السودان و”المتشدّدون”… تراخي بحجة المناصحة وتاريخ من التعاطي الملتبس

يدور جدال حول العلاقة بين النظام الحاكم في السودان ومجموعات “السلفية الجهادية”، المُتهمة بـ”تجنيد الشباب السوداني وإرسالهم للقتال مع تنظيم الدولية الإسلامية (داعش) في سورية وليبيا”. ويكمن الجدل في تراخي الحكومة السودانية في مواجهة تلك المجموعات وإكمال محاكمات عناصرها وتنفيذ العقوبات الصادرة بشأنهم، فضلاً عن فتح الباب واسعاً أمامها لممارسة نشاطها التكفيري، في ظلّ ميول الحكومة بعد كل حادثة عنف للاتجاه نحو خيار “المناصحة”، عبر توجيه عدد من العلماء في مجمّع الفقه الإسلامي، لمحاورة الشباب في حال ضُبطوا في قضايا عنف.

وقبل خمسة أشهر اعتقلت السلطات السودانية خمسة من قادة التشدّد في البلاد، بينهم مساعد السديرة، أحد أقوى مؤيدي تنظيم “داعش” جهاراً، لاتهامهم بـ”الترويج للفكر الداعشي وتسفير الشباب السوداني إلى مواقع التنظيم”، خصوصاً أن السلطات السودانية أكدت التحاق 70 شاباً سودانياً بالتنظيم، بينما تؤكد المعلومات غير الرسمية، أن العدد أكبر من ذلك بكثير، باستثناء الأعداد الملتحقة بالقتال في الصومال ومالي وأفريقيا الوسطى.
ووفقاً لمصادر بوزارة العدل تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن “القادة الخمسة سيخضعون للمحاكمة في يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد اكتمال الأدلة في مواجهتهم، خصوصاً جوازات السفر التي تخصّ عدداً من الشباب الذين التحقوا بداعش”.

غير أن مراقبين يستبعدون أن تؤدي المحاكمة إلى إدانة القادة الخمسة، أو تنفيذ أي حكم عليهم، بالنظر إلى تجارب سابقة، لا سيما أن الحكومة تعي خطر تلك المجموعات، التي تعتبرها خلايا نائمة يُمكن أن تنفجر في وجهها في أي لحظة، كما تستخدمهم كورقة ضغط في مواجهة محاولات من المجتمع الدولي لتغيير النظام، بالتشديد على أنهم سيكونون البديل.

كما تبادلت الأوساط السودانية معلومات مؤكدة، تُفيد بانضمام أحد زعماء خليّتي “الدندر” و”السلمة” المسلحتين، أسامة أحمد عبد السلام، إلى جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا كقائد عسكري. وسبق أن اعتقلت السلطات السودانية خلية تضمّ عبد السلام في عام 2007، بمنطقة السلمة، جنوبي الخرطوم، كانت تخطط لتفجيرات بمواقع قوات حفظ السلام في السودان وقتها (يونميس)، فضلاً عن تفجير عدد من السفارات الأوروبية. وأودعت الخلية السجن لأكثر من عام، قبل أن تعود وتطلق سراحهم بعد تأكيدات عن مراجعات فكرية تمّت معهم، للعدول عن الفكر المتشدد.

بعدها، تمّ اعتقال عبد السلام وآخرين ضمن خلية “الدندر” أثناء تدريبهم بمنطقة الدندر السودانية، للقتال في الصومال، لتفتح في مواجهتهم بلاغات، تصل تهمها إلى حدّ الإعدام، ثم أُطلق سراحهم مرة أخرى، بعد عامين.

وفي حوار نادر مع صحيفة محلية منذ أكثر من أسبوع، يعترف مدير الأمن السوداني محمد عطا، أنه “تمّت مواجهة السلطات السودانية بضغوطٍ (من جهات لم يُسمّها) لإطلاق سراح عدد من المجموعات الجهادية”. ويكشف أنه “مورست ضغوط لإطلاق سراح أول مجموعة قُبض عليها من تنظيم داعش في الخرطوم، وأُطلقت وفقاً لضمانات”.

ولكنه يعود ويؤكد أن “كل من روّج للفكر الداعشي، وجنّد له طلاباً سودانيين، بات الآن بقبضة الأمن”. ويذكر أن “الخلية التي أقدمت على تسفير أربع فتيات عبر البرّ إلى ليبيا، لا زالت محتجزة”. ويشدّد على أن “ذلك لا يعني أن الخلايا انتهت، لأن بإمكانهم تكوين خلايا أخرى”. ويوضح أنه “أحياناً يتمّ تشكيل خلايا جديدة، تضمّ بعض الأجانب، فليس كل المنتسبين إلى الخلايا سودانيين”.

