مستشفيات الخرطوم.. الــمــــوت السريري (1)

الخوف أصبح هو السمة البارزة وحتى المعافى أصبح لا يحمد الله على نعمة العافية التي يتمتع بها لحظته لأنه يخشى أن يفقدها في غده ولا يجد الدواء ، أما المرضى خاصةً أصحاب الأمراض المستعصية فقد باتت هواجس الموت ترفرف أمام أعينهم خوفاً من تدهور أوضاعهم الصحية في ظل إنعدام  شبه تام للدواء والرعاية الصحية والخدمات البائسة عبر نظام  صحي منهار تماماً مصحوباً بإجراءات مالية وجهود جسدية تفوق قدرة المواطن ،ومما يبعث على الألم  أن شماعة  الحكومة دائما جاهزة (  النظام المخلوع) دون بذل أي  جهود جادة  لتلافي إنهيار القطاع الصحي تماماً وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، البعض ممن يدافعون عن هذه الحكومة يقول إن الإنهيار الحاصل في القطاع الصحي هو تركة النظام السابق التي ورثتها حكومة التغيير ولكن البعض الآخر يقول إن الوضع سابقاً كان أفضل مما هو عليه الآن حتى ولو أعترته بعض المشكلات، ومن ثم نتساءل من جانبنا عن  المسؤول  الحقيقي عن  تدهور القطاع الصحي؟ وماهي مخاوف المواطنين؟ وماهي أبرز شكاويهم مقارنة  بالأوضاع داخل المستشفيات؟

(صفية) على وشك أن تضع مولودها الأول ولكنها علمت أن هناك نقصاً في الأوكسجين والبنج في المستشفيات ومن ثم أصبحت تتوجس أن يداهمها المخاض  قبل أن  تتوفر المستلزمات الطبية داخل غرفة الولادة، وشاركتها الحديث شقيقتها بأن الوضع أصبح (ما زي زمان، زمن الحكومة السابقة كان أحسن وما كنا بنشيل هم للعلاج).

حشوة أم ولادة؟
في مستشفى الأسنان لاحظت شداً وجذباً بين مريضتين فاستأذنتهما بالجلوس، حيثُ كانت المريضة سعدية محمد إبراهيم الحلاوية وهي في حالة تذمر ويبدو  عليها الغضب الشديد فهي تشكو من آلام في الأسنان وتحتاج لحشوة ،ولكن الطبيب الذي تتابع معه حدد لها  موعداً بعد تسعة أشهر وهي تقول ليس هناك ما يبرر طول الفترة وهي تتلوى ألماً وقالت له (سوقني الشهوردي بيتك أكلني لو عندك لي طريقة لأني مابقدر على الأكل فكيف أنتظر شهرين) وتضيف ( الواحد يسرق ينهب المهم يجيء شايل قروش يتعالج وبعد ده كلو  يقولوا  ليهو تعال بعد كم شهر) .

المعاملة بالواسطة
أيضاً شكت الحاجة سعدية من سوء معاملة الإداريين داخل المستشفى وفظاظة تعاملهم وقالت( حتى التعامل مع المريض يحتاج  واسطة) كما إشتكت من عدم وجود الدواء مما يعمل على تمكن المرض داخل الجسم. وشاركتها الحديث المريضة آمال حامد محمد التي تقول إن المشاكل التي تواجه المرضى هي عدم الأولوية للحالات الصعبة فيظل المريض المتألم ينتظر حتى يأتي دوره وعدم تواجد الأدوية عملية مرهقة بالنسبة لنا .مستشفى كبير وعريق كمستشفى الأسنان يفترض  أن تتوفر فيها كل الأدوية وكل إحتياجات  المرضى وتقترح  آمال إنشاء مراكز صحية في المناطق الريفية والبعيدة لتخفيف الضغط على المستشفيات الكبيرة لأنه توجد الكثير من الحالات ليس بالضرورة أن تصل إلى هنا.

