حق لمناوي أن ينعى قحت ويقول إنها لم تعد حاضنة سياسية للحكومة، سيما بعد ان تمزقت ايدي سبأ، وفقدت معظم قواها الحية وحلت محلها، بموجب الوثيقة الدستورية، حاضنة جديدة باسم (مجلس شركاء الفترة الانتقالية) ضمت حركات الجبهة الثورية العائدة عن طريق اتفاق جوبا بل وانتظم فيها المكون العسكري وما تبقى من قحت، مما يجعلها حاضنة شاملة لجميع مكونات الحكومة، لا حاضنة صغيرة (قحت) تشكل خميرة عكننة داخل مؤسسات الحكم ، سيما وقد كان فيها شيطانها الاكبر المتمثل في الحزب الشيوعي الذي كان ممسكاً بخطامي الحكومة والمعارضة ، كمن يجمع بين الاختين في الزواج ، في انتهازية ميكافيلية وسمت اداءه السياسي منذ الاستقلال.
مناوي ، في حديثه لقناة النيل الازرق وفقاً لرصد موقع (متاريس) ، قال إن قحت غير موجودة حالياً بعد خروج (نداء السودان والاجماع الوطني وتجمع المهنيين) ، اما الضربة القاصمة الاخرى فتتمثل في خروج الحزب الشيوعي الذي اعلن طلاقه من حكومته بالرغم من انه لا يزال ، من خلال سلوكه (الاستهبالي) متمكناً من مفاصلها في مجلس الوزراء والخدمة المدنية ، متحكماً في قراراتها بالرغم من انه انسحب منها!!!!
معلوم أن قحت تفككت ثم ضعفت للغاية منذ ان غادرها حزب الامة الذي اساء الشيوعيون معاملته بعد ان امتطوا ظهره في البداية ليمنحهم شرعية ، وما ان استولوا على الحكومة حتى تنكروا له ، كما ظلوا يفعلون عبر تاريخهم الطويل ، لدرجة منع رئيسه الامام من زيارة ميدان الاعتصام!
إني لأجد ريح الحزب الشيوعي في البيان المتطرف الذي اصدرته الحركة الشعبية شمال (جناح الحلو -SPLM – N رداً على لائحة مجلس شركاء الفترة الانتقالية ، سيما وان الحزب الشيوعي ما إن خرج من قحت حتى اعلن عن انه بصدد انشاء تحالف بديل قال إنه سيضم حركتي الحلو وعبدالواحد اللتين رفضتا التفاوض حول السلام قبل الاستجابة لمطلوباتهما المستحيلة.
يجب الا ننسى ان كلاً من الحلو وعبدالواحد كانا شيوعيين ايام الدراسة بجامعة الخرطوم ، ثم ان الحلو متحالف مع الحزب الشيوعي من خلال اتفاق ابرم بين الحلو وصديق يوسف في اديس ابابا في اعقاب اتفاق (فردي) اخر لحمدوك والحلو في اديس اكد على العلمانية او فصل الدين عن الدولة!!! كذلك فانه من المعلوم ان الشيوعي محمد يوسف احمد المصطفى انتقل فجأة من الخرطوم الى حركة الحلو واصبح جزءاً من وفدها التفاوضي ، وكان ود يوسف قبل ذلك قيادياً في تجمع المهنيين الذي اعاد الحزب الشيوعي تشكيل قيادته ليجعلها شيوعية كاملة الدسم ، الامر الذي اضطر غير الشيوعيين بقيادة ايقونة تجمع المهنيين (الاصم) للانشقاق بتجمع منفصل.
ما ذكرت ذلك الا لاقول ان البيان الصادر عن الحلو ممثلاً بالامين العام (عمار امون) يعبر عن رؤية الحزب الشيوعي الذي اعلن من اول يوم رفضه لاتفاق جوبا بل ان صديق يوسف اتهم المجلس العسكري بابرامه للقضاء على قحت التي كان يقودها كحاضنة وحيدة للحكومة ويسيطر بها على جميع قراراتها.
لذلك فان تحالف الحزب الشيوعي الجديد مع الحلو وعبدالواحد فيما بعد يتبنى ذات المواقف السياسية التي يعبر عنها بيان عمار امون.
بالرغم من ان بيان الحلو والشيوعي صيغ في (15) بنداً فان اهم ما فيه ذلك التفريق العجيب بين ما حدث في 11 ابريل 2019 الذي سماه بالانقلاب وبين الثورة التي اندلعت في ديسمبر 2018!
فقد قال البيان ان لائحة الحاضنة الجديدة (مجلس شركاء الفترة الانتقالية) تمثل تآمراً صريحاً على اهداف وشعارات ثورة ديسمبر ومفارقة صريحة (لنداء ثورة الشعب للتحول الديمقراطي) و (تقنين لسلطة جديدة منبثقة من انقلاب 11 ابريل 2019)!!؟
يقول البيان ذلك بالرغم من ان الحاضنة الجديدة مجازة من قبل المجلسين السيادي والوزاري وهما اعلى سلطة تشريعية في غياب المجلس التشريعي!
العجب العجاب ان بيان الحزب الشيوعي المتدثر خلف حركة الحلو يقول ان اللائحة تستهدف القضاء على الاهداف التي تعمل الحركة الشعبية (الحلو) لانجاحها والمتمثلة في :
(تفكيك النظام القديم وتصفية الاسلام السياسي وبناء السودان الجديد على اسس جديدة)
إذاً فان الحركة الشعبية تعمل لذات الاهداف القديمة التي ظل جون قرنق يعمل من اجل انفاذها واهمها اقامة مشروع السودان الجديد الذي يعني في تعريف قرنق (اعادة هيكلة الدولة السودانية Restructuring وانهاء النموذج الاسلامي)
ضحكت ملء شدقي ، ولكنه ضحك كالبكاء ، لسببين اولهما أن البيان يتحدث عن (ثورة الشعب من اجل التحول الديمقراطي) وهو الذي يسعى عبر جناحه العسكري (الحلو وعبدالواحد) لفرض العلمانية على شعب السودان المسلم حتى لو كان هؤلاء (الديمقراطيون) لا يمثلون الا واحد في المئة من الشعب السوداني!!!
ثانياً : يتحدث الشيوعي والحلو عن ثورة الشعب التي سرقت وكأن الشعب ثار من اجل اقامة نظام علماني يفصل الدين عن الدولة ويصفي ما سماه بالاسلام السياسي ولم ينتفض من اجل توفير العيش الكريم!!!
كان ذلك رأيي حول الهدف الاول لبيان الحلو وحليفه الحزب الشيوعي والبقية تحتاج الى مقالات اخرى ان كان في العمر بقية.
نصيحة صادقة ابذلها في الختام لمناوي وجبريل وبقية قيادات الجبهة الثورية : خذوا حذركم من الحزب الشيوعي الذي ظل من اكبر مسببات تعكير صفو الممارسة السياسية في السودان.
المصدر: الانتباهة أون لاين