استعادة حصانة السودان.. الخروج من (عنق الزجاجة)

في عملية متسارعة ومتوالية تمضي الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها بقيادة الرئيس دونالد ترامب في اتخاذ اجراءات إيجابية تجاه السودان، ويبدو أنّ (ترامب) قبل تسليم مفاتيح السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن في مطلع العام المقبل، يريد أن يحقّق ما وعد به السلطة الانتقالية في السودان، من خلال عمليات حوار وتفاوض استمر طويلاً بدأ في عهد النظام السابق، واكتملت حلقاتها عبر الحكومة الانتقالية التي وضعت التفاصيل النهائية المتمثلة في قضية إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد (27) عاماً، والحاقاً لذلك أجاز الكونغرس الأمريكي في وقت متأخر من مساء الإثنين الماضي،

وضمن قانون الاعتمادات المالية للمؤسسات الفيدرالية الأمريكية، أجاز التشريع الخاص باعتماد اتفاقية التسويات التي تم التوصل إليها بين حكومة السودان وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، في ما يتعلق بقضايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا والمدمرة كول، وهي خطوة ظلت الخرطوم تعاني منها منذ عام 1993م إثر إدراجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاستضافتها زعيم القاعدة وقتها أسامة بن لادن وعدداً من قادة التنظيمات المتطرفة.

وإن كانت الخطوة إجرائية نتيجة لإيفاء السودان بمطلوباتها وشروطها من خلال دفع حكومة السودان مبلغ (335) مليون دولار، إلا انها ايضاً واحداً من الإجراءات الرامية الى اعادة السودان إلى المنظومة الدولية، سيما في جانبها الاقتصادي، وهو ما أشار اليه وزير الخارجية عمر قمر الدين تعليقاً على ذلك بأن مصادقة الكونغرس على اعادة الحصانة السيادية للسودان خطوة اخرى في طريق العودة للمجتمع الدولي، وتقول وزارة العدل في توضيح لحيثيات القرار: (إن التشريع الذي تمت إجازته يوفر حماية شاملة للسودان ضد أية قضايا مستقبلية يمكن أن ترفع ضده بموجب قانون الإرهاب، إضافة إلى انه يشطب كل القضايا الأخرى المرفوعة ضد السودان، ومن بينها خمس قضايا رفعت هذا العام تتهم الحكومة السودانية السابقة بدعم حركة حماس في أعمال إرهابية تضرر منها مواطنون أمريكيون مقيمون في إسرائيل، فضلاً عن قضية أخرى قام برفعها في منتصف العام الحالي بحارة أمريكيون كانوا على متن المدمرة كول، ولكن لم يسبق لهم أن قاضوا السودان، ويطالبون كذلك بتعويضات من حكومة السودان).

وعلى الرغم من هذه الخطوة إلا ان السودان مواجه بقضايا أخرى تتمثل في ضحايا هجمات (11) سبتمبر، انطلاقاً من الاعتراض الذي قام به عضوان بالكونغرس، مما جعل هذا القانون منقوصاً، وهي إشارة تضمنتها وزارة العدل التي اشارت إلى أن النسخة الأولية التي تم تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي كانت تقضي بشطب جميع القضايا المرفوعة ضد السودان تحت قانون الإرهاب وتحويل القضايا المرفوعة على السودان في أحداث (11) سبتمبر 2001م التي بدأ رفعها ضد السودان منذ عام 2003م، لتكون بموجب (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب) المعروف اختصاراً ب (جاستا) الذي يمكن بموجبه مقاضاة أية دولة بما في ذلك الدول غير المدرجة في قائمة الإرهاب، إلا أن ذلك الأمر اصطدم بمعارضة قوية من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ مدفوعين باعتراضات محاميي أسر ضحايا (11) سبتمبر الذين رفضوا تحويل قضاياهم المرفوعة سلفاً ضد السودان إلى قانون (جاستا)، وبسبب ذلك قضى التشريع الذي تمت إجازته الآن باستمرار هذه القضايا وفق قانون الإرهاب، وليس قانون (جاستا) كما طلب السودان، وهي خطوة يعتبرها البعض محاولة لايجاد كروت ضغط على الخرطوم وفقاً للمحلل السياسي واستاذ العلاقات الدولية د. الرشيد محمد إبراهيم الذي يقول لـ (الإنتباهة): (إن موضوع الحصانة هو ورقة ضغط تمارسها الادارة الامريكية على الحكومة الانتقالية لتحقيق بعض المصالح)، منوهاً بأن واشنطون تتعامل مع السودان كنظام وليس دولة، بدليل ان الوضع في السودان ظل في قائمة الارهاب لفترة طويلة حتى بعد سقوط النظام السابق الذي كان السبب في ذلك، وأضاف قائلاً: (أتوقع ان تستمر علمية الابتزاز خاصة بعد القانون الجديد الذي يعتبر اخطر من الحصانة، وهو قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية)، فيما تقول الباحثة في الشأن الأميركي رنا أبتر إن ثمة توجهاً عاماً في الولايات المتحدة بغض النظر عن الإدارة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، يفيد بأن السودان مهم جداً للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية ومصالح الأمن القومي، وتضيف أبتر أن أوجه التعاون الأميركي السوداني ستشمل السياسة والاقتصاد والملفات الأمنية والعسكرية. ويرى عضو المجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركية ريتشارد شميرير، لـ (سكاي نيوز عربية) أن دفع تعويضات لضحايا الإرهاب سمح للسودان باستعادة بحصانته السيادية التي تعني عودة السودان لوضع اقتصادي طبيعي.