خفي حنين
أما إيلاف علي فتقول إنه لا يوجد خلع للأضراس إلا في الطواريء وتركيب الأسنان والجذور متوقفة عن الخدمة منذ جائحة كرونا الأولى الإرهاق يبدو واضحاً على ملامح إيلاف نسبة للمجيء والذهاب ثم العودة مرة أخرى بحسب مواعيد الأطباء المعلقة باستمرار مع صعوبة حركة المواصلات وإرتفاع أسعارها التي أرهقتها.
نقص في كل شيء
وفي مستشفى جعفر بن عوف إشتكى عبدالمجيد يحيى من عدم توفر كل الفحوصات داخل المستشفى وكذلك الأدوية إضافة  لعدم وجود الممرضات منتصف الليل وقد تتأخر الجرعة لتعطى في صباح اليوم التالي.

غموض التحويل
الطفل الصغير الذي كان شارداً وربما يود العودة إلى عافيته ليلعب مع أقرانه يحمل القسطرة التي أثقلته يقول أبوه محمد أحمد نحن نتبع لمستشفى الشرطة في العلاج ولكن تم تحويلنا لعمل الفحوصات في الخارج وحددوا لنا إجراءها  في عيادة دكتورعثمان عبدالوهاب إختصاصي التشخيص بالأشعة وعندما سألته لماذا تم تحديد محل الإجراءات قال لا أعرف فهو كغيره من المرضى الذين تحدد لهم إجراء فحوصات في مكان معين وربما يبعد كثيراً عن المستشفى الذي يتعالج فيه كإبنه محمد هذا الذي أتى من مستشفى الشرطة إلى العيادة التي تقع جنوب مستشفى جعفر بن عوف !!! محمد شكا من إرتفاع أسعار العلاج والأدوية وكذلك السرير الذي يوفر للمريض وغلاء الفحوصات ففحص الملاريا بـ (500)جنيه.

أطباء محبطون
ليس المرضى وحدهم، فالأطباء أيضاً محبطون  فالطبيب (ن م)  يقول (لا أرى  أن هناك خططاً للمجال الصحي على أرض الواقع ولو وجدت لرأيناها في المستشفيات والقطاع الصحي ككل ، لا يوجد أمل في تغيير هذا الوضع الذي وصلنا له..) ويقاطعه زميله(كنت للتو أحدثه عن نيتي للهجرة للخارج وأحاول أن أقنعه بذلك لأن الوضع أصبح أكثر تعقيداً في ظل استحقاقات غير مجزية  ولوقعدنا هنا مابنعمل حاجة).

شماعة النظام المخلوع
أما الطبيب محمد فيقول أصبحنا نخجل من المرضى بسبب سوء الأوضاع وعدم توفر حتى الأشياء الأساسية لهم داخل المستشفى وأبسطها علاج الملاريا فنحن نعاني من نقص في الطاقم الطبي. ) ويبدو أن الطبيب (ع ن ) أكثر إنزعاجاً حيث يرى أن الوضع الآن أكثر صعوبة عما كان عليه في السابق (المشكلة أن أية مشكلة في القطاع الصحي تعلق في شماعة النظام المخلوع  ونحن بكده ما بنشتغل كويس) في ظل وضع لا يمكن إحتماله وربما يؤدي لإنهيار المنظومة الصحية ككل، ويصبح الوضع كارثياً حيث لا ينفع الندم.

تلف الأجهزة
ويقول المدير الطبي للحوادث بمستشفى حاج الصافي التعليمي لـ(الإنتباهة) إن الحوادث كانت عبارة عن مراكز عزل لجائحة الكورونا في موجتها الأولى ويضيف أن البنية التحتية للمستشفى قد تدهورت كثيراً كما أن العناية المكثفة متوقفة لأن هناك مشكلة في عدم استقرار الكهرباء الذي يؤدي إلى إتلاف الأجهزة داخل العناية، كما أن قسم الحوادث يحتاج لصيانة خاصة غرفة عمليات الحوادث، وأضاف: أن هناك نقص في إختصاصيي الجراحة كما أن المعمل لا يعمل بكامل طاقته برغم جاهزيته نسبة لغلاء المحاليل مثل الجلكوز 100مل بـ3000 والسعر الذي يدفعه  المواطن لا يغطي.

