وكأننا ناقصين ، يصر القراي والشيوعيون على نقل الصراع السياسي بل نقل الحروب الإثنية والقبلية وصراع ما سمي بالمركز والهامش ، يصرون على نقله الى اطفال السودان الذين لم تتجاوز اعمارهم الحادية عشرة!
جاء ذلك في كتاب التاريخ للصف السادس اساس الذي انقل لكم منه مقتطفات من وحدة (الهوية السودانية) وفقاً لرؤية واضعي ذلك المنهج الجديد :
ولقد ترتب على سيادة الثقافة العربية الاسلامية ان حكومات السودان المتعاقبة كانت تنحاز ضد الثقافات والمعتقدات والكيانات العرقية الأخرى ومن هنا جاءت قضية المركز والهامش حيث شعر الناس في اطراف السودان البعيدة عن العاصمة أن التنمية والخدمات والاهتمام مركز على المركز بينما الآخرين البعيدين عن العاصمة اصبحوا مهمشين وليس هناك اهتمام بقضاياهم ، ولقد ادت مطالبات الهامش بحقوقه الى الحروب الاهلية في السودان مثل الحرب بين الشمال والجنوب التي كان من اسباب اندلاعها ، بمجرد استقلال السودان ، مطالبة الاخوة الجنوبيين بحقهم في حكم السودان المستقل
هذا نموذج للافك الذي يحاول القراي ورفاقه الذين نصبوه في موقعه الخطير ، زرعه في نفوس وعقول وقلوب صغارنا وتلقينه لهم كالسم الزعاف حتى يجعلوا منهم قنابل موقوتة تديم محنة بلادنا المنكوبة بالاحن والضغائن والمرارات ، وارجو ان اعقب على ذلك القول بالاتي:
حتى اذا افترضنا أن هذه المعلومات الخاطئة صحيحة هل يجوز ان ترد في كتاب لدراسة التاريخ الذي ينبغي ان يقتصر على الوقائع التاريخية المؤكدة دون اخضاعها لاراء خلافية سيما وان تلك الاراء ليس مجمعاً عليها؟!
ثانياً : هل هذه القضايا تتناسب مع اعمار اطفال صغار ينبغي ان نحرص على جمعهم على مشتركات وطنية تعظم رموزنا الوطنية وعلى امجاد تاريخية كبرى لا خلاف حولها بدلاً من حشو ادمغتهم بما لا يتناسب مع اعمارهم الغضة ونفوسهم البريئة؟!
ثالثاً هل اندلعت حرب الجنوب بعد الاستقلال الذي حدث في يناير 1956 ام قبله وتحديداً في اغسطس 1955 في الحرب التي عرفت بتمرد توريت والتي اشتعلت في 13 مدينة ومركز في وقت واحد ، وهل تمرد الجنوبيون للمطالبة بحقهم في حكم السودان المستقل ام لاسباب اخرى يطول الحديث عنها سيما وان مؤتمر جوبا عام 1947 كان يطالب بالانفصال لكن السكرتير الاداري البريطاني جيمس روبرتسون قام بتزويره كما اعترف في مذكراته.
رابعاً هل كان من سماهم المؤلفون الذين خجلوا من ذكر اسمائهم في الكتاب ، ربما لاول مرة في التاريخ ، يجهلون حقيقة ان الحكومات المتعاقبة التي ذموها كانت احزابها الحاكمة منتخبة ممن سموهم بجماهير الهامش في شرق السودان وغربه واطرافه ، وهل يجهلون ان اولئك الحكام مدنيين وعسكريين قدموا من الاطراف البعيدة وهل يعلمون ان اطراف الخرطوم بها هامش لا يختلف عن الهوامش البعيدة ؟!
اعلم يقيناً ان كتاب المنهج المؤدلجون يعلمون أن التاريخ لا يخضع للايديولوجيا انما للوقائع المجردة ، ولكن ماذا نفعل مع من سيسوا العدالة والسلام والتعليم والتاريخ والجغرافيا بل والحريات بحيث يمنحونها لمن يحبون ويمنعونها ممن يبغضون واخشى ان يسيسوا الفيزياء والرياضيات والكيمياء ..اما القرآن الكريم او الدين الاسلامي فهذا في نظرهم مجرد افيون ينبغي ان يستأصل من الجذور ولذلك يستهدفون شريعته وشعائره ومبادئه من خلال اعدائه من بني علمان خاصة اولئك القادمين من وراء البحار.
