هل يصدر السودان عملة جديدة لإيقاف تدهور اقتصاده؟

فتح التدهور المستمر لقيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار، الذي بلغ في السوق الموازية حوالى 300 جنيه، مقابل 55 في البنوك الرسمية، حواراً ونقاشاً مستفيضاً في المنابر المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، للتوصل إلى وصفة ناجعة توقف النزيف المتواصل لاقتصاد البلاد، ومن بينها إصدار عملة جديدة، في ظل تداول أكثر من 90 في المئة من الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي.

يشير أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية الدكتور عبد العظيم المهل، إلى أن “إصدار عملة سودانية جديدة يعتبر جزء من الحل للوصول إلى الإصلاح الاقتصادي وإيقاف التدهور، لكن الحل الكلي يحتاج إلى حزمة إجراءات خاصة بالسياسات النقدية لإصلاحها بالكامل”.

ودعا المهل إلى “حوسبة كاملة للنظم النقدية من خلال الانتقال إلى نظام الدفع الإلكتروني ليشمل كل أنحاء السودان، إذ إنها تمنع من بين أشياء أخرى تزوير العملة، كما تقيد عملاء المصارف باتباع الأنظمة الإلكترونية في تعاملاتهم المختلفة، والتحكم في عمليات السحب اليومي بوضع حد أعلى، ما يتيح معرفة اتجاهات الأموال وأماكن تداولها”.

أنشطة ممنوعة

وتقدر الكتلة النقدية داخل البنوك السودانية بصورة شرعية بأقل من 20 في المئة، وفق المهل، فيما تقدر نسبة اقتصاد الظل بأكثر من 65 في المئة، وهو ما يعني ممارسة أنشطة غير شرعية لا تتقيد بدفع ضرائب للدولة أو تراخيص وسجلات قانونية، بالتالي تكون السياسات النقدية مبنية على معلومات غير دقيقة.

وأشار إلى أن “جمود الاقتصاد من أهم مشاكل السودان، إذ إن غالبية الكتلة النقدية تعمل في أنشطة ممنوعة ولا تلتزم بأولويات الدولة، بخاصة في جانب الاستيراد. فقد تكون هناك حاجة لسلع ضرورية مثل الأدوية والمحروقات والدقيق، لكن نجد الأسواق تعج بمنتجات تجميل منتهية الصلاحية وألعاب وملابس وأثاث مستورد، كما أصبح الدولار سلعة نظراً لعدم استقرار السياسات الاقتصادية”.

ويرجع المهل سبب ذلك إلى أن “الدولة في عهد النظام السابق خصخصت جميع شركات القطاع العام وأصبحت بلا موارد، لذلك لا بد من إعادة تلك الشركات المنتجة إلى حضن الدولة، مثل مؤسسات الصمغ العربي والقطن والثروة الحيوانية والحبوب الزيتية والتعدين”، موضحاً أن تصدير هذه المنتجات إلى الأسواق الخارجية “يضمن ايرادات لخزينة الدولة عبر النظام المصرفي، وبالتالي يستفاد منها في تمويل احتياجات البلاد من الوقود والدقيق والدواء”.

وطالب السلطات بخلق حلول وابتكارات ومبادرات جديدة تؤمن عوائد لها من العملات الصعبة، عبر مشاريع منتجة للشباب في قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين بشرط توريد الصادر مباشرة إلى البنوك السودانية. ودعا إلى “وضع سياسات تحفيزية لجذب تحويلات ومدخرات المغتربين السودانيين التي تقدر بنحو 20 مليار دولار عبر مشاريع حقيقية في مجالات الزراعة والخدمات والصناعة”.