ويُصنّف نظام الخرطوم بأنه “نظام ذو علاقة شائكة بالمجموعات الجهادية، مفرخاً وحاضناً لها، بالنظر لفتح حدود البلاد في سنواته الأولى من الحكم، أمام المتشددين والإرهابيين من مختلف الدول، فضلاً عن حلمه في تصدير الثورة والتمدّد خارجياً، وغرس الفكر الجهادي داخل الشباب السوداني وإرسال عدد منهم للقتال خارجياً تحت راية الإسلام”. ويتمسّك عدد من قادة الحزب الحاكم في الخرطوم بنهج “إدارة الحوار مع المتشددين فكرياً وعدم الجنوح للعنف أو الحلول الأمنية، باعتباره يقود إلى نتائج عكسية”.

وفي تصريحات سابقة، يدعو رئيس “مجمّع الفقه الإسلامي” (جهاز شبه حكومي)، عصام أحمد البشير، لتشكيل ما سمّاه “مشرّع الأمن الفكري، لتحصين السودانيين من الاختراق التكفيري”، على حدّ وصفه. ويُشدّد على “ضرورة انتهاج الحوار لتصحيح مسار الأفكار المتطرفة”، مؤكداً أن “الحلّ الأمني وحده لا يكفي”. ويعتبر أن “خيرة الشباب هم من يحملون الأفكار المتشددة، وإنهم غيورون على الدين، ولا تنقصهم النية الصالحة والحمية للحق وحماسة الغيرة على الإسلام”، ولكنه يرى أنهم “ضائعون وينقصهم الفقه السديد”.

ويرى المحلل السياسي أحمد ساتي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الحكومة لا تريد الدخول في مواجهة مع المجموعات المتشددة، لتأمن شر غضبتهم. كما أن أطرافاً عدة في داخلها، تضغط باتجاه التأكيد على صدق نوايا المتشددين، وجدوى النقاش والحوار معهم، كبديل للمحاكمات وفرض العقوبات عليهم”. ويوضح أن “هناك اعتقاداً سائداً عن وجود علاقة ما بين مجموعات داخل النظام والمتشددين. وترى المجموعات في المتشددين ورقة ضغط على المجتمع الدولي والإقليمي”.

ويعمد المتشددون الذين ينضمون لجماعات مختلفة، تمتلك بعضها جوامع تمارس عبرها نشاطها في التكفير، بما فيه تكفير النظام نفسه، إلى توزيع المنشورات وتعليق الملصقات بالشوارع، من دون أن تتعرّض تلك المجموعات لملاحقات واضحة. كما تمتلك تلك الجماعات أصواتاً مؤيدة لها بالصحف وزعماء معروفين. وتميل في العادة نحو تكفير القيادات الحزبية المعارضة والمطالبة بإعدامها. وسبق أن كفّرت زعيم حزب “الأمة القومي”، الصادق المهدي، والقيادي الراحل في الحزب “الشيوعي” إبراهيم نقد، وزعيم “المؤتمر الشعبي” حسن الترابي.

وفي عام 1993، ظهرت أولى بوادر العنف بين المتشددين والنظام، عندما اشتبكت الشرطة مع بعض المتشددين في إحدى مناطق ولاية الجزيرة السودانية، وذلك بعد محاولة المتشددين محو ما اعتبروه “الكفر والشرك المتمثل في التعامل مع الأوراق الثبوتية واستخدام العملة الورقية”.

وفي عام 1994، أُوقفت خلية من “السلفية الجهادية” تحت قيادة عبد الرحمن الخليفي، ليبي الجنسية، وأحد حرّاس زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، في الخرطوم، بعد قيامهم بإطلاق النار على مسجد أنصار السنّة، وقُتل العشرات حينها. وأُعدم على أثرها مخطط العملية الخليفي.

كما قتل متشددون في عام 2008 الدبلوماسي الأميركي جون غرانفيل وسائقه، بشوارع الخرطوم، ووُجّهت لهم أحكام بالإعدام، إلا أن المتهمين تمكنوا عبر حفر نفق في السجن من الهرب، والتحق بعضهم بالجهاديين في الصومال ومالي، حيث قُتل أحدهم.

 

المصدر:العربي الجديد.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.