نعم ، هناك حملة شعواء على الثقافة العربية الاسلامية وتبغيض لها للدرجة التي جعلت اولئك العنصريين الذين الفوا الكتاب يصرون بجهل فاضح على ذكر أن السودانيين الذين هاجروا للعمل في الخليج خاصة السعودية (عرفوا أن كثيراً من العرب الذين ينسبون انفسهم اليهم لا يعترفون بعروبتهم ويعتبرونهم افارقة لا يمكن ان يرتقوا الى مصاف العروبة فزاد ذلك من الوعي بالواقع والتصالح مع الهوية الافريقية)!!!
انحياز فاضح للافريقية والافريقانية وبغض حاقد للعربية يتوسلون باحاديث التسطيح للانتصار لحجتهم الداحضة ويفرضون ذلك على ادمغة اطفالنا الصغار!
يا سبحان الله ، هل هذا بالله عليكم منهج محايد للتعامل مع تاريخ يدرس لاطفال صغار ام حرب تشن على بعض مكونات بل وقبائل كبيرة في المجتمع السوداني يريد بعض الموتورين ان يوغروا صدور ابنائها من خلال رؤيتهم الفكرية القاصرة؟!
هؤلاء لا يفرقون بين (الهوية) و(الثقافة) .. على المستوى الشخصي اسعد بان اسمى (سوداني) كما تقول جنسيتي ، ولا اتحرج البتة في القول اني عربي وافريقي او افريقي عربي ، لاني كذلك ، وليس من حق احد ان يصنفني وفق قناعاته ولكن لا احد في الكون يستطيع ان ينفي حقيقة ان (الثقافة) وليس (الهوية) للشعب السوداني (عربية اسلامية) ، كون اللغة العربية هي التي يتحدثها ويتفاهم بها كل الشعب السوداني بل حتى النويراوي والدينكاوي والشلكاوي لا يتفاهمون الا باللغة العربية ،واذا اراد سلفاكير مخاطبة ابناء شعبه البسطاء لا يستخدم الا عربي جوبا.
إن من حق مؤلفي ذلك الكتاب الساذج ان يعتقدوا أن الثقافة العربية الاسلامية ليست سوى احد مكونات الواقع السوداني ، مساوين في ذلك بين العربية واللهجات المحلية حتى لو تحدثها مئة شخص ، وكذلك بين الاسلام والمسيحية التي لا يدين بها سوى واحد او اثنين في المئة من الشعب السوداني ، لكن ليس من حقهم فرض ذلك الراي الخاطئ على اطفال السودان كما ليس من حقهم ان يفرضوا علي أنا كأب ان أُخضع ابني لمنهجهم السخيف رغم خطئه الفاضح ولن اسمح لهم بتزوير الحقائق او فرض رؤيتهم على الثقافة العربية الاسلامية السائدة في السودان.
هؤلاء الاغبياء يشعلون نار الفتنة ويغضبون كثيراً من المكونات القبلية والمجموعات السكانية مثل قبيلة الجموعية ، احدى اكبر القبائل السودانية ، حين يكتبون عن احد صناع تاريخنا الوضيء والذي اسهم في اقامة اقدم دولة وحضارة اسلامية في السودان بالتحالف مع عمارة دنقس ،زعيم مملكة سنار ، فقد كتبوا بدون ان يطرف لهم جفن وبحقد قبيح عن الرجل العظيم :(يدعى عبدالله جماع) بينما يمجدون رجلاً قتل عشرات الالاف من شعب السودان وحاربنا في ديننا ولم يعد سودانيا ويصفونه بـ(الزعيم) بل ويستشهدون بقول هرف به باعتباره حكمة ينبغي ان ينتصح بها ويعمل بفحواها!
تخيلوا ايها الناس أن قضية الهوية التي لم تحسم بعد والتي يتداول الناس حولها ويطالب البعض بمناقشتها في مؤتمر دستوري ليفتي حولها ويخرج برؤية تعبر عن كل مكونات المجتمع السوداني حسمها وقرر بشأنها القراي وفرض رؤيته على تلاميذنا (من ورانا نحن الاباء) ومن وراء كل النخب والتنظيمات السياسية وما على المعلمين الا الامتثال لرؤية ذلك العبقري الاوحد وما على التلاميذ الا الاخذ بهذه الرؤية بحيث يحفظونها عن ظهر قلب والا فانهم معرضون للرسوب إن لم يلتزموا بالاجابة النموذجية المنشورة في كتاب القراي!
ولي عودة باذن الله.
المصدر: الانتباهة أون لاين