الخرطوم لم تصبح آمنه.. اختطاف ونهب قرب القصر الجمهوري بعربة عسكرية

لا شيء يبقى عندما ينفرط عقد الأمن، تسود الفوضى ويتسيد الخوف الأمكنة، فما عادت الخرطوم عاصمة آمنة كما عهدها، بل وصل التردي المريع أن تحدث حوادث النهب والسلب في قلب العاصمة، لا بل على بعد أمتار من القصر الجمهوري “المجلس السيادي” وبسيارات عسكرية بدون لوحات عليها أفراد يرتدون ملابس عسكرية تشابه لا بل تطابق التي ترتديها القوات المسلحة “الجيش”، فماذا تبقى بعد ذلك وإلى أين تمضي؟

وحتى إذا تأكد أن هؤلاء ينتحلون صفة القوات النظامية فكيف تصل الجرأة أن يتم اختطاف مواطنين من أمام وزارة الخارجية مباشرة وعلى بُعد أمتار من رمز سيادة البلاد “القصر”، ومن المسؤول عن تحرك عربات عسكرية “بدون لوحات” في مثل هذه الأماكن الحساسة؟، وكيف يتم السماح لعربات بدون لوحات بأن تُمشط الخرطوم طولاً وعرضاً قبيل منتصف الليل حتى؟!!!

الحكاية من الحكايات الغريبة أن يصبح الصحفي نفسه هو “الضحية” في القصة، فالواقعة حدثت مع الزميل بقسم الأخبار محمد جادين شخصياً، حيث خرج من مقر “الصيحة” في تمام العاشرة و(45) دقيقة من مساء الخميس، وكما اعتاد دائماً وقف أمام بوابة وزارة الخارجية المطلة على “شارع الجامعة” في انتظار المواصلات “الهايسات” القادمة من بحري، وأحياناً يتوقف بعض أصحاب العربات الملاكي يجودون بفضل الظهر ويساهمون في نقل المواطنين،

وقال: (في حوالي الحادية عشرة إلا دقائق معدودة وصلت عربة عسكرية “تاتشر” تُشابه سيارات القوات المسلحة بألوانها المعروفة قادمة من شارع الجامعة تخطت الإشارة الحمراء لتقاطع المك نمر مع الجامعة، وبها (4) أفراد يرتدون ملابس عسكرية “كاكي” بذات لون التاتشر “الأخضر المبرقع”.

ووقفوا على بُعد متر ونصف تقريباً من بوابة الخارجية وكان الحوار التالي: “ماشي وين يا شاب” وأجبت بأن وجهتي جزيرة “توتي” وبكل تهذيب نزل فرد يرتدي ملابس مدنية من المقعد الأمامي وخاطبني: “أركب نقدمك”، وبكل اطمئنان وبلا تردد، صعدت على متن “التاتشر” ولم يخطر ببالي قط أن أكون ضحية اختطاف ونهب تحت تهديد السلاح!!).

اختطاف وأضاف جادين: (بلا تردد، صعدت إلى العربة ويقف في الخلف فردان يرتديان ملابس عسكرية كاملة ينقصها “الكاب” فقط، صعدت يملؤني إحساس الأمان وأي أمان يكون غير هذا “الشارع السيادي”، خلفنا مُباشرة دورية تؤمن “كوبري المك نمر” وأفرادها يجلسون بقُرب العربة، وعلى بعد أمتار من القصر الجمهوري بحرسه وعتاده من بدايته حتى نهايته، وتليه وزارة الداخلية وبقية الوزارات، مروراً بـ”مجلس الوزراء” وتقاط “المرور”، طلب مني أحد الأفراد الجلوس بداخل صندوق العربة، والتشبث جيداً، وقال مُمازحاً: “الجماعة ديل سواقتهم كعبة أقعد تحت” وقد كان، و”التاتشر” تنهب الأرض بسرعة جنونية، وعندما وصلنا قرب “كوبري توتي” طلبت منهم التوقف، ودون أدنى توقع بادروني بالضرب، عندها أيقنت أنها حالة اختطاف ونهب لا محالة!!). ضحية أخرى وتابع جادين في سرده للقصة المروعة: (أخذت “التاتشر” المسار الجنوبي لكوبري توتي، وانعطفت يساراً وبذات السرعة تجاوزت تقاطع شارع الجمهورية المحاذي لـ”المعاشات” وجامعة النيلين، وتجاوزت “نفق جامعة السودان” وعند بداية شارع الغابة كان الضحية الثانية ينتظر مصيره المجهول، شاب ثلاثيني مُتوجه إلى “حي الشجرة” ونادوه: “أسرع نقدمك قدام”، لم تتوقف العربة، وإنما أبطأت من سرعتها وحاولت النزول ولم يفلح ندائي للشاب بألا يأتي وكان قد صعد إلى العربة، ومن ثم انطلقت “التاتشر” تضاعف من سرعتها الجنونية، وقرب محطلة وقود “الوطنية” بشارع الغابة تراءت أمامنا الصفوف المتعرجة لعطشى الوقود، ولكن زادت العربة من سرعتها وانعطفت يميناً بعد تجاوز “السكة حديد”.