أحسن حالاً ولكن؟
الحال في مستشفى بحري التعليمي يبدو  أحسن من غيره من حيث  توفر الدواء ومعينات العمل الشيء الذي تعاني منه بعض المستشفيات وإذا وجد نقص في الدواء  يتم تغطيته من السوق المحلي وهناك وفرة دواء في قسم الطواريء وقد تحدث إشكالية في إمداد العمليات ولكن تضطر الإدارة  لمعالجتها من مخزون الطواريء حسب  المدير الطبي العام لمستشفى بحري التعليمي دكتورعدلي عوض فضل الذي عدد لـ(الإنتباهة) الأقسام التي تشملها المستشفى وذكر بعض العقبات التي كانت في قسم الحوادث حيث كان التوقف في حوادث النساء والولادة نسبة لظروف الصيانة. وأضاف ( من عوائق العمل داخل المستشفى فيما يخص المورد البشري أن المستشفى بها ما يفوق (1700) كادر ولكن قد يحدث نقص لسبب في التمريض وغيره نسبة للظروف المعروفة وهي المواصلات وغيرها في الفترة الماضية ولكن بالتعاون نستطيع حلها، وفيما يخص الفحوصات داخل المستشفى فقال إنها تتم داخلها ومتوفرة.

عدلي  يقول إن هناك نقصاً في أطباء الإمتياز وكذلك في التقنيين خاصة في فترة الكورونا وهنالك تعطل لجهاز الأوكسجين أما العناية المكثفة فلا تعمل حتى اليوم أما الجانب البيئي فهنالك إشكالية فيه خاصة في الصرف الصحي إذ لا يوجد صرف صحي مرتبط بشبكة الصرف الصحي العامة حيث يتم استخدام الشفط وقد يصل الشفط إلى (15 تنكراً) في اليوم وهنالك معالجات جارية له أما النظافة فتعمل وفق التشغيل الذاتي وليس عبر شركة وقد يحصل خلل.

خلل في التوظيف
دكتور  عدلي إشتكى من عدم قيام الموارد البشرية بأنشطتها المنوطة بها وتحدث عن بعض الإشكاليات ورثت من النظام السابق وهي عدم توظيف الكوادر الشابة وكل الكوادر عددها  (1700) أعمارهم بين (50-60) عاماً وقد تصل نسبتهم على 70% وهذه مشكلة تحتاج لمعالجة جذرية.

التحويلات المريبة
مصدر تحدث لـ(الإنتباهة )عن  الوضع داخل مستشفى أم درمان التعليمي فقال إن المستشفى تفتقر للكوادر المؤهلة لأن معظم  الإختصاصيين  الكبار لديهم عيادات خارجية ويتم تحويل المرضى من قبل أصحاب العيادات الخارجية لمستشفى أخرى توجد بها عيادته وعندما يسأل المريض عن السبب يقولون لهم إن العمليات داخل المستشفى (ما جاهزة أو واقفه عشان كدة  حانعملا ليك في مكان آخر). أما النقالات داخل المستشفى فتكاد تكون معدومة لذلك لابد من تعيين عمال مختصين بتجميعها  لأن قسم الطواريء لا يحتمل إنعدامها.

قدر قروشهم
أما الكادر الطبي فغير مبالين ولا يتواجدون في إمكانهم ويمضون وقتاً طويلاً في تناول الوجبات خارج المستشفى بحجة أنها مستشفى حكومية والعائد الذي يقدم لهم أو رواتبهم ضعيفة لذلك لا يتفانون في العمل (الشغل قدر القروش) فالراتب الذي يصرف على الكادر الطبي بسيط ولا يفي مستلزماتهم وطبيعة عملهم.