زيادة الفروع

من جانبه، يؤكد الاقتصادي السوداني حسن السنوسي، أن “تغيير العملة يتيح للمسؤولين عن صناعة السياسة النقدية فرصة لتقييم الوضع النقدي بشكل أفضل، والتحكم في السياسة المصرفية بطريقة إحترافية ومنهجية. فما يحدث في بلادنا من ناحية الاحتفاظ بالنقد خارج النظام المصرفي يعد ظاهرة غير موجودة في العالم، لأن كل البنوك في دول العالم المختلفة تتحكم في الكتلة النقدية، لكن في المجتمع السوداني نجد أن ما يسمى بمؤشر الشمول المالي تبلغ نسبته 18 في المئة، ما يعني أن باقي الجمهور لا يتعامل مع البنوك، وهو يعكس مدى التخلف لدينا إذ يبلغ هذا المؤشر في كثير من الدول نسبة 100 في المئة”.

ودعا السنوسي بنك السودان المركزي إلى مراجعة سياساته النقدية لمعالجة التشوهات الناتجة عن الممارسات المضرة باقتصاد البلاد، والعمل على زيادة وانتشار دائرة الفروع لكل المصارف لتكون موجود في كل المناطق ذات الكثافة الإنتاجية مثل مناطق التعدين الأهلي والقطاعات المهنية الغنية والأسواق الكبيرة، وغيرها من أماكن انتشار العمالة والأنشطة الاقتصادية، وذلك للحد من ظاهرة تداول النقد خارج نطاق النظام المصرفي.

مضاربات وتهريب

تابع، “وفق تصريح وزيرة المالية، يكلف إصدار عملة جديدة مبلغ 600 مليون دولار تشمل الطباعة وإدارة العملية. وفي نظري أنه في ظل الظروف الحالية التي يمر بها اقتصادنا الوطني، فإن هذا المبلغ يفضل توجيهه في متطلبات أخرى كالوقود والدقيق”، داعياً البنك المركزي إلى “التعجيل بتشكيل لجنة من الخبراء لتقييم الوضع العام، ومراجعة السياسات المتبعة، حتى تكون المعالجة كلية وجذرية”.

ويلفت الاقتصادي السوداني إلى أن معظم الأموال التي بحوزة المواطنين تستخدم في أنشطة غير منظمة كالمضاربة في العقار والأراضي والعملات وتهريب الذهب والمحروقات إلى دول الجوار وغسيل الأموال وتجارة السلاح وتهريبه، وهذه ممارسات تضر باقتصاد البلد ومصالح المواطن، وتخلق نوعاً من الطبقية داخل المجتمع.

عملية حسابية

في المقابل، يوضح الباحث الاقتصادي السوداني هيثم محمد فتحي، “الاتجاه إلى طباعة العملة الجديدة تحكمه عملية حسابية اقتصادية تراعي معدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات المنتجة داخل الدولة، والذي يتمثل في نسبة التضخم ومعدل النمو الاقتصادي المتحقق، وتتم عملية الطباعة للعملة على ضوء حساب حجم المتداول داخل الاقتصاد”.

ويقول إن الطباعة قد تهدف إلى “القضاء على ما يطلق عليه بالمال الأسود، المُحصل من عمليات غير شرعية”، مشيراً إلى أن ذلك “يتطلب طباعة أوراق نقدية ذات الأحجام الكبيرة حتى لا يتأثر سلباً معدل النمو الاقتصادي، ولا بد أن يسبق قرار إصدار العملة الجديدة التحضير له عملياً بخطة واضحة المعالم لاحتواء كافة الأموال المتداولة في السوق الموازية واستعادة جميع الأموال الموجودة خارج النظام المصرفي”.

ويضيف “تغيير العملة يسهم في استعادة الجنيه السوداني مكانته في المعاملات المالية وحماية القدرة الشرائية للمواطن مع خفض كمية النقد المتداول، على أن تكون العملة الجديدة أكثر متانة وقوة ضد التزييف الشائع جداً حالياً، باعتراف السلطات الرسمية نفسها”

وقال إن عملية تغيير العملة، الضرورية لإصلاح الاقتصاد، عليها أن تراعي عدم “تأثر أصحاب الأموال الذين يمتلكون حسابات جارية أو نشاطاً اقتصادياً قانونياً، وأن لا يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي”.

إندبندنت

Exit mobile version