جراء القطع الجائر للاشجار بنسبة بلغت 30% من الاراضي الصالحة للزراعة كاشفاً عن نزوح 500 الف نازح في مقابل 2500 لاجئ قال انهم يعانون من مر العيش ويفتقدون لابسط مقومات الحياة من ناحيته اكد محمد الجيلي حمدان رئيس منظمة ابو كرشولا للسلام والتنمية ان جهودهم ستستمر دعماً للمتضررين من الحرب بولاية جنوب كردفان مشيراً الى جملة من الاهداف التي تصب في تحقيق السلام بالولاية وصولاً الى الاعمار والتنمية واعادة الولاية الى سابق سيرتها الاولى.
المصدر: الانتباهة أون لاين