فن السرقة
صيدلية التأمين الصحي غير موجودة  داخل المستشفى ومعظم الأدوية أدوية حوادث كدرب الملح وغيرها من العلاجات المسكنة للألم ولكن الشيء المؤسف أن الحقن والدربات تباع خارج المستشفى من قبل بعض الممرضين حيث يدخل الممرض الاستقبال ويقوم بعمل كرت طواريء ويكتب فيه اسماً وهمياً ويأخذ روشتة يكتب فيها الدواء الذي يريد بيعه وكذلك يقوم بكتابته على الكرت الذي استخرجه بأسعار زهيدة جداً للصيدليات الخارجية فيقومون ببيع الحقنة الواحدة بـ (30) جنيهاً فقط في حين أنها تباع في الصيدليات بسعر (300)أو (400) جنيه  أما درب الملح يتم بيعه بسعر (50) أو (60) جنيهاً فقط في حين أن سعره (400) جنيه ولكن الصيدليات تجبره على بيها بسعر الثلاثين جنيهاً لأنهم يعرفون أنها مسروقة حسب مصادر تحدثت للصحيفة فقالت إنه كانت في السابق تباع للمرضى ولكن أحدثت لهم مشكلة لأن  المريض يأتي بحسن نية ويقول إن الممرض بالأمس (باعها لي بسعر كذا ) لذلك كان الخيار الآمن لتجارتهم الصيدليات الخارجية مخافة أن يتم كشفهم.

خلل إداري
وفيما يخص أمن المستشفى هناك شكاوى من خلل في إدارتها لعدم وجود محاسبة أو رقابة داخل وحدتهم ومن بعض السلبيات يقومون بعضهم بإدخال الزوار في غير أوقات  الزيارة المحددة  مقابل مبلغ مالي يدخل جيبه وليس كإيراد للمستشفى وأحياناً يكون تحت بصر المسؤولين في هذه الوحدة.بالإضافة لضعف إدارة المستشفى وعدم التحكم بها ويتم تصفية الإحتكاكات الشخصية داخل دولاب العمل من قمة الهرم الإداري حسب مصادرنا.

العمليات متوقفة
بالإضافة لضعف رواتب الأطباء والممرضين والعمال. فالعمال لا يتجاوز رواتبهم (3) أو(4)آلاف والحافز (800) جنيه وأقصاه (1500) جنيه.

وأضاف المصدر أن العمليات داخل المستشفى متوقفة في الخاص والعام نسبة للصيانة منذ قرابة السنة أو يزيد عدا الطواريء. كما أن الذين يعملون في مركز العزل لا توفر لهم المستشفى زياً للوقاية منها ويقومون بمخالطة الآخرين داخل المستشفى مما يتسبب في نقل العدوى. أما بالنسبة للفحوصات فإن أغلبية الفحوصات تتم للمرضى في الخارج عدا فحص الدم والملاريا ووظائف الكلى وفحص المناعة.
فوضى الصرف الصحي
الصرف الصحي يتم التخلص منه داخل المستشفى لري الأشجار أو بالقرب من المشرحة بدلاً من أن يتم نقله للخارج وكانت توجد  في السابق محطة تحلية المياه تسقى  منها الأشجار.

(الإنتباهة) علمت عن إتجاه لعمل قسم (خاص ) للعمليات وكذلك عمل الأقسام داخل المستشفى كأقسام خاصة لزيادة دخل المستشفى.
مؤسسات مدمرة
(الإنتباهة) وضعت (الوضع الصحي) لمستشفيات الولاية على طاولة مدير إدارة المستشفيات بوزارة الصحة بولاية الخرطوم الدكتور عماد مامون الذي تحدث  عن الأجهزة ورداءتها وعن أوضاع البيئة الصحية المنهارة بأعتبارهم ورثوا أجهزة ومؤسسات صحية مدمرة وخالية من الأجهزة الحديثة وبيئة عمل طاردة ويقول إن الدولة عاجزة عن توفير ما استطاع شخص توفيره لمستشفاه الخاص . وأضاف: (كبر المشاكل التي تواجه المؤسسات الصحية مشكلة الكوادر العاملة وما يتعلق بها من عدم وجود وظائف بالإضافة إلى العائد المادي الضعيف) ويرى انه لابد من فتح وظائف وزيادة العائد المادي حتى يؤمن حياة الكوادر ويعمل على استقرارهم داخل المؤسسات الصحية.وعن بيع الأدوية خاصة أدوية الطواريء التي تباع خارج المستشفى للصيدليات بأسعار زهيدة يقول إن النظام البائد دمر الضمير السوداني.

المصدر: الانتباهة أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.