سهير عبد الرحيم تكتب: حينما تتحدث الجثة

هل أطلعتم على التقرير الصادر من هيئة الطب العدلي بوزارة الصحة حول  وفاة الشاب بهاء الدين نوري محمد ،  حسناً لقد استوقفتني في التقرير النقاط الأربعة الأساسية.

حيث جاء أنه و بناءً على طلب النيابة  بواسطة لجنة تم تكوينها من هيئة من ثلاثة أطباء فقد جاءت نتائج التقرير على النحوالتالي :
١/ وجود كدمات تحت فروة الرأس لم يتم إثباتها في التقرير الأول (ركزوا في كلمة التقرير الأول دي)
٢/ وجود تكدمات في جانبي الصدر لم يتم إثباتها في التقرير الأول.
٣/ ظفر الأصبع الكبير للقدم اليُسرى مُتكدم القاعدة و منزوع من مكانه الطبيعي.

وقد عزينا الوفاة في تقرير اللجنة إلى أنزفة المخ والتي بدورها نسبت إلى الإصابة بجسم صلب راض وليست مرضية كما ورد في التقرير الأول.

حسناً إنتهى التقرير ولأبداء حسن النية قررت أن أترك الخبز لخبازه  فسألت دكتور الكوباني كيف تبدأ بتشريح الجثة عادةً..
قال لي : ( التشريح عادةً يبدأ من الرأس ..ويتم فتح فروة الرأس وتسلخ عديل ويتم فحصها من الداخل..وعندها بكون عظمة الجمجمة قدام واضحة تنظفها وتشوف إذا كان فيها كسور وبعدين تفتحها بالمنشار عشان تفحص السحايا وهي الأغشية الحول المخ .. بعدين تفحص المخ بره وتفتحو من جوه..ومعاهو ساق المخ والنخاع..).

سألته هل تشاهد الكدمات بالعين المجردة ، قال لي هي بتكون واضحة و عبارة عن تجمعات دموية تكون في فروة الرأس و في عضلات الصدر و بتتشاف قدامك طوالي ومادايرة ليها تعب وتنتج غالباً بسبب الضرب بأجسام راضة زي الركل بالبوت أو الضرب بالعكاكيز.

لقد حاولت أن أبحث عن  سبب يجعل هذا الطبيب يكتب تقريراً مخالفاً للأمر الواقع  ، ولكني لم أجد سبباً  وقد صدق دكتور الكوباني بقوله  إن الجثة  تتحدث .

الحقيقة عزيزي القاريء أنه وفي كل قضية رأي عام  تتطلب تشريح جثة ناشط كانت الحسرة تعتصر قلبي و السودان  يفتقد مجهودات و علم و فراسة و ذكاء و نبوغ النطاسي البارع الدكتور علي الكوباني رد الله غربته و شفاه وعافاه من مرضه الأخير و ألبسه ثوب الصحة والعافية .

ولا أعتقد أن هنالك شخص لا يعرف الكوباني ولا يعرف أنه واحد من أقدم ضحايا النظام البائد والذي كان يشّرح و يثبت التعذيب و القتل في تقاريره في التسعينيات أيام بيوت الأشباح ، لم يرضخ للتهديدات و الوعيد وظل يرفض أن يضيع حق الأموات .

وكان يقول دوماً إن الجثث تتحدث مع الطبيب و تخبره كيف قتلت و كيف عُذبت و بأية آلة و تخبره بتوقيت الوفاة بالساعة و الدقيقة و الثانية  وقد ظل الرجل  ثابتاً على مواقفه إلى أن شردته الإنقاذ في  العام 1998م.

رحم الله الشاب  بهاء نوري و جعل قبره روضة من رياض الجنة و ألهم أهله و ذوويه الصبر وحسن العزاء.
خارج السور :
دكتور الكوباني … عد إلى وطنك … نحتاجك بشدة ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر.

المصدر: الانتباهة أون لاين

Exit mobile version