هل تتسبب لوحة مايكل انجلو في الإطاحة بالقراي؟

غضبة ضد القراي..
هل رسم (مايكل أنجلو) توقيعه الأخير على ورقة الإقالة ؟
خبير تربوي: إقالة القراي سوف تفتح الباب لأعداء الثورة للتحكم في كل قرارات الحكومة
الواثق كمير: اللوحة المعروضة في الكتاب لم تعُد هي لوحة مايكل أنجلو، بل هي نسخة مشوهة من إعداد المركز القومي للمناهج.

 

منذ أن جلس دكتور عمر القراي على مقعد مدير المركز القومي للمناهج في السودان، لم يسلم من الانتقاد وغضبة معارضيه حتى قبل أن يبدأ فعلياً في ممارسة وظيفته التي استجلبته الحكومة لها وبصفته الأكاديمية المتخصصة في المناهج التعليمية.

وربما ينطلق كافة معارضيه في المقام الأول استناداً على خلفية القراي السياسية بإنتمائه للحزب الجمهوري الذي أسسه المفكر محمود محمد طه قبل أن يتم إعدامه في عهد الراحل جعفر نميري في منتصف الثمانينات.

وبالطبع يقف جمهور عريض من المتشددين دينياً وخلفهم كثير من الذين يعارضون الفكر الجمهوري ضد وجود القراي في منصب يعتبره غالبية السودانيين بأنه منصباً حساساً لأنه يرتبط ارتباط مباشر بالتربية والتعليم التي قطعاً هي ذات الأثر الأول والمباشر في التنشئة. وتم ربط الجدل الأخير الخاص بإرفاق لوحة الفنان مايكل أنجلو (خلق آدم) في كتاب التاريخ للفصل السادس أساس، بإستعار حملة مناهضة ضد القراي باعتبار أنه صاحب القرار، وتم توظيف الحملة ضد القراي من منطلقات دينية وفقهية تطعن في (نوايا) القراي على أساس أنها ضد ثوابت الإسلام وممسكات المجتمع السوداني.

 

نبأ الإقالة
أعلنت وسائل إعلام سودانية، أمس الأحد، إقالة مدير المناهج والبحث التربوي عمر القراي، من منصبه، بعد موجة انتقادات، صاحبت وضع المناهج الجديدة في البلاد. وقالت، إن مجلسي السيادة والوزراء، صادقا على إقالة القراي من منصبه، بعد جدل حول تصوير الذات الإلهية في منهج التاريخ للصف السادس أساسي، ورفضت شريحة واسعة من السودانيين للمناهج الجديدة.

وأثارت التعديلات على المناهج جدلًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وأجهزة الإعلام والمساجد في السودان، وتناول معلقون صورًا، قالوا إنها للذات الإلهية، وردت في منهجي التربية الإسلامية والتاريخ (لوحة ”خلق آدم“ لمايكل أنجلو)، وتصوير (يوم القيامة) وسط موجة انتقادات شعبية ورسمية، بينما دافع مدير المناهج ومناصروه عن المناهج في شكلها الجديد.

واعتبر كثير من رواد منصات التواصل الاجتماعي في السودان أن القراي أخطأ خطأ كبيراً في إصراره على وجود لوحة الفنان مايكل أنجلو ضمن مقرر كتاب التاريخ لتلاميذ صغار، وأنه بهذا الإصرار تمت الإساءة غير المباشرة للثورة وأهدافها التغييرية، وأن القراي يريد فرض رؤية أوحادية على السودانيين، بل ذهب كثير من نشطاء مواقع التواصل للمطالبة بإقالته حفاظاً على ما وصفوه قدسية العقيدة. وكانت صحيفة (السوداني) الصادرة في الخرطوم أمس، قالت على لسان مصادر أن عدداً من المسؤولين بمجلس الوزراء، يدفعون في اتجاهات إقالة مدير المناهج بوزارة التربية والتعليم د. عمر القراي، من منصبه.