وتوغلت في الطريق الترابي المهجور غرب المنطقة الصناعية). نهب وتهديد وأردف: (توقفت “التاتشر” في المكان المهجور بالغابة، وبلا مقدمات أشهر من كانا معنا بالخلف مسدسات “طبنجات” سوداء بأمر مباشر من قائد المجموعة الذي يرتدي زياً مدنياً، ومن ثم بادرنا آخر بالضرب بالعصي وطلب منا إخراج هواتفنا وجميع ما بـ”جيوبنا”، وبالفعل وتحت تهديد السلاح نهبوا منا مبالغ من المال تتعدى الـ(3) آلاف جنيه وهاتفين تتجاوز قيمتهما معاً (100) ألف جنيه وأعادوا الكرة بضربنا وبصورة أشبه بالأفلام “الهوليوودية”، قفزوا في التاتشر وتوغلوا في الظلام وعُدنا أدراجنا وهول الصدمة يسبقنا، هل وصلت الخرطوم إلى هذا الحد وأن يتم الاختطاف بالقرب من القصر الجمهوري؟؟!!).

تدوين بلاغ وذكر جادين ما حدث بعد ذلك قائلاً: (توجهنا لمحطة وقود الوطنية في شارع الغابة، ووصلنا النظاميين المسؤولين عن التأمين، فنصحونا بالتوجه لأقرب قسم للشرطة، وأثناء وقوفنا جاءت دورية تتبع للشرطة وأبلغناها ما حدث لنا، فتكفلت بنقلنا لقسم شرطة “الصناعات بالخرطوم” بوصفه الأقرب، ووجدنا مسؤول القسم وروينا له الحادثة، فطلب منا أن التوجه إلى مكان الحادث ومعه اثنان آخران من القسم بعد حمل أسلحتهم، وبالفعل وصلنا وتم تمشيط المنطقة، لكن دون أثر لـ”التاتشر”، وعُدنا لنكمل إجراءات البلاغ، وفي طريق العودة للقسم وصلهم بلاغ آخر عن مواطن ملقي على الأرض بالسجانة تعرض لحادث ما، فكان أن استجابوا للنداء الإنساني لإسعاف الضحية الأخرى، وطلبنا منهم توصيلنا لمنطقة السوق العربي فلم يبق معنا مال، بعد أخذ بياناتنا على أمل أن نكمل إجراءات البلاغ صباحاً، فالساعة تجاوزت الواحدة صباحاً!!) إكمال البلاغ وقال الزميل جادين: (كنت حريصاً على تدوين البلاغ، وألا أنتظر حتى الصباح لأحفظ حقي وحق غيري على أمل ألا تتكرر مثل هذه الحوادث الدخيلة والجريئة، غادرني رفيقي إلى حيث وجهته ليكمل بقية الإجراءات صباحاً، وتوجهت مباشرة إلى مجمع النيابات ووجدت وكيل نيابة لم يتأخر، ودون لي عريضة بعد أن رويت كامل التفاصيل تحت المادة (175) النهب، وبعدها وصلت قسم شرطة “الخرطوم شمال” فأكملوا الواجب ودونوا لي بلاغاً ضد “مجهولين” بالرقم (11232)، ولكن تبقى فقط حتى يكتمل الإجراء، أن أقابل مسؤول المباحث بالقسم، لجهة أن “البلاغ كبير” بحسب وصفهم وطلبوا أن أعاود صباحاً). من المسؤول؟! خلال الأيام القليلة الماضية والأسابيع الفائتة، تعددت وتنوعت حوادث السلب والنهب بأحياء متفرقة من العاصمة المثلثة ومضابط الشرطة توثق ذلك، وليس بعيداً عن ذلك انتحال (5) أفراد بزعامة فتاة لطيفة “الدعم السريع” واقتحامهم لمنزل رجل أعمال بمنطقة “اللاماب” بالخرطوم منتصف الأسبوع الماضي وإرهاب أسرته ونهب أموال طائلة وأجهزة هواتف و”شاشات” تحت تهديد السلاح الأبيض والناري، والحوادث لا تُحصى ولا تُعد، ومن بينها قريباً، نهب الزميل المذيع بقناة الهلال محمد محمود.

ويبقى السؤال العريض من المسؤول؟! إلى من يهمهم الأمر رسالتنا مفتوحة إلى رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد الأعلى للجيش، أنت المسؤول الأول عن أمن المواطنين، ورسالتنا أيضاً لوزير الدفاع اللواء ركن يسن إبراهيم، كيف تسمحون لعربات عسكرية بلا لوحات أياً كانت وإلى أية جهة تتبع، أن تجوب شوارع الخرطوم طولاً وعرضاً، وتعلمون أن وضعاً مثل هذا يسهل فيه انتحال شخصيات العسكريين وارتكاب جرائم باسمهم والانتقاص من هيبتهم، أما آن الأوان لقرار حاسم بعدم خروج أية عربة كانت بدون لوحات؟! وإلى رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، ووزير الداخلية الفريق أول شرطة الطريفي إدريس، ومدير عام قوات الشرطة الفريق عز الدين الشيخ، ومدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق شرطة ياسر عبد الرحمن الكتيابي: نقول لهم أدركوا الأمن في الخرطوم حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه..؟!

 

الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.