مصنع كيماويات إسرائيلي بالسودان.. ما الدلالات والتداعيات؟

حددت إسرائيل 4 مصالح أساسية واضحة للتطبيع مع السودان تتلخص في الأمن والهجرة والسياحة والزراعة، وتطمح تحقيقها، من خلال الاستثمار بهذا البلد الذي يتشارك حدوديا مع 7 دول أفريقية، وربطه بالطرق. ويستخدم ميناء بورتسودان لإيصال المنتجات الزراعية، في وقت وصفت تل أبيب السودان بأنه “سلة غذائية” للقارة الأفريقية.

وأظهرت التجارب أن تل أبيب دأبت على إفساد “السلة الغذائية” الأفريقية والموارد الطبيعية لبعض الدول العربية وخاصة المُطبعة.

فثمة تقارير أشارت إلى أن الأسمدة والمبيدات التي استخدمتها إسرائيل في مصر كانت مسرطنة وأصابت في مقتل صادرات هذا البلد المميزة من البطاطس والفراولة لأوروبا والشرق الأوسط، حيث سربت إسرائيل معلومات أدت لحظر الصادرات الزراعية المصرية مما أثر على الاقتصاد المصري.

وخلافا للتجربة المصرية، تسابق تل أبيب الزمن للهيمنة على مقدرات الخرطوم، وهو ما تجلى بزيارة وزير المخابرات الإسرائيلية، إيلي كوهين، للسودان، مؤخرا، والذي كشف عن المصالح والأطماع الإسرائيلية، عبر الاستثمار بالقطاعات التجارية والصناعية والزراعية، وإنشاء مصنع للأسمدة والكيماويات بالخرطوم، ليكون أول مصنع إسرائيلي يقام بدولة عربية أو إسلامية.

التوغل بالسودان

تنظر تل أبيب إلى الخرطوم على أنها بوابة إسرائيل إلى أفريقيا، عدا الأطماع باستغلال الموارد الزراعية والطبيعية لتوسيع نشاط الشركات الإسرائيلية في القارة، ولتضع موطئ قدم لها بأفريقيا وعلى البحر الأحمر، لمنافسة أي محاولات استثمارية للسعودية ومواجهة النفوذ والاستثمار التركي.

وتطمع الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال اليهود التوغل بالسودان، من خلال الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والصحة والطيران والزراعة، حيث تشجع المؤسسة الإسرائيلية -ولإحكام سيطرتها على السودان- الشركات اليهودية على تنفيذ هذه المشاريع من قبل مبادرات وشركات قطاع التجارة والأعمال الخاصة.

وتجلت الخطوة الإسرائيلية الأولى، لوضع موطئ قدم بالسودان، بإعلان شركة داشان لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية استعدادها لتمويل كامل واستثمار بنسبة 100%، لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم.

المنظور الإسرائيلي

وللإمعان في السيطرة على خيرات وموارد السودان، تتطلع إسرائيل لانتداب وفودها وبعثاتها المختصة إلى الخرطوم بغية تحديد الطرق الممكنة للهيمنة على الثروة الحيوانية والزراعية وتربية الأبقار والمواشي، ووضع اليد على هذا القطاع الذي يتميز به السودان، ليكون تحت وطأة الشركات الإسرائيلية التي ستستغل موارد السودان لمضاعفة الأرباح والتوغل بالقارة الأفريقية.

وبافتراض حدوث توغل إسرائيلي بالسودان اقتصاديا وتجاريا، فإن الخرطوم من وجهة نظر تل أبيب، وفق الصحافي الإسرائيلي، المختص بالاقتصاد داني زاكين “قصة مختلفة تماما عن دول الخليج. فالصناعة الرئيسية في السودان، هي الزراعة في حوض النيل الذي يمر عبر السودان، وعلى طول الطريق ذي الاتجاهين من إثيوبيا وكينيا في الجنوب إلى مصر، توجد مناطق زراعية ضخمة، إذ من المحتمل أن تكون المياه والتربة الخصبة القادمة من الجبال الإثيوبية حظيرة حبوب وسلة غذائية في أفريقيا تتحكم بها إسرائيل.

وبحسب الصحافي الإسرائيلي، فإن وجود تل أبيب سينافس أي مبادرات للسعودية وأي محاولات لتركيا للاستثمار في السودان، لتكون الهيمنة التجارية والاقتصادية في المكان مستقبلا لإسرائيل.

احتياجات الأرض

وطبقا للمدير التنفيذي لشركة الكيماويات الزراعية التابعة لمجموعة “سي تي سي” الاقتصادية بالسودان، خالد أمين عبد اللطيف، فإن البلاد في حاجة الآن ووفقا للمساحات المزروعة “40 مليون فدان” إلى مليوني طن من الأسمدة، قابلة للزيادة حال التوسع في فلاحة الأراضي.