 

وقالت مصادر (السوداني)، إنه سبق أن ذات المسؤولين طالبوا بإقالته، نسبة لخروجه من حدود صلاحياته وظهوره المتكرر على وسائل الإعلام، وإثارته للجدل. إلا أن وزير التربية والتعليم تمسك به. وتم توجيه القراي للالتزام بحدود عمله وعدم الظهور بوسائل الإعلام بصورة دورية. إلا أن القراي لم يلتزم بالتوجيهات.

 

ملاحظات “كمير”
الجدل حول لوحة الفنان انجلو ودفوعات القراي عن إدراجها ضمن المنهج التربوي لطلاب الفصل السادس أساس، لم يثير حفيظة نشطاء الفيس بوك أو خطباء منابر المساجد وحسب، بل تمدد حتى ألهم كثير من كتاب الرأي والمفكرين، ودون الكتاب والمفكر السياسي الواثق كمير عدة ملاحظات حول هذا الأمر حيث، قال: الملاحظة الأولى: ما كان للقراي أن يُدخل نفسه في هذه المعرِكة باختيار وضع هذه اللوحة المُثيرة للجدال، فنقرة واحدة على مُحرك قوقل تنقلك إلى وثائق ومجلدات تُنبئك بتفسيرات اللوحة وحمولتها الدينية المتصلة بخلق الإنسان. ذلك، خاصة وهو يدرك أنه ومنذ تعيينه مديراً للمركز القومي للمناهج أثار جدلاً واسعاً بعد اعتراض بعض الجهات لتسنمه هذا الموقع، مما أشعل معارك إعلامية على الورق والأسافير. ماذا كان سيتغير إن وضِعت لوحة أخرى للفنان مايكل أنجلو تعبر أيضاً عن الفنون في نفس العصر؟ فلمايكل أنجلو عدد مهول من اللوحات المرسومة والنحوت الجدارية الخالدة، وأي من هذه الأعمال يكفي لتوصيل الرسالة للتلاميذ. ذلك، طالما أن فكرة د. القراي ولجنة المناهج تتلخص في عرض نماذج وأمثلة من مختلف أنواع الفنون التي انتعشت في عصر النهضة الأوربية، والتحول من العصور الوسطى إلى عصر الحداثة. أما الملاحظة الثانية: فى مرافعته ضد مُتهِميه بأن لوحة “خلق الله” تحوي صورة للذات الإلهية، يدحض د. القراي هذه التهمة بحجة أن هذه الصورة ليست للإله، وقال كمير حقيقة، لم أجد هذا المنطق مستساقاً ولا ينسجم مع جوهر أطروحة المركز القومي للمناهج وفكرة تعريف التلاميذ بتطور العصور والحضارات الإنسانية.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل فعلاً من المُجدي تربوياً أن نعرض على التلاميذ في هذه السن المبكرة نموذجاً لفن الرسم أو النحت على مثل هذه اللوحة المُعقدة؟ وهل لهم القُدرة على استيعاب فكرة مايكل أنجلو عن الخلق؟ في سياق محاولته لإثبات صحة موقفه من وضع هذه اللوحة في كتاب منهج التاريخ، استعرض د. القراي عددٍ من الشواهد على أن نفس اللوحة موجودة في كثير من كتب الفنون. وللمفارقة، اشتشهد د. القراي، ضمن استعراضه هذا، بالجامعة الإسلامية حيث تُدرس هذه اللوحة ويتناقش الطلاب مع الأساتذة حول تفاصيلها.

