زهير السراج يكتب : بهلوانات أم حكام !

  • تساءلت بعد تشكيل الحكومة وهياكل السلطة الانتقالية قبل حوالي عام ونصف عن سبب التهافت من أعضاء المجلس السيادي والوزراء على الحوارات التلفزيونية قبل أن يدخلوا مكاتبهم و(يفهموا الحاصل شنو) .. وكانت ظاهرة لافتة للانتباه آنذاك بشكل يثير الحيرة والاستغراب، ثم صمتوا صمت القبور عندما كان الظرف يستدعي الحديث الى الرأي العام حول الكثير من القضايا واسباب الأزمات!
  • أذكر وقتها أن خمسة وزراء تحدثوا الى (قناة الجزيرة) وأجهزة الاعلام الأجنبية قبل ان يروا مكاتبهم ويفهموا ماذا يجري، وبعضهم قبل أداء القسم، وأدلوا بآرائهم الشخصية بدون التعرف على الموجهات الجديدة للدولة، أو صدور الموجهات التي يجب أن يلتزم بها جميع الوزراء والمسؤولين وأجهزة الدولة حتى لا يحدث تضارب في المواقف والسياسات خاصة ونحن في بداية مرحلة جديدة لا بد ان يكون فيها العمل بناءً على رؤية واضحة وموحدة لكل مؤسسات الدولة انطلاقاً من الوثيقة الدستورية والاتفاق السياسي، (موش كل واحد يقول أي كلام ويعمل أي حاجة علي كيفه)، ويدلي برأي شخصي لا ينسجم مع السياسة العامة، ويدخلنا في مشكلة، ويثير الكثير من الضجة حتى قبل ان يتسلم مهام منصبه ويعرف ما يدور حوله!

  • ولم يقتصر التهافت على اجهزة الاعلام على الوزراء فقط، بل ظهر اربعة اعضاء في مجلس السيادة (حتة واحدة) مع مذيع في قناة الجزيرة وهو يوزع عليهم الاسئلة بالدور مثل أي تلاميذ في مدرسة أولية، وخلطوا في ردودهم بين العمل التنفيذي الذي تختص به الحكومة والعمل السيادي الذي يقومون به، ما يؤكد عدم استيعابهم لسلطاتهم ومهامهم بعد، الأمر الذي كان يحتم عليهم أن يتريثوا في الاستجابة لطلبات الحديث مع أجهزة الاعلام حتى يستوعبوا دورهم، ويعرفوا قدر الموقع الذي يتحدثون منه !!

  • مجلس السيادة هو رأس الدولة (مثل الملك في الملكيات الدستورية)، وليس اتحاد طلاب أو اتحاد فنانين أو جمعية خيرية (مع اعتذاري لكل هؤلاء) حتى يضعهم مذيع (بالجملة) أمامه ويوزع عليهم الاسئلة بالدور، ليجيبوا عليها كما يريد.. ونصحتهم بالهدوء وقراءة الوثيقة الدستورية وأن يعرفوا قدرهم الرفيع ودورهم قبل ان يوافقوا على الحديث لأي جهاز اعلامي أو مذيع يطرق أبواب مكاتبهم .. فهم رمز الدولة وعنوان الشعب المعلم وثورته المجيدة، وليسو أعضاء اتحاد طلاب أو جمعية تعاونية أو جمعية خيرية لأحد الاحياء !

  • كما ان الثورة ليست ظاهرة صوتية رفع فيها الناس أصواتهم بالهتاف ضد النظام البائد وهم جالسون في بيوتهم، ولكنها كانت عملاً عظيماً.. تجلى فيه التنظيم المثالي، والروح الثورية في أعلى قممها، والتآزر والوحدة، والمظاهرات السلمية الحضارية، والاعتصام المهيب، والشجاعة والإقدام، ونكران الذات وتقديم أغلى التضحيات.. وهو ما نريد لحكومتنا وجميع أجهزة الحكم أن تحذو حذوه، وتقتدي به وتضعه نصب عينها، حتى نتقدم الى الامام ونثبت لأنفسنا وللعالم جدارتنا بالثورة العظيمة التي بهرت الجميع!

  • تحدثنا كثيراً عن الفوضى والاخطاء والظواهر الغريبة والتهريج والصمت المريب ولكن لم يستمع أحد، واعْتَقد الجميع على كافة المستويات انهم لا يمثلون المؤسسية أو الشعب وإنما يمثلون أنفسهم، يهرجون بالحديث عندما يريدون، ويطبقون أفواههم عندما يجب أن يخاطبوا الناس، وظلوا يفعلون ما بدا لهم بدون أن يعرف أحد ماذا (يُهببون)، ولم يكن غريباً ان تكون النتيجة هي الفشل واستفحال الازمات واشتداد الضيق والغضب وخروج الناس الى الشوارع!

  • نريد مسؤولين في مجلس السيادة وفي مجلس الوزراء وفي كل مؤسسات الدولة، يفهمون أنهم موظفون لدى الشعب، يدركون حدود مسؤولياتهم وسلطاتهم، يعملون بجد واخلاص، لا يهرجون ويتحدثون كما يريدون، ولا يصمتون عندما يكون الحديث فرض عين .. وعندما يخطئون أو يحسون بالعجز تكون لديهم شجاعة الاعتراف بالخطأ والعجز والتنحي لغيرهم.. هؤلاء هم من نريد، وليس البهلوانات والمهرجين والباحثين عن المصلحة والمجد الشخصي!

صحيفة الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.