والنافذة الأكبر التي سيفتحها القانون الجديد تتمثل في إزالة القيود عن طريق معاملات السودان بحرية وبشكل طبيعي، إضافة إلى تلقي الدعم المالي من المؤسسات الامريكية والعالمية، وهو ما اشارت اليه وزارة العدل التي تقول إن التشريع يفتح من تاريخ سريانه فصاعداً المجال واسعاً وممتداً أمام السودان للتعاون الاقتصادي والمالي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى بكل حرية وطمأنينة ودون خوف أو خشية من تعرض أمواله وممتلكاته للمصادرة أو الحجز بسبب الأحكام القضائية ذات الصلة بالإرهاب، وعملياً اعتمد القانون مبلغ (931) مليون دولار مساعدات اقتصادية ثنائية مباشرة لدعم اقتصاد السودان، منها (700) مليون دولار مساهمة في تمويل برنامج الحكومة الخاص بتقديم الدعم المباشر للأسر وبرامج الرعاية الصحية، فضلاً عن مشروعات أخرى، إضافة إلى مبلغ (120) مليون دولار لدعم السودان في صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة مديونياته، بجانب (111) مليون دولار أخرى لمقابلة تكاليف إعادة هيكلة الديون السودانية، و (150) مليون دولار تعويضات للأفارقة الذين تضرروا في تفجيرات كينيا وتنزانيا وأصبحوا الآن مواطنين أمريكيين، وكانوا يطالبون بتعويضات إضافية من السودان، وبذلك تبلغ جملة المساعدات المباشرة وغير المباشرة المجازة مع هذا التشريع لصالح السودان (1.1) مليار دولار، وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار دولار الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخرات السودان المستحقة للبنك.

وبالطبع فإن صدى ذلك سيكون كبيراً على بلد يعاني من شظف العيش وندرة في احتياجاته الاساسية المتمثلة في الوقود والخبز والدواء. وهنا يقول مستشار حمدوك فايز الشيخ السليك: (إيماني الكبير بضرورة الاعتماد على انفسنا واستغلال مواردنا الذاتية، الا أن الحصول على مساعدات مالية في ظرفنا الحالي يعد أمراً ملحاً، كي نعبر الى مراحل الانتاج)، ونوه فايز بأن المساعدات المالية يمكن ان تعيدنا الى خطة مارشال التي قدمتها امريكا الى اوروبا لمساعدة القارة في اعادة تأهيل ما دمرته الحرب العالمية ومواجهة الكساد الاقتصادي، لتنطلق اوروبا بفضل تلك المساعدات، وأضاف قائلاً: (وهو ما نحتاجه اليوم في السودان بعد ان اصبح حال اقتصدنا كحال مريض في غرفة الانعاش يحتاج الى عناية عاجلة وتقديم دم ليضخ في شرايينه واوردته).

المصدر: الانتباهة أون لاين

Exit mobile version