 

فهل يضع د. القراي تلميذ الصف السادس الابتدائي مع طالب الجامعة في مرتبة واحدة، وعلى نفس المستوى من الإدراك والمعرِفة؟ في رأيي، أن منظور د. القراي غير سليم. وأضاف كمير أن ثالث الملاحظات، وربما الأهم، في رده على هذه التهمة، حول د. القراي نفسه مدعياً للإتهام ضد مهاجميه بأنهم هم من قاموا بالتزوير بعرضهم لصورة ليست هي الصورة المُلحقة بالكتاب. فقال بالحرف “وفي ناس طلعوا من الإنترنيت الصورة “الأصلية” المُعلقة على سقف كنيسة الفاتيكان، وزعوها للناس على أساس إنو دي الصورة في الكتاب. لكن لأنو نحن عارفين إنو ده “كلام تعليمي، قطعنا الصورة من النص”. ويواصل د. القراي: “فما جبنا فيها حاجة خليعة زي ما كتبوا في وسائل التواصل الاجتماعي قالوا إنو في صورة خليعة في الكتاب”. شاهدت واستمعت جيداً للمؤتمر الصحفي كاملاً، وصُدمت بالمنطق الذي ساقه د. القراي وأفزعني تعبير “القطع” الذي يُضرس السامع في سياق الحديث عن الفنون والرسوم. ما أقدمت عليه لجنة المناهج، وبصم مدير المركز عليه، هو “إعادة تحرير” لصورة، مبثوثة على الإنترنيت، دون واعز أدبي في زمنٍ تسود فيه معاني الملكية الفكرية. تحصلت على نسخة إلكترونية من كتاب التاريخ للصف السادس الإبتدائي، واكتشفت أن الصورة ليست بمقطوعة “من النص”، كما صرح د. القراي، بمعنى منتصف الصورة، إنما الجزء الذي تم قَصه هو الذي يُظهِرُ العضو التناسلي، والجزء الأسفل لبطن الرجل غير الملتحي (آدم). وهذا بالضبط ما قصده د. القراي بالصورة الخليعة بحسب أقوال مُتهميه. من الناحية المهنية والفنية، يبدو أن د. القراي يُركز النظر على الشجرة بينما يغفلُ عن الغابة، وذلك باقتطاع هذا الجزء من الصورة الذي بدونه لا تكتمل اللوحة (ِالغابة) كما تخيلها وأرادها الفنان ورسمها بِفُرشاه. إن هذه اللوحة المعروضة في الكتاب كنموذج فني للرسم في عصر النهضة لم تعُد هي لوحة مايكل أنجلو، بل هي نسخة مشوهة من إعداد المركز القومي للمناهج. فهل يصِحُ هذا؟ فمن المعروف، أن مايكل أنجلو كان يعتبِرُ أن جسد الإنسان العاري هو الموضوع الأساسي في الفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات.

أهل الخبرة
دافع الخبير التربوي معز أبوالزين عن دكتور القراي ، قائلاً لـ(الجريدة) أن القراي يتعرض لحملة شعواء لم يكن أساسها اختلاف حول طبيعة المنهج أو المتغيرات التي طرأت عليه وحسب، بل أن أساس الحملة يستهدف مضمون التغيير والشعارات التي جاءت بها ثورة ديسمبر نفسها، وأشار أبوالزين أن المخرج من حالة الانقسام الذي بدأ يتمظهر في المجتمع السوداني بموجب الجدل الذي أحدثه القراي، يمكن أن ينتهي في حال تقدم القراي بإستقالته كمدير للمناهج وأن لا يفتح الباب للحكومة باللجوء إلى إقالته مثلما فعلت مع دكتور أكرم التوم وزير الصحة الاتحادية، ولأن ذلك الأمر يضعف الحكومة ويضعها في حالة استجابة دائمة ومتكررة لضغوطات الحملات الممنهجة ضد وزرائها ومسؤوليها ، ومما يصب في مصلحة أعداء الثورة عموماً، بل يفتح الباب لإعداء الثورة للتحكم في كل قرارات الحكومة. وأضاف أبوالزين بأن المناهج ووضعها ورسمها يحتاج لأهل الخبرة عموماً وينبغي أن يتم فيه تحري الدقة والتشاور الواسع، حتى لا يصبح عرضة لـ(الرجرجة والدهماء) على حد قوله تأثيراً أو حذفاً أو إلغاء، ونوه أبوالزين للخطورة التي يلعبها الخطاب الديني في منابر المساجد للتدخل في عمل الخبراء والتربويين

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.