ويقول عبد اللطيف للجزيرة نت إن الاستثمار في صناعة الأسمدة قطعا سيكون ذا جدوى، شريطة ضمان أن يكون المصنع المراد تشييده روعي فيه ميزة تفضيلية فيما يلي التكنولوجيا المتطورة.

ويرى أن السودان متأخر للغاية في مجال الأسمدة، إذ إن الزراعة تعتمد على التقاوي والمبيدات، والأسمدة التي لا تتعدى كمياتها المستوردة حوالي 300 ألف طن، بفاتورة لا تتجاوز 150 مليونا إلى مئتي مليون دولار.

ويوضح المدير التنفيذي في مجموعة “سي تي سي” أن التوصيات الخاصة بالاتحاد الأفريقي في مجال الزراعة توصي بكمية تبلغ في المتوسط 50 كيلوغراما من السماد للفدان الواحد، لكن متوسط استخدامه بالسودان حوالي 8 كيلوغرامات فقط للفدان الواحد.

ويتابع “إذا توفرت الأسمدة فستحدث نقلة لأن إنتاج الفدان المسمّد من الذرة مثلا يمكن أن يصل إلى 11 جوالا في حين لا يتعدى إنتاج الفدان بدون سماد جوالين فقط رغم أن الفدانين في نفس الأرض وكمية المطر”.

ويشير عبد اللطيف إلى أن غالب استخدام السودان من الأسمدة النيتروجينية التي تنحصر في سمادي “اليوريا والداب” بنسبة 98% مقابل استخدام بسيط للسماد الكيماوي (NPK) المكون من 3 عناصر “النيتروجين والفسفور والبوتاسيوم”.

تجلت الخطوة الإسرائيلية الأولى لوضع موطئ قدم بالسودان بإعلان “داشان” استعدادها لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم (مواقع التواصل)
الخطط الإسرائيلية
لكن في ظل تكشف الأطماع الإسرائيلية بالموارد الطبيعية، ينظر بدر الدين حسين علي المدير التنفيذي للقوى الشعبية لمقاومة التطبيع بالسودان بريبة لخطط إسرائيل لإدارة مصالحها مع الخرطوم مما يتطلب منه، متسائلا: لماذا تبدأ إسرائيل تعاونها بالزراعة؟

في إجابته عن هذا السؤال، يقول علي للجزيرة نت إن مساهمة الزراعة في الناتج الإجمالي لإسرائيل 2.5% في حين الأراضي الصالحة للزراعة تقدر بـ 20%، لكنها شبه مكتفية من المنتجات الزراعية بنسبة 95%، مما يؤكد أنها متميزة في التقانة الزراعية، وهو ما يطرح سؤالا عن سر اتجاهها للاستثمار بالأسمدة بدلا عن التقانة الزراعية.

ويرى أن تجارب الدول المُطبعة مع إسرائيل غير مبشرة لجهة أن تل أبيب في مصر قضت على سلالات القطن المصري بإدخالها القطن المحور، كما استصلحت الأراضي وروتها بمياه الصرف الصحي واستخدمت أسمدة إسرائيلية ضارة.

ويقول المدير التنفيذي السوداني لمقاومة التطبيع إن إسرائيل طرحت منتجات ملوثة ورخيصة أغرقت السوق الأردني، مما أثر على المنتجين المحليين وتراجع الإنتاج الزراعي واضطر المملكة لخفض واردات إسرائيل لحماية المنتج المحلي.

ويشير إلى أن إسرائيل أواخر 2020 دمرت أراضي زراعية فلسطينية على الشريط الأمني، بعد إغراقها بمياه ومبيدات سامة لتهجير المزارعين والتأثير على الأمن الغذائي في قطاع غزة.

الاكتفاء الذاتي

يقول المدير التنفيذي لقوى مقاومة التطبيع إن إسرائيل تورطت سابقا في تسرب أسمدة غير شرعية في اليمن، اتضح بعد الفحص أنها مسرطنة، وذات تأثير عال على الجهاز العصبي والكلى والكبد.

ورأى علي أن إسرائيل ستتجه إلى الزراعة بالسودان في خطين، أولهما محاولة توقيع عقود طويلة الأجل لاستصلاح واستغلال الأراضي بشروط جزائية صعبة لتشكل ضغطا على الأمن القومي المصري جنوبا، وربما تقحم نفسها شريكا رابعا في قضية سد النهضة، وأن يكون لها مستقبلا حصة من مياه النيل.

وينصح حكومة الخرطوم بأن تتدارك ما يعتبره مؤشرا خطيرا يتعلق بنوايا إسرائيل إنشاء مصنع للأسمدة بالسودان، في وقت لا تصدر تقاناتها الزراعية التي مكنتها من الاكتفاء الذاتي من أراض زراعية محدودة.

المصدر : الجزيرة

Exit mobile version